"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين ولده الإمام الحسن . هذه الوصية ينبغي أن يوجهها كل أب إلى أولاده، وأن يحرص على أن يجعلها ضمن وصيته التي يكتبها قبل وفاته:"يا بني، اجعل نفسك ميزانا بينك وبين غيرك، وأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض للناس ما ترضاه لنفسك، ولا تقل ما لا تعلم وإن قل، ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك".
اضاف: "لقد وضع أمير المؤمنين الميزان الدقيق لنقيس به تصرفاتنا مع الآخرين وأسلوب تعاملنا معهم، فنفسك هي الميزان، والخير الذي ترجوه لها أرده للآخرين، والشر الذي تتوقاه عنها أبعده عنهم، وما تستقبحه من غيرك وتنتقده، لا تفعله مع الآخرين، وما تحب أن يقال لك قله لهم. وبذلك، تكون منصفا وعادلا، وتحصل على الأمان في الدنيا والإيمان فيها، وتصل إلى رضوان الله وجنته، وتقدر على مواجهة التحديات".
وتابع: "البداية من سوريا، حيث كان العالم ينتظر إجراء تحقيق دولي، كان من الطبيعي أن يحصل بعد المجزرة المروعة التي حصلت في إدلب، إذ دخلت الإدارة الأميركية على الخط الساخن، من خلال قصفها لأراض سورية، ما يعزز الشكوك في أن ما حدث في خان شيخون كان مدبرا من الأساس.إننا نلمح في ذلك محاولة من الرئيس الأميركي لإخراج نفسه من الأزمات التي يعانيها منذ تسلمه مقاليد السلطة، وإمعانا في الدخول الأميركي على خط الأزمة في سوريا، لإطالة أمدها والاستمرار في حالة النزف في هذا البلد، وهو ما يعود بالفائدة على الكيان الصهيوني، الذي يشعر بالارتياح أكثر عند كل ضربة تؤثر استراتيجيا في الجيش السوري، وفي أي موقع من مواقع القوة في المنطقة.إننا في الوقت الذي نستنكر المجزرة في إدلب، وأي تعرض للمدنيين، من أي كان، ندعو إلى إجراء تحقيق جدي في كل ملابساتها، لينال مرتكبها الجزاء العادل، فأرواح المدنيين لا ينبغي أن يتهاون فيها، وهي ليست مادة للاستثمار في لعبة الكبار وغير الكبار. إن الذي يحرص على أرواح المدنيين، لا بد من أن يحرص عليها في كل مكان، فنحن لم نر هذا الحرص، في غزة، وفي العراق، وفي اليمن وغيره.إننا لا نتوقع في يوم من الأيام أن تكون أميركا هي القاضي العادل في هذا العالم، بعد أن أخذت دور الجلاد، علما أننا لم نكن نريد لها هذا الدور، ولكن أميركا ستبقى نفسها، وهي تريد أن تأخذ الدورين، ولكن في المقابل، فإن للشعوب خياراتها، وعليها أن تعي قدراتها، وهي موجودة وجاهزة".
وقال: "اما لبنان، الذي لا يزال يعيش على وقع فشل القوى السياسية في إنجاز قانون انتخابي، فإن هذه القوى لا تزال على مواقفها، من دون أن يتقدم أي منها خطوة لملاقاة الآخرين، ما يجنب البلاد الوصول إلى واحد من محاذير ثلاثة، تتمثل في الفراغ والتمديد وقانون الستين.لقد أتقن النادي السياسي لعبة "حافة الهاوية". وبالطبع، فإنه لن يسقط فيها، ولكن الخشية تتمثل في أن يسقط البلد عندها. إن ممارسة القوى السياسية هذه اللعبة قد يكون أمرا طبيعيا في السياسة، لتحقيق مكاسب أكثر لها، ولكن هذا الأمر غير مقبول في بلد تضج فيه المشاكل وتحيط به النيران.ومن هنا، فإننا نعيد دعوة الحكومة التي تضم أغلب القوى السياسية إلى لعب دورها في إنجاز هذا القانون الذي جعلته من أولوياتها، ونحن نريد القانون الذي يؤمن التمثيل الصحيح، ويجدد الحياة السياسية، وهذا ما نراه في قانون النسبية، لكونه خطوة مهمة على طريق دولة الإنسان، دولة المواطنة التي ندعو إليها في لبنان.إننا نريد للمجلس النيابي الذي يجتمع في هذه الأيام ليناقش الحكومة، أن يلعب دوره في تصعيد الضغط عليها. وفي الوقت نفسه، أن يساعدها على القيام بدورها، لأن الحكومة تعبير عن أكثرية المجلس النيابي، والبلد لا يتحمل تقاذف الكرة بين الحكومة والمجلس النيابي أو تسجيل النقاط، مما هو معتاد في السياسة اللبنانية.في هذا الوقت، تبرز العديد من الأزمات التي نخشى أن تهدد الاستقرار السياسي، الذي ينبغي المحافظة عليه، ولا سيما أن كل شيء في هذا البلد يحمل البعد الطائفي والمذهبي، وهو ما نشهده في تنازع الصلاحيات بين المواقع الرسمية، وفي التعيينات التي حصلت أخيرا في بعض الأجهزة الأمنية، أو في الأزمات الاجتماعية التي تتفاقم يوما بعد يوم، والتي لا تقف عند حدود الماء والكهرباء، وسلامة الغذاء والصحة، لتصل إلى الأصوات المتعالية المحذرة من انهيار النظام الصحي التابع للضمان الاجتماعي.ويواكب ذلك توترات أمنية تكررت الأسبوع الماضي في الضاحية الجنوبية، وأدت إلى سقوط ضحايا بريئة، وتنام لظواهر نراها محدودة، ولكنها تسيء إلى صورة هذه المنطقة، التي شكلت وستبقى تشكل حاضنة للجيش اللبناني والمقاومة، وقوة لهذا الوطن.. ما يستدعي السهر عليها من العابثين بأمنها أو بأخلاقها أو القيم التي تلتزمها".
واكد فضل الله "الدور الأساس للدولة، والتي من مسؤوليتها أن تقوم به. وهنا، نقدر جهود القوى الأمنية التي قدمت تضحيات في هذا المجال في الأيام الماضية. نعم، هناك أدوار أخرى مطلوبة مؤيدة ومساندة وداعمة. وعندما لا تقوم الدولة بدورها، فمن الطبيعي أن يملأ أحد الفراغ، وهذا ما لا نريده ولا ندعو إليه".
وختم فضل الله: "تمر علينا في التاسع من هذا الشهر، ذكرى استشهاد الفقيه والمفكر السيد محمد باقر الصدر، وأخته الكاتبة بنت الهدى. ونحن في هذه المناسبة، نستعيد الأثر الكبير الذي تركه على المستوى الفقهي والفكري، وفي الحركة الإسلامية في العراق، ودوره في التصدي للتحديات التي واجهت الإسلام كفكر وعقيدة، وحمله قضية العراق.إننا نفتقد إلى هذه الشخصية العظيمة التي منحت وجودها للاسلام، ولم يثنها عن عزمها ما لاقته من تحديات وأخطار جسام، حتى جادت بنفسها في مواجهة الطاغوت، ونحن نرى في اغتيال هذه الشخصية، جريمة العصر، لما كان يمكن أن يقدمه لو دام عمره الشريف.إن الوفاء للشهيد الصدر هو أن نستثمر تراثه الفكري وتجاربه الغنية، ونكمل مساره العلمي والاجتهادي والحركي والروحي، ونستلهم نهجه ومساره، لتصويب الوجهة الفكرية والسياسية، والخروج من هذا المأزق الكبير الذي نعيشه كأمة، ويعيشه العراق كشعب ودولة".(۹۸۶۳/ع۹۴۰)