03 March 2017 - 16:06
رمز الخبر: 428495
پ
السید فضل الله:
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين.
السید فضل الله

ومما جاء في خطبته السياسية:

"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به رسول الله بضعته السيدة الزهراء، وهي التي مرت علينا ذكرى وفاتها في هذه الأيام، بناء على الرواية التي تشير إلى أنَّ وفاتها حصلت في الثالث من جمادى الآخرة، عندما قال لها: "يا فاطمة، لا تنامي حتى تعملي أربعة أشياء: حتى تختمي القرآن، وتجعلي الأنبياء شفعاءك، وتجعلي المؤمنين راضين عنك، وتعملي حجة وعمرة". استغربت السيدة الزهراء كلام أبيها رسول الله، وقالت له: "يا أبت، أربعة أشياء لا أقدر في هذه الساعة على أن أفعلها"، فتبسم رسول الله وقال لها: "إذا قرأت "قل هو الله أحد" (أي سورة التوحيد) ثلاث مرات، فكأنك ختمت القرآن، وإذا صليت علي وعلى الأنبياء من قبلي، فقد صرنا لك شفعاء يوم القيامة، وإذا استغفرت للمؤمنين.. وقلت: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، فكلهم راضون عنك، ومن لا يرضى عمن استغفر له، وإذا قلت سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، فقد حججت واعتمرت"، لأنَّ هذه الأذكار من صلب مضمون الحج والعمرة، فالحج هو إعلان العبوديَّة لله وحده، والثناء عليه، وتنزيهه من كل نقص، والإعلان أن أمره فوق كل أمر، ونهيه فوق كل نهي. إن الأخذ بهذه الوصيَّة، هو أفضل هدية نهديها للزهراء في يوم انتقالها إلى رحاب ربها في الثالث من شهر جمادى الآخرة. وبالتزامنا بها، نعبر عن حقيقة ولائنا لسيدة نساء العالمين، وعن حبنا لمن أعطاها رسول الله كل قلبه وعقله، حتى قال: فاطمة ثمرة فؤادي وروحي التي بين جنبي.. وبذلك، نقوى ونواجه التحديات الجسام".

وقال: "البداية من لبنان، الذي تستمر معاناة إنسانه، وتزداد يوما بعد يوم في أدنى متطلبات حياته، في الماء والكهرباء والصحة والتعليم والغذاء والمسكن، فهو يلهث باحثا عنها، وغالبا ما لا يجدها إلا في بلاد الله الواسعة، بعيدا من الأهل والوطن. إن الواقع السياسي ما زال على حاله، فبدلا من أن تجعل القوى السياسية الحاكمة في هذا البلد قضايا المواطنين ضمن أولوياتها، وتخفف من آلامهم، وترفع من معاناتهم، نراها غارقة في السجالات الانتخابية، والكل يعرض فيها عضلاته، ويرفع أسقفه، ليكسب جمهورا، ولكنهم يعرفون أكثر من غيرهم أن الحلول هي نتاج توافقهم، وسيتوافقون في نهاية المطاف، وإذا كان من داع للإخراج، فالحلول تأتي بعد الوصول إلى حافة الهاوية".

وأضاف: "هذا ما جرى في انتخاب رئيس الجمهورية، وفي تشكيل الحكومة، وهو ما سيجري في القانون الانتخابي، فلن يكون في لبنان، وفي ظل هذا الواقع السياسي، قانون انتخابي يلبي طموحات اللبنانيين، ويغير المشهد السياسي القائم، بل سيكون هناك قانون يلبي احتياجات القوى السياسية، ويؤمن لها البقاء والاستمرار، ويبقى البلد على ما عليه، وإذا كان هناك خوف من الستين أو الفراغ أو التمديد، فقد رفعت اللاءات التي ستشكل بداية العمل للتوافق، وقد بدأ السعي للوصول إليه".

ودعا "القوى السياسية إلى الإسراع فيما يقدمون عليه الآن، والتفرغ للقيام بمسؤولياتهم تجاه الوطن والمواطن، فالاستحقاقات التي تنتظر هذا البلد كثيرة. وفي الوقت نفسه، فإنَّنا ندعو إنسان هذا البلد الذي يتأفف كثيرا وينتقد كثيرا، إلى أن يستعيد دوره، ويكون له حضوره الفاعل، بحيث يشعر الحاكم المسؤول بأنه أمام شعب يراقب ويدقق ويحاسب عندما يأتي أوان الحساب".

وقال: "في هذه الفترة، عاش اللبنانيون واللاجئون الفلسطينيون معاناة كبيرة، من خلال الأحداث التي شهدها مخيم عين الحلوة، وإن كان ما حصل ليس المرة الأولى، فقد حصلت حوادث كثيرة سابقا، لكن ما جرى مؤخرا كان أكثر غزارة في النيران، وأكثر اتساعا في مساحته الجغرافيَّة، بحيث لم تقف تداعياته على المخيم، بل امتدت حتى كادت تغلق الطريق الساحلي. ونحن في الوقت الَّذي نأمل أن تكلل جهود الساعين إلى إطفاء هذه النار بنجاح، وأن يتم الالتزام بما تم التوافق عليه في اللقاءات التي جرت بين القوى الفلسطينية، بحيث لا تبقى حبرا على ورق، فإننا ندعو كل هذه القوى إلى معالجة جذرية لما حصل، حرصا على أمن هذا المخيَّم وعلى علاقته بمحيطه، حيث يبقى له دوره الذي وجد لأجله، وهو أن يكون حاضنا للشعب الفلسطيني، إلى أن تتوافر له الفرصة للعودة إلى فلسطين، وأن يبقى السلاح في الوجهة التي حمل لأجلها، وهي الدفاع عن المخيم ممن قد يتعرضون له، لا أن يربك حياة اللاجئين الفلسطينيين وسكان المحيط وأمنهم، أو أن يتوجس منه الناس، عندما يستخدم لإيصال رسائل لا علاقة للشعب الفلسطيني ولقضيته بها"، مؤكدا ثقته "بوعي الكثير من القيادات الفلسطينية، الَّتي ينبغي أن تتكاتف جهودها من أجل الوقوف في وجه من يريدون تشويه صورة المخيم، وإظهاره بأنه حصان طروادة لمشاريع تصنع في المنطقة".

وتابع: "نبقى في لبنان، لنلفت إلى الأحداث المؤسفة التي حصلت الأسبوع الماضي في البقاع، في العديد من قراه، وإن كانت قد تحدث في مناطق أخرى من لبنان، ولكن هذا لا يعطي تبريرا بقدر ما يدعو الفعاليات السياسية والدينية والاجتماعية والبلدية والعشائرية إلى بذل الجهود لمنع تكرار ما حصل، والنهوض تنمويا بهذه المنطقة التي كانت، ولا تزال، تشكل خزانا للوطن ولجيشه ومقاومته في الدفاع عن قضايا المحرومين والمستضعفين. ونحن نثق بوعي أهالي هذه المنطقة وتكاتفهم وتعاونهم، مما يساهم في إزالة الأسباب التي أدت وتؤدي إلى تكرار هذه الحوادث".

وختم: "نصل إلى فلسطين، لنتوقف عند إعلان العدو الصهيوني مؤخرا، أنَّ المسجد الأقصى أقدس مكان لليهود، ويحق لهم الصلاة فيه، فيما لا يحق لأي أحد كان منعهم من الوصول إلى باحاته، وهو يهدف من وراء ذلك إلى تهويد أولى القبلتين وثالث الحرمين. إن هذا القرار يعتبر تحديا صارخا لمشاعر المسلمين. ومع الأسف، نرى أنه يصدر على مسمع العالم العربي ولا يستفزه. ومن هنا، فإننا ندعو كل الشعوب العربية والإسلامية إلى مواجهته، ومنع تحوله إلى أمر واقع، في ظل انشغال الشعوب العربية والإسلامية عن قضيتها الأساس". (
۹۸۶۳/ع۹۴۰)

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.