جاء ذلك في معرض كلمته التي ألقاها في افتتاح المؤتمر والمعرض الأوّل للاختراعات الذي انطلقت فعاليّاته بعد ظهر يوم الأربعاء (7رجب 1438هـ) الموافق لـ(5نيسان 2017م) ويستمرّ لثلاثة أيّام برعاية العتبة العبّاسية المقدّسة وبالتعاون مع منتدى المُخْتَرِعِين العراقيّين وتحت شعار: (كربلاءُ العطاء محطُّ رحال العلم والعلماء).
وكان ممّا جاء فيها أيضاً: "لابدّ لكلّ من يتصدّى أن يكون بيده زمام القرار في هذا البلد المعطاء الذي عندما نطّلع على تاريخه نراه دائماً في غليان وقلّما يستقرّ، وعندما نتصفّح حياة أبنائه نرى فيهم العلماء الذين تحمّلوا عبئاً كبيراً خلال سنوات مديدة سواءً عاصرناها أم لم نعاصرها، وكان هذا البلد مهوى أفئدة ومهبط رجال كانوا عندما يأتون للعراق ويحطّون رحالهم تجذبهم هذه الأرض الطيّبة وتبدأ الإبداعات تلو الإبداعات".
وطرح السيّد الصافي عدّة تساؤلات: "هذا البلد يحتوي على مقوّمات كثيرة للنهوض فهو من أوائل البلاد التي تأسّست فيها الحضارة، ومقوّمات النهوض فيه كثيرة لكونه يحتوي على الموارد الطبيعيّة والموقع الجغرافيّ المميّز، إضافةً الى ذلك الموارد البشريّة الكثيرة، ولا نجانب الصواب إذا قلنا: إنّ العقل العراقيّ عقلٌ مبدع وعقلٌ مفكّر، ولكن مع ذلك عندما نرى العراق من وجهة نظر أخرى نراه كئيباً حزيناً تلفّع بالسواد على طول سنواتٍ طويلة! أين تكمن المشكلة؟ ما دام العراق فيه موارد طبيعيّة، وما دامت فيه مقوّمات النهضة وقد نهض سابقاً، ولعلّ نهوضه السابق كان يمثّل غياباً استفاد منه الكثيرون!! لكن عندما نقرأ التاريخ ونضع خارطة العراق أمامنا نراها أقلّ ممّا يُمكن أن نتصوّر، فلابدّ من وجود مشكلةٍ، أين تكمن المشكلة؟ فالموارد الطبيعيّة متوفّرة والموارد البشريّة متوفّرة وأبناء العراق عندهم غيرة على بلدهم فهم غيورون وهم يتمتّعون بحسٍّ وطنيّ يجذبهم الى العراق وينجذبون اليه، وكان النهران العظيمان يمثّلان علامةً بارزةً، يبقى السؤال أين تكمن المشكلة؟ لماذا لا يكون العراق الآن في مصافّ الدول الكبرى ما دامت الموارد متوفّرة؟!!".
وأضاف: "تعلمون تارةً ندخل الى المشكلة من رأس وتارةً نحوم حول المشكلة، الذي يحوم حول المشكلة قد توجد عنده مطالب سياسيّة أو اجتماعيّة أو مطالب من هنا وهناك، والذي لا رغبة عنده في بعض المطالب وإنّما رغبته أنّ العراق لابدّ أن ينهض ولابدّ أن نشخّص المشكلة.. حقيقةً المشكلة ليست في قلّة الموارد ولا في عدم الكفاءة العراقيّة بالعكس، الكفاءة العراقية أثبتت بحقّ أنّها كفاءة قويّة وجاهدت وجابهت جميع الظروف، المشكلة في نقطةٍ واحدة -بحسب رأيي القاصر- هي أنّنا لا نملك رؤيةً واضحة في إدارة الموارد بشكلٍ صحيح، فالمشكلة في نوعيّة الكفاءة وفي إدارة الكفاءة".
وبيّن السيد الصافي: "أكثر من عشر سنين خلت نادت المرجعيّةُ الدينيّة العُليا وكثيرٌ من عقلاء القوم وطلبوا من الكفاءات في الخارج والداخل أن يأخذوا مواقعهم حتّى يستطيعوا أن يواكبوا ويتجاوزوا السنين العجاف التي مرّت على البلد، لماذا نحن أمّةٌ نُعجب بالآخرين ونهوّل ما عندهم؟!! لكنّنا للأسف لا نُقيم أبناءنا بشكلٍ جيد!! الآن لو نعمل تجربة ونعلن عن وجود شخصٍ من خارج العراق، ونخاطب دوائر الدولة جميعها -إخواني هذا مطلب غير سياسيّ وأنا أتحدّث حديثاً عامّاً، أتحدّث عن الذهنيّة التي تعوّدنا عليها- ونخاطب دوائر الدولة نقول: هناك شخصٌ من خارج العراق يحمل الجنسيّة الفلانيّة وعنده موضوع مهمّ اكتشفه ويُريد أن ينقله لنا، بهذه الدوائر صدّقوني بلا مبالغة ستتهافت هذه الدوائر على أن يبعثوا منهم من يستمع لهذه الكفاءة، ولو قلنا بنفس هذه المعايير هناك كفاءة عراقيّة استطاعت أن تجد حلّاً لبعض المشاكل ونُخاطب أيضاً دوائر الدولة ستجدون العدد قد لا يصل الى نصف العدد الأوّل".
وأوضح: "الطيبة العراقيّة والحالة التي تأثّرنا بها في البلاد جعلتنا في بعض الحالات ننسى أنفسنا، وجعلت بعض الآخرين يستفيدون منّا ويتجاوزننا، المشاكل كثيرة وحلولها أكثر وهي بين أيدينا".
وأكّد السيد الصافي: "إذا لم يلتفت الإخوة القائمون على القرار الى الكفاءات العراقيّة لا تُحلّ أيّ مشكلة، وإذا حُلّت فإنّ في مقابلها شيئاً، فالكفاءة العراقيّة قادرة على أن تحلّ المشاكل، أنتم الحضور الكريم بعض ممّا عندنا والعراق فيه إمكانات كبيرة وأنتم بعضٌ من تلك الإمكانات، والبعض نفتخر به بل نفتخر بالكلّ".
وخاطب الحاضرين قائلاً: "عليكم أن توصلوا أصواتكم واختراعاتكم الى من بيده القرار، لا تهنوا ولا تحزنوا ولا تتألّموا ولا تصابوا بإحباط، نعم.. إن لم يسمعكم الآن سيسمعكم غداً، ونحن سنبقى ندافع عن عراقيّتنا وعن وطنيّتنا وعن معدننا وعن قدراتنا، سنبقى ندافع الى آخر المطاف، نحن لا نريد شيئاً وإنّما نريد أن نضع الأمور بمواضعها، فالحكمة هي أن تضع الأمور في مواقعها".
وتابع: "إذا لم نلتفت الى براءات اختراعاتنا وإذا لم نلتفت الى عقولنا لا تُحلّ أيّ مشكلة من المشاكل، ونحن لا نريد أن نزيّف الواقع ولا نريد أن نحسّن من قدرات أهلنا وكفاءاتنا فإنّها حسنة".
وبيّن السيد الصافي قائلاً: "لابدّ أن يلتفت من بيده القرار أن يعتني بهذه الطاقات وهذه القدرات، نحن لا نريد لكفاءاتنا أن تكون تاريخاً يُنسى أو أن تكون براءة الاختراع في مقابلها مبلغ، ثمّ جزاك الله خيراً وتوضع هذه البراءة رقماً من الأرقام!! هذا أمرٌ غير صحيح، إذا كانت العهود السابقة ترى في ذلك منفعةً لبقائها فلابدّ أن يلتفت المتصدّون الآن، لأنّه بهذه الطريقة والالتفات ستُحلّ المشكلة".
وأضاف: "هذا المؤتمر والملتقى ومن سعى لأجله ومن تقدّم خطوة الينا يريد أن يبيّن ويوضّح ويقول: أنا هنا التفتوا اليّ، نحن أيضاً نشدّ على أياديه ونقول: إنّه هنا التفتوا اليه.. هذا البلد –إخواني- بلدٌ عريق وكلّنا نحبّه وأعطى زهرات من شبابه على مرّ السنين على أمل أن يُرى بلداً متعافياً قوياً يتمتّع بخيراته ويحترم الكفاءة ويحترم العلم ويريد أن ينهض".
مضيفاً: "أجنحةُ البلد موجودة منه، لا نستعير جناحاً من خارج البلد، البلد فيه أجنحة يستطيع أن ينهض ويطير ويصل الى أعلى حالة ممكنة، والمعرض الآن يصرخ بأنّ هؤلاء هذه إنجازاتهم، وأتمنّى أيضاً أن هذا المعرض يكون مفتوحاً على الدوام وجميع مَنْ يعينه الأمر ويبحث عن حلّ يأتي الى المعرض ويبحث عن الحلّ، أو يذهب الى الجهات التي تؤرشف وتوثّق البراءات وسيبحث عنها ويدعم".
واستدرك السيد الصافي: "نحن نحتاج الى إعادة نظر في ترتيب أولويّاتنا، لعلّ من جملة الأولويّات التي نحتاجها هو الاهتمام بالبحوث العلميّة، وأن نعطي اهتماماً لهذه البحوث العلميّة فالبحوث تنتج وكلّما كانت المعاهد العلميّة تتمتّع بهذه البحوث الرصينة الكبيرة فالعراق على خير".
وأكّد السيّد الصافي على أمرٍ مهمّ وهو: "متى ما رأيتم السياسيّ الاقتصاديّ الذي بيده القرار على أبواب الجامعات فظُنّ أنّ العراق بخير، إذا رأيتم هؤلاء على أبواب الجامعات يبحثون عن حلّ مع قدراتنا فظُنّ أنّ العراق بخير، أمّا إذا لم ترَهَم فالمشكلة باقية على ما هي عليه".
واختتم السيّد الصافي: "نحن في هذا الوقت من هذا الشهر الشريف نأمل من الله تعالى أن تتحرّر مدينة الموصل -هذه المدينة العزيزة علينا- بجهود ودماء وسواعد أبطال البلد، لم يبقَ منها إلّا جزءٌ يسير إن شاء الله تعالى فقد ذهب الكثير وبقي القليل، وهذه دماء نزفت وأُريقت وهي عزيزة علينا من أجل أن يبقى هذا البلد بلداً نظيفاً موحّداً بعيداً عن كلّ الشرور التي تحاول أن تمزّقه، وهذه الدماء مهما تكون عزيزة يبقى مداد العلماء خيراً من دماء الشهداء".(۹۸۶۳/ع۹۴۰)