كما اشاد السيد مرتضى الكشميري بموقف المرأة العراقية في مساندة المجاهدين تأسياً بالزهراء (ع) مؤكدا على المؤسسات والمراكز الاسلامية في أوربا وغيرها إحياء موسم الزهراء (ع) في هذه الأيام.
جاء حديثه هذا بمناسبة استشهاد فاطمة الزهراء (ع) التي تصادف السبت 13 وحتى 15 جمادى الاولى الموافق 11 إلى 13 شباط 2017، مبتدئاً في بيان مقامها بالحديث الوارد عن رسول الله (ص): (فاطمة بهجة قلبي وابناها ثمرة فؤادي وبعلها نور بصري والائمة من ولدها أمناء ربي وحبله الممدود بينه وبين خلقه، من اعتصم به نجا ومن تخلف عنه هوى)
قائلاً: لهذا احتلت (ع) الموقع الذي لم تتبوأه امرأة قبلها ولا بعدها إلا مثيلاتها الثلاثة، لقول النبي (ص): (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه و آله)).
لقد كانت فاطمة الزهراء (ع) تمثل محوراً أساسياً للمشروع الرسالي العظيم ذي الأبعاد الثلاثة: (محمد رسول الله (ص))، و(علي بن أبي طالب (ع))، و(فاطمة الزهراء (ع)).
فأبوها النبي (ص) سيد الأنبياء ورسول الله للبشرية كافة، وبعلها الامام امير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) المحامي والمدافع الأول عنه وعن الإسلام، وفاطمة الزهراء (ع) حلقة الوصل بين النبوة والإمامة والتي دافعت عن مسيرة الرسالة الالهية (الإمامة) وبذلت كل ما تملك حتى حياتها من أجل إحقاق الحق.
ونحن في هذا المقام حينما نريد أن نوثق عظمة الصديقة فاطمة الزهراء (ع) من خلال ما نملكه من النصوص القرآنية والحديثية والتاريخية سنقف على مجموعة كبيرة من الأدلة التي تثبت لنا عظم شخصيتها ومكانتها في الإسلام.
فمن القرآن: (آية التطهير) و(آية المودة) و(آية المباهلة) و(آية الابرار) و(آية الاطعام) وغيرها من الآيات التي تعد شواهد مهمة وقاطعة على عظمتها.
وكنموذج من هذه الآيات: آية التطهير، فقد ذكر الحاكم في مستدركه – ج3 ص146- في رواية أم سلمة وهي صحيحة على شرط البخاري (في بيتي نزلت ((انما يريد الله ان يذهب عنكم الرجس أهل البيت..)) فأرسل رسول الله (ص) الى علي (ع) وفاطمة (ع) والحسن والحسين (ع) وقال: هؤلاء أهل بيتي) ومثلها في صحيح مسلم – ج7 ص130- عن عائشة.
وهكذا يرد نفس الكلام في بقية الآيات التي لا تقبل الشك والشبهة في بيان عظيم مقامها ومنزلتها عليها السلام، ولمزيد الاطلاع يراجع: (فضائل الخمسة من الصحاح الستة) ليتجلى للقارئ ما ذكرناه.
أما الأحاديث الواردة في حقها من النبي (ص) والعترة الطاهرة من أبنائها فقد استفاضت بها كتب الفريقين وصحاح القوم ومسانيدهم لدرجة بلغت حد التواتر.
وأما التاريخ فقد أثبت لنا بأنها كانت أول مدافعة عن حريم الإمامة، وخير شاهد على ذلك خطبتها العظيمة التي خطبتها في مسجد النبي (ص) بحضور المهاجرين والأنصار، ودافعت فيها عن حقها وحق بعلها (ع) إضافة إلى ما أظهرته من علل الأحكام وأسرار الدين بأسلوب لم يسبقها إليه أحد.
ومن هذه الإشارة العابرة وغيرها نستطيع القول: إن الزهراء (ع) كانت أفضل مخلوقة على وجه الأرض من النساء، ولما كانت بهذا المستوى من الرقي وجب على المرأة المؤمنة اليوم الاقتداء بها والأخذ بكل مفردة من مفردات حياتها. وما أحوجنا الى هذه القدوة في زماننا المعاصر خصوصا واننا نعيش في عالم الغرب عالم الانفتاح على الثقافة الغربية المليئة بالمفارقات التي تجانب منهج الاسلام وطريقته. فقد تتصور بعض نسائنا في هذه البلدان ان المرأة النموذجية هي التي لها القدرة على التعاطي مع ضروريات المرحلة الراهنة وحاجات العصر في هذا المجتمع، فنقول: نعم هذا امر وارد، ولكن ينبغي ان يعرفن بأن المرأة المسلمة لا تكون عنصرا منتجا متحركا وقدرة فاعلة في شتى مجالات الحياة من الثقافة والاجتماع والتربية والسياسية سواء في هذه البلاد او غيرها، اذا لم تكن ملتزمة باحكام الشريعة وضوابط الدين وقيم الاسلام وتوجيهات القران، وفي التاريخ القديم والمعاصر امثلة كثيرة من النساء اللواتي كن مثالا للصمود والشموخ والتحدي بحجابهن الاسلامي وعفافهن وقيمهن الاخلاقية، وبهذه الروحية الدينية العالية ربين اجيالا واجيالا فصرن المثل في العطاء والابداع، ولهذا وغيره نكرر قولنا: بأن المرأة المسلمة ان ارادت الرقي والتقدم فعليها ان لا تخرج في حياتها عن دائرة سيرة الزهراء (ع) لانها القدوة الكبرى لكل نساء الامة.
نعم، لقد كانت الزهراء (ع) هي المثل الأعلى للمرأة المؤمنة المسلمة في علاقتها مع الله تعالى، فقد قامت في محرابها حتى تورمت قدماها. وكانتالقدوة لكل نساء الأمة في علاقتها مع زوجها، فقد ذكر المؤرخون أنها عاشت مع أمير المؤمنين (ع) مشاركة إياه الحياة بكل مافيها من محن ومآسي قانعة بما قسم الله تعالى حتى قال الإمام علي عليه السلام : (فوالله ما أغضبتها ولا أكرتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجل، ولا أغضبتني ولاعصت لي أمرا ولقد كنت أنظر اليها فتكشف عني الهموم والأحزان). وكانت (ع) هي القدوة في الجهاد، وذلك بمساندة أبيها وبعلها في جهادهم ضد الأعداء، وهي التي ضمدت جراح أبيها النبي (ص) يوم أحد حينما كسرت رباعيته، حتى أثنى النبي عليها قائلاً: (نعم الدواء دواؤك يا فاطمة). هذا، ولا ننسى اليوم موقف المرأة العراقية واقتداءها بسيدتها الزهراء (ع) في مساندة الآباء والأزواج والأبناء في الدفاع عن أرض العراق ومقدساته، فضربت بذلك أسمى الأمثلة في الجهاد والتضحية.
غير أن من المؤسف أن الصديقة (ع) لم تعش بعد وفاة أبيها النبي إلا أياماً قليلة متجرعة فيها الغصص والمحن، مما حدا بها أن تجلس على قبر النبي (ص) شاكية له همومها وما ألم بها وآخذة قبضة من تراب القبر تشمها وتقول:
ماذا على من شم تربة أحمد أن لا يشم مدى الزمان غواليا
صبت عليّ مصائب لو أنها صبت على الايام صرن لياليا
ونحن بهذه المناسبة الاليمة لابد لنا أن نستلهم من حياة الصديقة فاطمة (ع) الدروس والعظات والعبر مما يذكره لنا الخطباء والمبلغون في هذه الأيام ونقف مع من وقفت معهم ونبرأ ممن تبرأت منهم لقوله (ص) : (يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها) ولقوله (ص) للامام علي (ع): (وهذه والله سيدة نساء العالمين هذه مريم الكبرى واعلم اني راض عمن رضيت عنه ابنتي فاطمة وكذلك ربي والملائكة وويل لمن ظلمها وابتزها حقاها اللهم اني منهم بريء).
فلهذا وغيره نهيب بالمؤمنين والمؤسسات والمراكز في أوربا إحياء هذه الذكرى الاليمة في هذه الايام بشكل يتناسب مع مقامها وشأنها ليكون ذلك مواساة لأبيها النبي (ص) وبعلها الوصي (ع) وولديها الحسنين (ع) وأبنائها الأئمة الميامين (ع).
اللهم صَلِّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ما أحصاه علمك وأحاط به كتابك.
وحشرنا الله واياكم معها يوم القيامة ولا حرمنا من شفاعتها وشفاعة ابيها وبعلها وبنيها إنه سميع مجيب.(۹۸۶۳/ع۹۴۰)