واعتبر الامام علي رجل المبدأ والأخلاق، داعيا الى تغليب روح المواطنة على روح الجماعة وفهم المعارضة السياسية البناءة واعتماد مبدأ التأهيل خير من البديل وتطبيق الحرية السياسية وتحرير الذات وتعزيز لغة الحوار والانتماء للدولة والتأكيد على تنمية الشعور بالمواطنة وتعزيز البناء الاقتصادي لتوطيد الدولة.
وقال الشيخ عادل الساعدي من على منبر جامع الرحمن في المنصور ببغداد، “قبل أيام طلت علينا ذكرى مولد أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب ولابد ان نقف على عطاءٍ من عطائهِ وكل حياته عطاء، ونريد ان نأخذ قبساً يمس جوهر حياتنا اليوم وحاجاتها وما أحوجنا لعطاء فكره، فنسأل سؤالاً كيف حافظ علي على مكانته رغم أنه عاش ألواناً متعددةً من حياته الاجتماعية”.
واضاف ان “المائز الحقيقي في حياة أمير المؤمنين بعد روحانيته وذوبانه في الله تمثلت في صورته السياسية حيث انه لم يكن رجل سلطة بل رجل دولة وكان رجل القيم قبل المكاسب ورجل المبادئ قبل الشعارات واعتقد على طول أزمنة التاريخ الى يومنا هذا نفتقد رجل الدولة وهذه الصفة تتجلى في حياته السياسية عبر مواقف عدة تستحق أن تقف لها الإنسانية وقفة إجلال وتقدير”.
وتابع الساعدي “فما أحوجنا اليوم على رأس هرم الدولة لرجل الأخلاق والقيم قبل رجل السلطة والحكم فبعد رحيل النبي الأعظم إذ لم يخطف أبصاره بريق السلطة فيتخلى عن أخلاقه فلم يترك النبي على فراش الموت كما فعل الآخرون يوم السقيفة، وبذلك سجل موقفا أوليا لرجل دولة أراد أن يقول للآخرين إن قيادة الدولة موقف سياسي أخلاقي – قيمي – قبل أن يكون موقفا سياسويا مصلحياً، فالسياسة بناءً على هذا الموقف هي غاية لبناء أمة بكل ما تحمل عملية البناء من دلالة وليست غاية لتحقيق غنيمة أو وجاهة أو الحفاظ على وجاهة”.
وشدد الساعدي ان “واقعنا المعاصر يحتاج إلى تغليب روح الشعور بالمواطنة ومصلحة الأمة على مصلحة الفرد والحزب والجماعة في الحكم وإن من يفكر في بناء الأمة والدولة لا يقدم مصلحته على مصالح الأمة وكان الإمام علي الأبرز مصداقاً لهذه الفكرة، كما رفض حتى الفئوية الإيجابية ورفض التفكير الفئوي والعشائري كنظرية في الحكم فكل هذه التقوقعات البعيدة عن الرأي العام تهدم الدولة وبنظره على الجماعات أن تستمد روحها وفكرها من روح الدولة لا العكس”.
وبين الساعدي “نحتاج ان تعلم من الامام علي المعارضة السياسية البناءة فقد عاش أمير المؤمنين (ع) شطرا ليس بالهين من حياته معارضاً سياسياً إذ كان يومها يرأس مجموعةً من الأمة تؤمن بأهدافٍ محددة ولها مبادئها، أشبه ما يكون بتأسيسات التجمعات السياسية والحزبية في وقتنا المعاصر، لم تكن تؤمن بمنهج السلطة الحاكم يوم ذاك لكنها في ظل علي لم تنتهج المعارضة السلبية يوم ذاك بل كان أمير المؤمنين يتعاطى مع السلطة الحاكمة التي حاولت إقصاءه بكل إيجابية لأن المعارضة السلبية لا تؤمن بالدولة ووجوب الحفاظ عليها”.
ودعا الساعدي لاعتماد مبدأ التأهيل خير من البديل حيث قال “ظل أمير المؤمنين علي يؤمن بفكر رجل الدولة أكثر مما يؤمن برجل السلطة ومن مفاهيم رجل الدولة الإيمان بالتأهيل خير من البديل فالسياسة الواقعية عند اصحاب الوصول للسلطة دائماً تطرح خيار البديل وتغيير السلطة إذا لم يكن فيها من أجل الفوز بها، بينما من يؤمن بالدولة يسعى لإصلاح الحكومة وتقويم السلطة إذا كانت تتقبل التأهيل والإصلاح”.
وأما مشروع الدولة في حيات الامام علي كحاكم، فقد اوضحه الشيخ الساعدي “نتعلم من الامام علي الحرية السياسية وتحرير الذات فحينما تولى أمير المؤمنين ع مقاليد الحكم وانتقل من عمل المعارضة السياسية الايجابية الى تجربة الحكم لم تتغير مفاهيمه بل بقيت محافظة على مبدأها في تدعيم بناء الدولة وليس السلطة على حساب الدولة. ومن مفاهيمه وسلوكياته كقائد وحاكم هو ترسيخ مبدأ الحرية وتعزيزها عند الأمة مفرقاً بين الحرية بحقيقتها عن مفهوم الحرية الواقعي كما هو عليه اليوم”.
واضاف الساعدي “لابد من تعزيز لغة الحوار والانتماء للدولة، ومن مفاهيم الدولة ومشروعها عند الإمام علي عليه السلام تركيزه المستمر على الحوار في المجتمع ومع كل خصومه الضالين والمضلين، وكان يهدف من هذا الحوار تخفيف الغلواء من التطرف في الانتماء للقائد أو التطرف في معاداته وكان يدعو للوسطية التي لا تتحقق إلا بلغة التعرف والحوار”.
وتابع الساعدي إن “الفتن التي يعيشها العراق اليوم ليست ببعيدة عمَّا عاشها أمير المؤمنين (ع) مع من بغى عليه أو من يستغل الفرص لتحقيق المكاسب الدنيوية فهناك من يسعى جاهداً لزعزعة الأمن الاجتماعي وخلق الأزمات في البلد وربما آخر أزمة يمر بها الآن هي رفع العلم في كركوك فليست بالهينة الآثار ما لم تتدارك ويعزز الحوار من أجل عودة الجميع لطاولة الحوار والاندماج في المجتمع كأمة واحدة على أساس المواطنة”.
ودعا الساعدي الى تنمية الشعور بالمواطنة وقال “بحيث كانت من مفاهيم الدولة العادلة عند أمير المؤمنين النظر للمواطنة كأصل دون غيرها من أجل تعزيز مفهوم الأمة الواحدة التي تتخلى عن التمايز الديني والمذهبي والقومي وغيرها من المشخصات”.
وحث الساعدي على تعزيز البناء الاقتصادي لتوطيد الدولة “ومن روح مبدأ توزيع الثروات العادل بين المواطنين على أساس المواطنة يذهب أمير المؤمنين لتعزيز الجانب الاقتصادي في مشروع الدولة ليفرق بين سلوكين أحدهما يعزز مقام السلطة والآخر يعزز مقام الدولة، فتعظيم الموارد المالية من خلال زيادة الضرائب هو تكريس لمفهوم السلطة المرفوض عنده، بينما تعظيم الموارد على أساس تعزيز الاقتصاد وتطوير القطاع الزراعي والصناعي والتجاري يبني قوة الدولة”.
واكد الساعدي بأن الالتفات لعجلة الاقتصاد هي القاعدة الأساسية في بناء الدولة فالإمام علي يوصي بالصناعات والحرفيين والتجار بعهده المبارك وهذا ما نعاني منه اليوم فلم ترعَ مبادرة وطنية لتعزيز الزراعة ولا برامج عمل تفتح الآفاق أمام القطاع الخاص وهم أساس في تطوير الاقتصاد الوطني وسحب البطالة والبطالة المقنعة في القطاع العام”.
وختم الساعدي خطبته بالثول إن “مشروع الدولة عند الامام علي عليه السلام مشروع كبير بسعة تفكيره للإصلاح وهمته إليه وهو أكبر من أن نستوعه في هذه الدقائق”.(۹۸۶۳/ع۹۴۰)