كان ذلك خلال منهاجٍ أعدّته لهم العتبةُ العبّاسية المقدّسة تضمّن فقرات عديدة منها لقاؤهم بالمتولّي الشرعي للعتبة العبّاسية المقدّسة الذي كانت له كلمةٌ معهم مساء يوم الجمعة(28ذي الحجّة 1437هـ) الموافق لـ(30أيلول 2016م) في قاعة تشريفات العتبة المقدّسة، حيث بيّن قائلاً: "الإمام الحسين(عليه السلام) يمثّل عقيدتنا وهو الإمام المعصوم والمفترض الطاعة، وكلُّ واحدٍ منّا يشعر أنّه لو كان في زمانه لذهب اليه يقبّل أقدامه نتيجة رسوخ عقيدة محبّة أهل البيت(عليهم السلام) في نفوسنا وعقولنا، ولكن ما الذي حصل في يوم عاشوراء؟ وكيف كان المشهد العاشورائي؟ كانت معه طفلة وزوجة وأخت ومجموعة نساء وأخوه العبّاس(عليه السلام) وبقيّة إخوته وأولاده(سلام الله عليهم) معه ومجموعةٌ من خيرة الأنصار، هذا هو الفرق بيننا وبينهم، أنّهم عندما جاؤوا مع الإمام الحسين خصوصاً عندما وصلوا الى كربلاء وعلموا أنّ المسألة لا خلاص من الموت، حيث تيقّنوا أنّ مسألة الموت هي أيّام ولكن لا يعلمون أيّ يوم، -لاحظوا الحالة النفسية- أنّه بعد قليل بعد يومين أو ثلاثة أيام سيموت، يعني يشاهد طفلةً أمامه وهو يعلم أنّ هذه الطفلة سيُفارقها ويُشاهد زوجته وهو يعلم أنّه سيُفارقها، مع هذا المشهد كان عندهم إيمان وعقيدة حاضرين".
وأضاف: "مهما بلغنا من اليقين العلم لا نستطيع أن نفهم شخصيّة الإمام الحسين(عليه السلام) فالإنسان إذا فَهِم هذه الشخصية يتألّم بمقدار فهمه لها، لكن بالنتيجة لا نستطيع أن نفهمها الفهم الحقيقي، قدراتنا لا تتيح لنا أن نفهم شخصيّةً عظيمةً كشخصيّة سيّد الشهداء(عليه السلام) نبكي ونحزن لكن واقعاً نحن لا نعرفها ونُحيط بها، وكانت في يوم عاشوراء شخصيةٌ واحدة تفهم شخصيّة الإمام الحسين(عليه السلام) وهو الإمام السجاد(عليه السلام)، كم هو الألم الذي أصابه وأصاب العائلة ولكن ليس كألم الإمام السجاد(عليه السلام) لأنّ إدراكه يفوق إدراك البقية فهو من كان يفهمها".
وبيّن السيد الصافي: "إنّ السيدة زينب(عليها السلام) عالِمة غير معلَّمة ولكن عندما استُشهِد الإمام الحسين(عليه السلام) أخبرها الإمام السجاد(عليه السلام) بأنّ ذلك رأس أبي وبدأ الجيش الأمويّ عمليّة الانتقام بحرق الخيام، هذه الأحداث لم تُثنِ عزيمته وبقي صابراً محتسباً لأنّه هو الإمام الوحيد الذي يعلم مقام والده وكان يعلم جسارة ما صنع هؤلاء الأعداء".
موضّحاً: "زيارة عاشوراء تبيّن أنّ مصيبة الإمام الحسين(عليه السلام) هي مصيبة السموات والأرض، هذا المقدار من المشهد الذي عرضناه بالمشهد الطبيعيّ لو فرضنا نحن الآن في عصر عاشوراء ماذا نرى؟!! نرى جثثاً غير محترمة، الخيل تطئها، نرى نساء وأطفالاً سُبِيت ونرى أطفال تتباكى ونرى إماماً عليلاً مريضاً ونرى امرأةً كبيرةً في السنّ تحاول أن تلملم العائلة، بحسب الظاهر هذا المشهد محزن، بالمقابل نرى جيشاً قويّاً قتل الإمام الحسين(عليه السلام) –ظاهراً- واستحوذ على معسكره، يضحكون ويمرحون ويتفاخرون أنّهم قتلوه(عليه السلام) ثمّ بعد ذلك تركوا الجثث على الأرض ليبشّروا أنّهم قتلوا الإمام الحسين(سلام الله عليه)، هذا مشهدٌ محزن جدّاً، وحال الإنسان يتألّم مع هذه العائلة التي لم تذهب بوقار ما كانت عليه من قبل شهادة الإمام الحسين(عليه السلام)، بل ذهبت بسبيٍ وشتيمةِ الأب والأخ، والأعداء يعرّفون الإمام الحسين(عليه السلام) أنّه خارجي، هذا المنظر لو نشاهده الآن يُتعبنا ويؤلمنا كثيراً فالإمام الرضا(عليه السلام) يقول: (إنّ يوم الحسين أقرح جفوننا)".
وتابع السيد الصافي: "فالإمام السجّاد والسيدة زينب(عليهما السلام) على بصيرةٍ من أمرهم، يعلمون هذا المشهد بشكلٍ تام، حاول المقابل أن يذلّهم فما استطاع، الإمام بدأ يخطب بدأ يتحدّث عن قضايا مرتبطة بالله تعالى لم يكذّبْه أحد، وزينب(عليها السلام) عندما خطبت وتكلّمت وعدتهم بعقوبة الله تعالى، مضت الأيّام واللّيالي الآن أقوى شخصيّة في العالم هي الإمام الحسين(عليه السلام) بسبب التضحية الكبيرة التي أقدم عليها مع عائلته، وعليه نحن نشعر بالفخر للانتماء لسيّد الشهداء(عليه السلام)".
وخاطب السيد الصافي أهالي الضحايا قائلاً: "الآن في هذا المصاب الذي آلمنا وآذانا لاشكّ نحن نحزن ونحن نبكي لكن لا نقول ما يُسخط الله تعالى، هذه الأشياء التي حدثت وذكرياتكم مع محبّيكم ذكرياتٌ مؤلمة، وقد يكون بعضكم لا زال يبكي وهذا حقّ لأنّ الذي فُقِدَ عزيزٌ علينا، لكن هذه ليست نهاية المشهد فاستهدافكم بهذه الطريقة قطعاً فيه لمسةٌ طائفيّة، واستهدافكم ليس من أجل أشخاص بل من أجل ما تحملون في قلوبكم وهو الارتباط المباشر بأمير المؤمنين وبسيّد الشهداء(عليهما السلام)، وهذا يدلّ على قضيّةٍ هي أنّ الذي أقدم على قتل الطفل الرضيع عند الحسين(عليه السلام) هو عينُهُ الذي أقدم على قتل أبنائنا".
وأكّد السيد الصافي: "سترون ذلّة هؤلاء بشكلٍ يولّد عندنا الحالة التي نراها الآن في حكومة سيّد الشهداء، انتهى ذلك العنفوان والطغيان نحن بحمد الله تعالى ورثة ذلك المنهج -منهج سيد الشهداء(عليه السلام)- وهو منهجٌ يرتبط مباشرةً بالنبيّ وأمير المؤمنين وجبريل وبالله تعالى، منهجٌ دفع ضريبته الإمام الحسين(عليه السلام) ونحن الآن نفتخر أنّنا ندفع ضريبة هذا المنهج".
وأضاف: "الآن هناك رجالُ دينٍ في جبهات القتال، وهناك حالات لأناسٍ في منتهى العوز والفقر لكن فيهم الروح، وسماحة المرجع الدينيّ يقول: (أنا عندما أمرّ بهم أتذكّر دائماً أصحاب الحسين(عليه السلام))، هؤلاء الآن يندفعون الى الموت بكلّ قوّة، وحقيقةً لا يُبالون بما تركوا من أولاد وزوجات وإخوة، بالنتيجة الموت حقّ يأتي علينا جميعاً اليوم أو غداً لكن الإنسان عندما يصل الى الاستهداف لكونه محبّاً لأمير المؤمنين(عليه السلام) هذا شيءٌ كبير ويجعلنا نتمسّك بهذا المنهج".
مبيّناً: "الآن أنتم في الدعاء وفي الزيارة حاولوا أن تبيّنوا هذا الموقف في داخلكم أنّه يا أمير المؤمنين إنّما استُهدِفْنا لكوننا من مواليك فلا تتركنا يوم القيامة، نعم نحزن ونبكي ونتألّم لكن لن يفتّوا من عضدنا، فالسيّدة زينب(عليها السلام) عندما ذهبت الى جسد أخيها الإمام الحسين(عليه السلام) قالت: (اللهمّ تقبّلْ منّا هذا القربان).. نحن أيضاً نقول: اللهمّ تقبّل منّا هذه القرابين واجعلها ذخراً لنا يوم القيامة واجعلنا نصبر ونزداد إيماناً".
واختتم السيّد الصافي قائلاً: "مدينتُكم مدينةٌ مباركة مدينةٌ عتيدةٌ في ولائها لأهل البيت(عليهم السلام)، وإن شاء الله تعالى يجبر بخاطركم ويسدّدكم لما فيه خير الدنيا والآخرة، ونحن نستمدّ العزيمة من صبركم أمّهاتنا الكريمات وأخواتنا آبائنا وإخواننا، كلّ هذه الأشياء ستكون رفعةً لكم والله تعالى يقلب على رؤوس هؤلاء المجرمين ويجعلهم أذلّاء الى الأبد -إن شاء الله تعالى-، الإنسان قد يرى المصيبة كبيرةً ويتكلّم كلاماً يُخرجه عن الأجر -لا سمح الله-، ولكن عندما يرجع الى نفسه يستغفر الله تعالى، فالله تعالى أرادهم بهذه الطريقة -إن شاء الله- يرفرفون بأجنحتهم وأرواحهم ويكونون شفعاء لنا ولكم يوم القيامة".
وفي الختام جدّد أهالي الضحايا أمام المتولّي الشرعي مطالبتهم بأن تسرع وزارة الصحّة العراقية بإجراءات تسليم ما تبقّى من جثث ضحاياهم اليهم ليتسنّى لهم دفنهم وإجراء باقي المراسيم.(۹۸۶۳/ع۹۴۰)