وفي هذا الحفل عرف بالمناسبة الشيخ علي الغول، وتلا المقرئ أنور مهدي آيات من الذكر الحكيم. ثم القى الاب الشاعر والاديب الدكتور ميشال الكعدي كلمة جاء فيها: "قدرنا منذ بداية الوحي، ان نؤمن بقدسية الرسالة، وكلمة الله المنزلة، وقدرنا ان نقبل بما يأمره الخالق، والرسول الموحى اليه وابو الريحانتين وما اثنى ونقله الحسين من كلام لله يوم عاشوراء صلى باصحابه صلاة الصبح ثم قال: ان الله تعالى اذن في قتلكم وقتلي في هذا اليوم فعليكم بالصبر والقتال. قدرنا ان نرضى بشهادة الحسين، التي تسنمها المرسلون، واقتدى بها الانبياء فشاءها الرب خالية من النواقص فتلك تعافت من الجبن والتراجع، فالحسين هو الشهيد في سبيل الله، نشد الحقيقة فوجدها في بذل الروح، فجد في القضية المثلى ولم يحجم فكان سخيا بالنفس فقسم له الشهادة وعندما شعر انه ضم رسالة الدين الحنيف مرتاح الضمير والنجوانية اسلم الروح ولسان حاله يقول: استقدر الله خيرا وارضين به. وصل نعيه الى آل البيت وقد جاد بنفسه سيدا لكرامة الاسلام، ورفعة للبطولة الخارقة والعنفوان والشأن الرباني ولا غرو، فقتيل كربلاء فيه عبق الرسالة وخشوع التأمل والطلعة الغراء ووجوه طليعية مست بجناح القدرة، والق الخلافة، وتاج الامامة، ولا عجب فالشهيد هو سبط من اصطفاه الخالق، وبضعة الزهراء وحجة الله على الملأ، اما آله في الايمان فقد غدوا ملء الزمان والمكان. في الدنيا وجوه تغيب، لتتحول الى بقاء، واذا تناعوها، فليكن بدمعة ملؤها الفرح والقناعة".
وتابع: "اما الامام الحسين، فقد خص بالبقاء الدائم في الاديان والطوائف العالمية، وبقي ركن ايمان وقداسة، ومعينا للفضائل، وقبسا لأرواح المؤمنين ونفوسهم في الاديان كلها، ثم زادها ضياء في عيون البشر. الامام الذي نعيده الينا في عاشوراء، دخل الزمانين، فأحبه الكون والمرء والعقب، ومشت على زهرة دمه الاجيال، وعطفت عليه الدنيوات. هذا المعرق في الاصالة والنسب سليل الرؤى والشموخ، ومسرى البصر الى ضحايا ال البيت الذين مضوا وفي ارواحهم بهاء النعمة والصدور الزواكي. سيد شهداء الله الحسين، عندما ذهب الى الشهادة، لم يعمل بوصية الراهب اسطفانوس، وهو احد رهبان الاديار المسيحية التي كانت منتشرة بين كربلاء والنجف الاشرف، وفي تلك اللحظة بكى الراهب الذي استقبل بالحفاوة والاكرام، ثم قال للحسين: اتمنى ان اكون غدا مكانك يا بني، وانصرف. ولكن ما كتب قد كتب، فوثب الحسين وهو الجاسر الشجاع، وثبة اسدية مفادها الثقة بالخالق والاسلام، وعلى فرند سيفه، وشق ريشته الملأى بطيب الفرقان، دفاعا عن الكرامة والانسانية، راسما بنجيعه طريق الاسلام والشيعة والصلاح والقدوة والقيم والرسالة. الحسين، اضاف الى آل الرسول غر الصفات الحسينية حيث كانت النخوة والترفع ونكران الذات والقوة الخارقة وملامح لا تزول من البال، الحسين ظل على ضراوة النضال والجهاد من دون ان تلين له شكيمة، هازئا بمال الارض وكثرة الاعداء والنتائج، مكتفيا بشرف الغاية تاركا لنا وللعالم العربي ان ننعم بغنائم الشهادة المثلى. ومن عظائم الشهادة الكربلائية انها اعظم من ملاحم الارض كلها كبيرها وصغيرها".
وأكد أن "شهادة الحسين هي اروع امثولات كربلاء، انها خطة الامام الشهيد التي ما ارادها الا لغايتين، الغاية الاولى منزهة عن الحسابات، والثانية ليثبت فيها ضرورة التضحية لبقاء الدين والايمان به. وهذا ما قاله فيلسوف الكنيسة القديس بولس الذي رفع الايمان الى فوق والشهادة الى مستوى القداسة والطهارة. اما الشهداء فحسبهم الحق، الشهداء بخلودهم لا بوجودهم، وحسيننا الشهيد، ازاء اسنة التواطؤ والغدر، وطن نفسه على الصبر، واقدم على ما اراده الرب، فغدت تصرفاته شهوة في النفوس المؤمنة بسيد الكون والاسلام. حسينكم قبل رحيله نقى حياته من الشوائب وعمدها بماء الجنة، كما انه نخّلها من كل ما هو نافل لتتوحد في الجوهر، فاعتلى المنابر، نازعا الاقنعة والمصانعة، طالبا من الناس ان يبنوا حياتهم على الجرأة والصراحة والجهاد والشجاعة. رفض المبتذل وما اقتنع الا بربه وانواره الحقيقية، واذا دعاه الاسلام نهض بتبعات ارثية وذاتية ثم الى نصرة البائس والزود عن المظلوم والمغلوب على امره".
وقال: "اذا كان الشهداء ينالون اماكنهم في الخاطر اليقظ وفي سدرة الجنان، فأي مكان يناله شهيد كربلاء. يا ابا عبد الله، انت من رموز القديسين الذين جاوروا السماء، فما اتفهنا ان لم نقر بذلك، وما اعجز الخلق ان ظلوا على قلة الوفاء والخذلان، يا حسين، قلت شخصيا في كربلاء قرب مرقدك وانا القي محاضرتي بعنوان عالمية الامام الحسين في الاديان والطوائف العالمية: نحن لم نخسر في كربلاء وان مضيت شهيدا كانما الله اراد نصرك في الشهادة يا حسين، غلبة السلاح ليست غلبة، انت الغالب في قيمك ورسائلك وقدوتك ودينك او تسألون كيف؟ الغالب من تعاطفت فيه الارومة الاحمدية والمحتد الاسلامي وعظمة حيدرة ونقاء الزهراء، يا ابا عبد الله انت ايضا حامية اسلام ودين ولا جدال لو تعرفون! لولا سيد الشهادة هذا لولا قاعدة الشهادة في بيتكم وآلكم على هذا المستوى لما بقي الاسلام. يا حسين ان دمك الذي اضاء في نفوسنا جدّ في تنمية المناقب والفضائل والصفات وترسيخ البطولة وتبيان الحق والمثالية والفداء ومفاهيم المجد، بلى فيك كانت الغلبة والمعاني الخالدة التي ستبقى ابدا ولا تفنى، اما الوعد لك، فسنبقي كربلاء للبقاء في نفوسنا ودنيانا".(۹۸۶۳/ع۹۴۰)