وشدد العلامة الغريفي خلال حديث الجمعة من جامع الإمام الصادق (ع) في منطقة القفول على أن كل الإجراءات الرسمية، والضوابط الوضعية لن تقوى على تحصين حركة أموال الخمس بالدرجة التي يتوفر عليها “الوكلاء الأجلاء الفضلاء” بما يتوافرون عليه من ضوابط لا ترقى إلى الحد الأدنى منه أنزه المؤسسات الوضعية.
وجاء في نص الحديث:
“أوضاع الوطن إلى أين؟
سؤال يعبر عن حس وطني، عن غيرة وطنية، وعن ولاء صادق للأرض والوطن.
منْ لا يملك هذا الحس، وهذه الغيرة، وهذا الولاء، فلا يعنيه إلى أين تتجه أوضاع الوطن، وإلى أي المآلات، إلى خير أم إلى شر]، إلى صلاح أم إلى فساد، إلى هدوء أم إلى تأزم، إلى أمن أم رعب، إلى تسامح أمْ إلى عصبية، إلى محبة أمْ إلى كراهية، إلى وحدة أمْ إلى تشتت.
فالسؤال: أوضاع الوطن إلى أين؟
سؤال يجب أنْ لا يصمت، وإذا صمت هذا السؤال، فلهذا الصمت أحد مبرريْن:
المبرر الأول: انتهاء الأوضاع المأزومة
وذلك حينما تنتهي أسبابها، ومكوناتها، ومنتجاتها، فإذا كان الأمر كذلك، فلا مبرر أنْ يطرح هذا السؤال: أوضاع الوطن إلى أين؟
ما دام الإصلاح الجاد والحقيقي قد بدأ يتحرك.
وما دامت النوايا الصادقة في معالجة الأزمات قد نشطتْ.
وما دامتْ الإرادات الفاعلة قد بدأت.
وما دامت الثقة بين الحكم والشعب قد تأسستْ.
المبرر الثاني: انتهاء الغيرة على الوطن
حينما تبقى الأزمات المرهقة للوطن، فلا يرتفع صوت يحمل القلق على أوضاع الوطن، فماذا يعني هذا؟
يعني: إن الغيرة على الوطن قد انتهت.
وإن الحس الوطني قد تكلس.
وإن الولاء الصادق للوطن والأرض قد غاب.
أما إذا افترضنا وجود الأزمات.
وافترضنا وجود الغيرة، والحس، والولاء، فمن الطبيعي أنْ يبق السؤال عن مآلات الأوضاع يلح، ويضغط، ويبحث عن إجابات مقنعة، وقادرة على أنْ تنهي حالات القلق والتوتر التي أنتجها ضغط الأزمات.
إنه ليس سؤالا للاستهلاك الخطابي، وليس من أجل الترف الفكري، وليس رغبة في المزايدات السياسية والإعلامية.
إذا وفق القراءة الموضوعية، السؤال المطرح: (أوضاع الوطن إلى أين؟) له مبرراته ومسوغاته، ويظل هذا السؤال يبحث إجابات، ويلاحق كل الاحتمالات، بما تحمله من تفاؤلات، أو تشاؤمات.
ما نتمناه ومن منطلق الحب والوفاء لهذا الوطن أنْ لا ينغرس في نفوس الناس اليأس والإحباط، وأنْ لا يموت في داخلهم الأمل والتفاؤل.
وما نتمناه من منطلق الحب والوفاء لهذا الوطن أنْ تتهيأ الأجواء والمناخات القادرة على أنْ تنتزع القلق الذي بات مهيمنا على النفوس.
ولم يتشكل هذا القلق من منسوجات الأوهام والظنون، وإنما هو واقع فرضته معطيات متحركة على الأرض، فيما هي أوضاع الناس المعيشية، والحياتية، والسياسية، والحقوقية، والأمنية.
فإلي أين تتجه مؤشرات الأوضاع؟
ومنْ الذي يؤسس لهذا التوجه في حركة هذه المؤشرات؟
هل هي السلْطة؟
هل هي القوى الدينية؟
هل هي الجمعيات السياسية؟
هل هو الشارع بكل جماهيره، ومكوناته؟
لا شك أن كل هذه المواقع تشكل عوامل فاعلة في التأسيس؛ لإنتاج المؤشرات في مساراتها المتفائلة، أو المتشائمة.
المطمئنة، أو القلقة.
الواثقة أو المرتبكة.
إلا أن ما تملكه السلطة من إمكانات، وقدرات وأدوات يحملها كل المسؤولية في إنقاذ الأوضاع، والدفع بمسار المؤشرات في اتجاه إنتاج الأمل، والتفاؤل، والاطمئنان، وليس في اتجاه اليأس، والقلق، والإحباط.
ليس ذلك عسيرا، فبيد السلطة إنقاذ الوطن من كل المآلات المرعبة، والمرهقة، والمكلفة.
وبيد السلطة أنْ تدفع بكل الخيارات القادرة على إصلاح الأوضاع.
وبيد السلطة أنْ تهيئ كل المناخات الصالحة؛ لتصحح كل المسارات.
لا أريد أنْ أقول: إن بقية المواقع لا تتحمل أي مسؤولية، بل تتحمل الكثير من المسؤولية، وبدونها تتعثر مشروعات الإصلاح، والبناء، والتغيير.
إلا أنه ليس من الإنصاف إطلاقا أنْ يساوى بين المسؤوليات، والإمكانات، والقدرات، والأدوات، وليس من الإنصاف أنْ يتساوى إنتاج الإخفاقات، والأزمات.
وإذا كان مطلوبا أنْ تمارس تلك المواقع مراجعة ومحاسبة ونقدا ذاتيا، فالسلطة مطلوب منها بدرجة أكبر وأكبر أنْ تمارس هذه المراجعة والمحاسبة وهذا النقد الذاتي.
وليس عيبا، ولا فشلا، ولا نقصا محاسبة ومراجعة السياسات والممارسات، فهذا يشكل علامة رشد، وصحة، وثقة، وقوة، واطمئنان، وبداية حركة في الإصلاح والتصحيح، والبناء والتغيير.
وإلا فإن الأخطاء تتراكم، وتتكرس، وتقود إلى الإخفاقات والتراجعات، والانتكاسات.
القانون يكفل حق الممارسة للفرائض الدينية
وهذا واضح بحسب نصوص الميثاق والدستور.
إذا ماذا تعني الإجراءات الأخيرة الخاصة بمحاكمة فريضة الخمس؟!
صحيح نسمع عن بعض الجهات الرسمية تطمينات بعدم استهداف فريضة الخمس، وإنما هي عملية ضبط لحركة جمع الأموال للأغراض العامة، فيدفعنا هذا إلى مراجعة الهواجس، فنطمئن لكون ما نمارسه ليس جمعا للأموال، وإنما هو فريضة دينية يقوم بأدائها أتباع هذا المذهب حسب التكليف الشرعي.
إلا أننا نفاجأ بتصريحات رسمية أخرى تستنفر القلق والهواجس، وأن هناك ملاحقة لهذه الفريضة، وإلا فما عسانا نفهم حينما نقرأ تصريحات من جهات رسمية يؤكد (على وجوب اخضاع الخمس والزكاة للقانون)؟!
ألا نفهم من هذا تدخلا في فريضة الخمس؟!، وهي فريضة دينية، كما هي فريضة الصلاة، وفريضة الصيام، وفريضة الحج، وبقية الفرائض الدينية؟!
فما المقصود من إخضاع فريضة للقانون؟
إذا كان الغرض مراقبة مصدر هذا المال وجهات صرفه، فإننا نتساءل ما المقصود من مراقبة مصدر مال الخمس؟
هل هو التعرف على منْ يدفع هذه الأموال؟
إنهم أتباع هذا المذهب المكلفون شرعا بدفع هذه الأموال.
ولا أعتقد أن المطلوب التعرف على مصادر المال عند المكلفين.
وأما مراقبة جهات الصرف، فهي محددة شرعا في موارد نصت عليها الكتب الفقهية، ولا يجوز تجاوز هذه الموارد.
وقد وضعت ضوابط شرعية مشددة؛ لحماية جهات الصرف.
ومن هذه الضوابط: إن الوكلاء المخولين بتسلم أموال الخمس يجب أنْ يتوفروا على درجات عالية جدا من التقوى، والورع، والعفة، والنزاهة، والنظافة، والاستقامة، وعلى درجات عالية جدا من الكفاءة العلمية، والفقهية، والثقافية، وعلى درجات عالية جدا من الخبرات، والقدرات العملية التطبيقية.
ألا يشكل هذا ضمانة قوية؛ للحفاظ على حركة أموال الخمس؟!
ولن تقوى كل الإجراءات الرسمية، والضوابط الوضعية أنْ تحصن حركة أموال الخمس بالدرجة التي يتوفر عليها (الوكلاء الأجلاء الفضلاء) بما يتوافرون عليه من ضوابط لا ترقى إلى الحد الأدنى أنزه المؤسسات الوضعية!
وأما الكارثة كل الكارثة حينما يتهم وكلاء أتقياء نزهاء بالتعاطي مع الأموال القذرة، والمدنسة، والمحرمة، وأنْ يحاكموا على ذلك!
إن العواقب لهذا الذي يجري عواقب في غاية الخطورة، ومآلاتها مدمرة ومرعبة، وربما تنذر بطوفانات من الغضب.
إن الرشد، والحكمة هو ما يحمي هذا الوطن، ويجنبه كل الأخطار، والمنزلقات، والمآلات الصعبة.
والحمد لله رب العالمين.(۹۸۶۳/ع۹۴۰)