11 November 2016 - 20:49
رمز الخبر: 425419
پ
السید فضل الله:
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: "عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الإمام الكاظم هذا الإمام الذي مرت علينا ذكرى ولادته في السابع من هذا الشهر، حين قال "أوصيكم بالخشية من الله في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والاكتساب في الفقر والغنى، وأن تصلوا من قطعكم، وتعفوا عمن ظلمكم، وتعطوا من حرمكم، وليكن نظركم عبرا، وصمتكم فكرا، وقولكم ذكرا، وطبيعتكم السخاء، فإنه لا يدخل الجنة بخيل، ولا يدخل النار سخي". وقال أيضا: "قل خيرا، وأبلغ خيرا، ولا تكن إمعة، لا تقل أنا مع الناس، وأنا كواحد من الناس. يا أيها الناس، إنما هما نجدان نجد خير ونجد شر، فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير".
السيد فضل الله

 أضاف: "أيها الأحبة، عندما نأخذ بهذه الوصايا ونلتزم بها، نعبر عن حبنا وولائنا الحقيقي لأهل البيت، فهم لا يريدون منا الاكتفاء بالدموع وبمشاعر الحزن، بل يريدون مواقف وحلولا في ميادين الخير والعمل وساحات الوعي، وبذلك نواجه التحديات. والبداية من لبنان، حيث لا يزال اللبنانيون ينتظرون ولادة الحكومة العتيدة، التي يأملون أن لا تطول مدة تشكيلها، أسوة بالتجارب السابقة. ومع الأسف، أصبح الانتظار الطويل هو ما يحكم اللبنانيين في التعامل مع تشكيل الحكومات، حتى لو كانت مثل هذه الحكومة التي لن تدوم لأكثر من 7 أشهر، وتأتي في ظرف استثنائي بالغ التعقيد داخليا وخارجيا، لقلة الوزارات السيادية وكثرة المستوزرين. ولكن المشكلة هنا، تكمن في عدم استعداد أحد لأن يتنازل لحساب الآخر، لتسيير الأمور وإزالة التعقيدات".

 

وتابع: "وفي ظل كل هذا الجدل الدائر حاليا، فإننا نضم صوتنا إلى صوت كل الداعين إلى الإسراع في تأليف حكومة، لكننا لا نريدها أية حكومة، بل نريدها حكومة وحدة وطنية، تأخذ بعين الاعتبار التوازن الطائفي والمذهبي والسياسي، لضمان استقرار البلد الذي لا يقوم ولا يحكم إلا بالتوازن، وأن يتم الاختيار على أساس الكفاءة ونظافة الكف والمصداقية، وقدرة الوزير على النهوض بالموقع الذي سيستلمه. إن من حق كل طائفة أو مذهب أو موقع سياسي، أن يختار من يمثله، لكنه عليه أن يختار من يخدم الجميع، وأن يفكر في حسابات الوطن، لا أن يبقى متلبسا بثوبه الطائفي والمذهبي، وهذا لا يعني أن يتنكر لطائفته أو مذهبه أو موقعه السياسي، لكن أن يختار الشخص الذي يخدم الجميع ويتحمل مسؤوليته عنهم جميعا".

 

وقال: "إن التمسك بهذا المنطق هو ما ينتظره اللبنانيون من العهد الجديد، فهم يريدون أن يروا منه نمطا جديدا في اختيار من يتصدون لمواقع المسؤولية، والتعاون في إدارة شؤون البلد، فبذلك نبني وطنا ودولة. إننا لا نريد أن نحمل العهد الجديد أكثر مما يتحمل، فنحن نعرف حجم التركة الثقيلة والتعقيدات في الساحة الداخلية، وندرك أن التغيير في التركيبة ليس سهلا، لكن هذا لا يعني الانكفاء أو التبرير للاستمرار في الأخطاء السابقة. إن مشهد الحكومة القادمة نريده أن يكون تعبيرا عما يطمح إليه اللبنانيون، لا أن يكون صورة متكررة في الأسلوب والإدارة. إن التغيير في هذا البلد لن يتم إلا من خلال أولئك الذين يستعدون للتضحية من أجل بلوغه. ونبقى في هذا البلد، لنثمن أجواء التلاقي التي بتنا نشهدها، وندعو مجددا إلى طي كل الصفحات السوداء من تاريخ هذا البلد حول القضايا التي شكلت موضع خلاف بين أبنائه، وسببت لهم جراحا. ونريد لهذه الصفحات السوداء ألا تكون أساسا لهذا العهد".

 

وقال:" إن اللبنانيين أحوج ما يكونون في هذه المرحلة إلى أن يتوحدوا على استقلالهم وعلى مقاومتهم والعالم اليوم يغبط أبناء هذا البلد على قدرتهم على التآلف، في الوقت الذي يضج المحيط حولهم بالخلافات والصراعات والدمار. إن ما وصل إليه اللبنانيون هو نعمة، ومن مسؤولية الجميع أن يحافظوا عليها، وأن يتنازلوا لحساب الوطن، لا أن يعتمدوا على توافق دولي وإقليمي على تبريد الساحة اللبنانية، حتى يبقى حفظ البلد نتاج إرادة اللبنانيين وخيارهم، وبناء على قناعة راسخة، بأن البلاد لا تحفظ إلا بإرادة أبنائها ووحدتهم".

 

وأضاف:"إلى الانتخابات الأميركية، التي شكلت الحدث الأول في العالم، نظرا إلى موقع أميركا في هذا العالم، ودورها الكبير في الكثير من مشاكله وقضاياه، تأزيما أو معالجة، إننا في هذا المجال، نعيد التأكيد على ما كنا أشرنا إليه سابقا عند حديثنا عن الانتخابات الأميركية، وهو أن ما يحكم الناخب الأميركي هو الوضع الداخلي أو القضايا الخارجية المؤثرة فيه، وأن من ينجح هو الذي يستطيع إقناع الشعب بأنه يحمل الرفاه الاقتصادي له، ويعالج مشكلاته الخاصة. نعم، ما يقلقنا هو الخطاب الذي سمعناه، والذي يحمل الكثير من الكراهية تجاه المسلمين أو المهاجرين، وتجاه اللون الآخر، ويسيء إلى مصالح فئات كثيرة من هذا الشعب، وهو ما لا نرى مصلحة لأحد في تكريسه. وتكمن خطورته في أنه يأتي متجاوبا مع خطاب نراه يتردد في أوروبا".

 

وتابع: "أما السياسة الخارجية التي قد يراهن الكثيرون على حدوث تغييرات فيها، فإننا لسنا من الذين يراهنون على ذلك، لأن أميركا ستبقى أميركا التي نعرفها، وستظل تتحرك من وحي مصالحها ورغباتها فقط، بأن تكون هي الأقوى في هذا العالم، وهي لن تخرج عن سياستها في الهيمنة والسيطرة على ثروات الدول والشعوب ومقدراتها لتحقيق رفاهيتها أو لإبقاء سيطرتها على هذا العالم، فيما سيبقى الكيان الصهيوني هو الولد المدلل لها. إن رهاننا سيبقى على تنمية عناصر القوة لدينا في كل الميادين، فقد أثبتت كل التجارب أن ما يغير سياسات الكبار هو إرادات الدول والشعوب، وهذا ما ينبغي دائما الرهان عليه عندما تسعى دولنا وشعوبنا إلى بناء قوتها. عندها، سيضطر العالم إلى التعامل معنا باحترام. لذلك، نقول لكل الخائفين والمتوجسين: ما عليكم إلا أن تعالجوا نقاط ضعفكم، وتبنوا مواقع قوتكم. عندها، سيحترمكم العالم الذي لا يحترم المتسكعين على أبواب الدول الكبرى لحمايتهم".(۹۸۶۳/ع۹۴۰)

 

 

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.