ومما جاء في خطبته السياسية:
"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستهدي بخلق السيدة الزهراء التي حملت كل عناوين الطهر والصفاء، فعندما أحست بدنو أجلها، قالت للامام علي "يا ابن عمي، ما عهدتني كاذبة ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني"، فقال: "معاذ الله، أنت أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم وأشد خوفا من الله أن أوبخك غدا بمخالفتي، فقد عز علي مفارقتك وفقدك، إلا أنه أمر لا بد منه. والله، لقد جددت علي مصيبة رسول الله، وقد عظمت وفاتك وفقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون، من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها، هذه والله مصيبة لا عزاء عنها، ورزية لا خلف لها".بهذا السمو الإنساني والرسالي، عاشت السيدة الزهراء مع كفؤها علي وبمثله بادلها، فقد كان يقول: "والله، ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمرا، لقد كنت أنظر إليها فتكشف عني الهموم والأحزان".
اضاف: "نحن عندما نتحدث عنهما، فإننا لا نتحدث عن عالم آخر لا يمكن بلوغه، وليس من تكليفنا، بل إنهما نموذج يقتدى ويحتذى به، وينبغي أن نتمثله في كل بيت من بيوتنا، بحيث تكون الزهراء نموذجا لكل زوجة، ويكون علي انموذجا لكل زوج. بهذا فقط نعبر عن حبنا وولائنا للصديقة الطاهرة الزهراء ولعلي . وبهذا المنطق، نبني بيوتا قادرة على أن تخرج نماذج يقتدى بها، ونكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات".
وتابع: "البداية من لبنان، الذي لا يزال في دائرة المراوحة على صعيد قانون الانتخاب، بعد أن غاب التوافق على قانون يرضي كل المواقع السياسية، حيث يصر كل فريق على عدم القبول بأي قانون يفقده الموقع الذي بلغه في طائفته أو في المعادلة السياسية. ونحن نرى أن من حق كل فريق سياسي أن يحقق لنفسه التميز في المعادلة السياسية، وأن لا يخسر أيا من مواقعه، وأن يزيد من حضوره، ولكن هذا لا ينبغي أن يكون بأية وسيلة، وأن يتم مثلا ـ كما يراد الآن ـ في ظل قانون انتخابي عفا عليه الزمن، حتى لو جمل بالمساحيق، أو قانون لا يؤمن صحة التمثيل، ولا يسمح بتجديد الحياة السياسية، أو قانون يفتقد إلى المعايير الواحدة في كل المناطق اللبنانية.ومن هنا، نعيد دعوة الأفرقاء السياسيين إلى أن يراجعوا خياراتهم في القانون الانتخابي، بحيث يكونوا فيه كبارا، وعلى مستوى تطلعات اللبنانيين وآمالهم بمستقبل أفضل، وألا يكونوا عقبة أمام أي تغيير هو من حق اللبنانيين، وأن يتذكروا أن التاريخ لم يبق إلا للكبار.وإلى أن يحصل ذلك، فإننا نعيد دعوة الشعب اللبناني إلى أن يكون حاضرا، وأن يرفع صوته، ويبلغ رسالته، ويقول لكل القوى السياسية التي تتعامل معه على أساس أن أصواته في جيوبها، إلى الكف عن هذا الأسلوب المهين، فأصوات اللبنانيين ليست في جيب أحد، بل هي مرهونة بالمواقف والطروحات وأسلوب التعامل مع القضايا الراهنة، وبمدى التخطيط للمستقبل الأفضل، والموقف من القانون الانتخابي ليس بعيدا من ذلك.إننا سنبقى نراهن على هذا المنطق الحر والواعي الذي لا يستجيب للتخويف المصطنع على الطائفة والمذهب، لتغيير ميزان هذا الموقع أو ذاك، أو لاستثارة الغرائز والحساسيات ممن يتقنون ذلك.وفي هذا الوقت، ينتظر اللبنانيون موازنة الحكومة بقلق، في ظل الخوف من أن ترتب عليهم أعباء إضافية جديدة يكثر الحديث عنها، لسد احتياجات الخزينة العامة، بحيث تؤخذ من جيوب المواطنين بدلا من أن تكون من حساب الشركات الكبرى والمصارف المالية والأملاك البحرية والكماليات، وبإيقاف الهدر المستشري في مفاصل الدولة واستعادة المال العام، وخصوصا بعد أن اعترف وزير المالية بإمكانية الاستغناء عن الضرائب إذا وقف الهدر في أماكن كثيرة في الإدارات والمؤسسات، وليس بعيدا عنا مبلغ الـ 260 مليون دولار، الذي نخشى أن يضيع على خزينة الدولة، من الإنترنت غير الشرعي وغير ذلك، بعدما أصبح المجرم والشرطي والقاضي في لبنان واحدا".
وقال: "نبقى في لبنان، لنقدر العين الساهرة للقوى الأمنية، بكل تنوعاتها، على حماية البلد من الإرهاب الذي أخذ قراره بضرب المفاصل الاقتصادية والسياحية، من خلال تخطيطه لضرب الوسط التجاري في بيروت، بعد أن بات لبنان ينعم بالهدوء والاستقرار".
وتابع: "ونصل إلى بورما، لنتوقف عند الأعمال الوحشية التي ترتكب بحق مسلمي الروهينجا في ميانمار من قبل الأغلبية البوذية. ونحن هنا، ندعو الأمم المتحدة ورعاة حقوق الإنسان في العالم إلى القيام بمسؤولياتهم للضغط على المجلس العسكري، لحماية المسلمين المتواجدين في هذا البلد.. كما ندعو منظمة التعاون الإسلامي إلى رفع الصوت والقيام بالدور المطلوب منها في هذا المجال. وإلى فلسطين، حيث تستمر معاناة الشعب الفلسطيني، من خلال استمرار الحصار والغارات على غزة، والتوسع في المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، وصولا إلى إقرار قانون الوحدات الاستيطانية، وهو تشريع يسمح بمصادرة الأراضي الفلسطينية.وهنا، ندعو المجتمع الدولي إلى أن يتحمل مسؤولياته في الضغط على الكيان الصهيوني، في الوقت الذي ندعو الدول العربية والإسلامية إلى التعامل بجدية مع القضية الفلسطينية ومع كل ما يجري في فلسطين، حتى لا تتكرر مجددا تجربة ضياع البقية من فلسطين، كما ضاع جزء منها في السابق.ولا بد لنا في هذا المجال، من أن ننوه بمقاومة الشعب الفلسطيني، الذي يصر على أن يبقي جذوة المقاومة متقدة، وهو يتجاوز في ذلك كل الخلافات التي تعصف بالساحة الفلسطينية، وكل المراهنين على الحلول السلمية التي لم تأت".
وختم فضل الله: "نستعيد في هذه الأيام الذكرى الثامنة والثلاثين لانتصار الثورة الإسلامية في إيران، بقيادة الإمام الخميني ونستذكر التضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب الإيراني، والتي جاءت لتؤكد قدرة الشعوب على الأخذ بخياراتها الصحيحة، وامتلاك قرارها الحر البعيد عن كل المحاور الدولية، حين تتوفر لها القيادة الواعية والشجاعة والبعيدة عن الارتهان للمصالح الخاصة والحسابات الآنية.ونحن نثق بأن هذه الروح التي ساهمت في انتصار الثورة الإسلامية، والتي حفظت بعد ذلك الجمهورية الإسلامية من أعدائها والمناوئين لها، هي التي ستحفظها من أي تحديات مقبلة. إننا نغتنم هذه المناسبة لنهنئ الشعب الإيراني وقيادته، ونثمن التضحيات الغالية التي بذلوها لتبقى الروح الجهادية متجذرة في العقول والقلوب".(۹۸۶۳/ع۹۴۰)