لكم فيما يلي نص البيان:
"الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، الله أكبر على ما أنعم وأكرم، الله أكبر على ما قدم وأخر، الله أكبر على ضيافته ومغفرته، الله أكبر على عفوه ورحمته، الله أكبر على عطوفته وسخائه بيوم فطره وعطائه، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، وله الشكر على ما هدانا، والحمد لله على ما أعطانا وأولانا.
السلام عليكم أيها الإخوة المؤمنون ورحمة الله وبركاته، وكل عام وأنتم بخير، تقبل الله صيامكم وقيامكم، وبارك لكم بأعماركم وأرزاقكم، وجزاكم الله أعظم الجزاء بيوم فطركم وبشارة عيدكم".
اضاف: "أيها الإخوة المؤمنون
لقد قال الله تعالى (وَلتكَبروا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكم وَلَعَلَكم تَشكرونَ)، فله الشكر والحمد والطاعة والإنابة والخضوع، وليس العيد إلا لمن أطاع، وليست الجائزة إلا لمن عاش الله بليله ونهاره، وقد من علينا بجزيل عفوه، وكريم ضيافته، ثم دعانا إلى يوم فطره لنكبره ونحمده ونشكره، ونذكر آلاءه فينا؛ في يوم يريده فرحا للمؤمنين، وسكينة لقلوبهم، وأنسا بأسرهم، وجمعا للرحم، ومودة في الناس، وإلفة بالخليقة، ودعوة للحق، وتثبيتا للعدل، وحقنا للدماء، وعودة إلى الله، ووحدة بناسه ورعيته، لأن أكبر ما لله في خلقه أن يتحدوا بالخير والبر والمعروف، دعما للإلفة والمودة بينهم وتأكيدا لرحميتهم بآدم(عليه السلام)، فرسول الله(ص) يقول:"كلكم لآدم" ومن كان لآدم، كان كل الناس أهله وعياله.
فاتقوا الله أيها الناس، وأصلحوا، واعلموا أنكم منه وإليه، وأن اليوم يوم عيدكم، وليس أعظم عند الله في هذا اليوم من صلة رحم، وعون ضعيف، ونصرة حق، وتفريج كرب، وإغاثة ملهوف، وكف أذى، وإدخال السرور على أنفسكم وأسركم وعوائلكم وسائر المؤمنين؛ وليس بعيدا عنه الوقوف سدا منيعا بوجه لعبة الأمم، ومشاريع الفتن، التي تعتاش على الدماء، وتعمل على تفتيت أوطاننا وبلداننا، مع أن صوت الله ما فتئ ينادي العرب والمسلمين أن اتحدوا بالحق، وتحصنوا بالعدل، واجتمعوا بالخير، ولا تتفرقوا، فإن الفرقة إثم، والخصومة ضعف، والخلاف ضياع أوطان، واللعب مع الأمم خراب دول وشعوب، وكثرة بلاء، وهذا ما وصلت إليه أمتنا ومنطقتنا".
وتابع: "نعم ما يجري في مناطقنا ودولنا ليدمي القلب، ويدعونا إلى أن نرفع الصوت باتجاه كل من يسمع ويعي، محذرين من مخاطر ما يجري، وإلى ما قد يستجره على أمتنا وشعوبنا من ويلات وخراب ودمار. فأي إسلام هذا! وأي دين ندين حتى نتنازع ونتخاصم ونسقط في شباك الفتن! ألم يحذرنا رسول الله(ص) من الفتنة! ألم ينهانا عن قتل بعضنا بعضا! ألم يدعونا إلى الوحدة والتآخي! ألم يأمرنا الله سبحانه وتعالى بأن نكون في سبيله صفا كالبنيان المرصوص؟ أين هي هذه الوحدة؟ وأين هو هذا البنيان المرصوص؟ ونحن على هذا النحو من التشرذم والفوضى والحروب التي تدمر دولنا، وتقتل شعوبنا، وتهجر أبناءنا، وتتيح لمن يريد الكيد لنا بأن يفعل ما يشاء، وينهب ما يشاء، ويقسم ما يشاء، ويبني مصالحه على حساب خرابنا ودمارنا وفقرنا وجوعنا. أين أصحاب العقل؟ أين أصحاب الرأي والحكمة؟ ألا يوجد في هذه الأمة من ينادي بالحوار ويقول: تعالوا إلى الصلح، تعالوا إلى شبك الأيدي ووقف الخصام، تعالوا إلى قوله تعالى (إنَ هَذه أمَتكم أمَة وَاحدَة وَأَنَا رَبكم فَاعبدون). ما هذه المدارس التي صنعتموها، وهذا الإرهاب الذي دفعتم الأموال طائلة لصناعته! فها هو ينقلب عليكم، ويهدد عروشكم، ويستهدف دوركم، فهل من يقظة وانتفاضة على كل ما دبرتم وخططتم؟ هل من توبة نصوحة ولو بعد خراب العراق وسوريا واليمن، تنطلقون بعدها إلى وحدة تجمعكم، وشراكة تضمكم، ومودة تؤاخي بينكم، ومسيرة تظهر حقيقة الإسلام الذي شوهتموه بأموالكم، وحولتموه إلى خلايا إرهابية لا ترى الله إلا محبا للقتل وسفك الدماء، فخدمتم إسرائيل، وحرضتم على كل من يقول لا إله إلا الله.
اتقوا الله أيها القادة والزعماء في هذا اليوم المبارك، اتقوا الله أيها الملوك والأمراء والرؤساء، وانزعوا من قلوبكم كل غل، ومن عقولكم كل رهان وارتهان، وتصافحوا وتناصحوا وتكاتفوا، فأنتم وشعوبكم وخيراتكم وثرواتكم في خانة الاستهداف والابتزاز، فلا تنخدعوا، ولا تتواكلوا، ولا تظنوا يوما بأن المال يحميكم ويدفع عنكم، بل محبة الناس تبقى هي المعتمد وهي الأساس، فاستيقظوا وكونوا في مستوى هذه المرحلة العصيبة، واعملوا على تجاوزها بإقفال مدارس الإرهاب، والقضاء على بؤره، بالتعاون والتعاضد في ما بينكم، وبإظهار الإسلام الحقيقي الذي هو دين السماح والانفتاح، والكلمة الطيبة، وتعانقوا مع طهران التي كانت وستبقى عضدا لكم، وسندا إلى جانبكم في مواجهة أعداء هذه الأمة. فأوبوا إلى الله واذكروا ميثاقه فيكم، بألا تسفكوا دماءكم، ولا تخرجوا أنفسكم من دياركم، فأنتم أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما المزيد من الحرب والتهجير والتكفير، وهذا يعني أن المنطقة باتت قاب قوسين أو أدنى من الانتحار العام، وإما الدخول في تسوية تحفظ ما تبقى، وتؤسس لشراكة إقليمية تحول دون الانهيار التام".
واردف قبلان: "أما في لبنان، فدعوتنا كانت ولا تزال وستبقى، دعوة إلى الحوار والمصالحة والتوافق والمشاركة، واعتماد المنهجية السياسية التي تخرجنا من دويلات الطوائف ومصالح القوى السياسية، إلى دولة الوطن الجامع والحاضن لأبنائه، دولة المواطنة والتنوع والكفاءة والانتماء إلى بلد لا نريده إلا منارة ونموذجا يحتذى، ورسالة تقتدى، يكون فيها المسلم والمسيحي، جنبا إلى جنب، تجمعهما أخوة الإنسانية، ولا تفرقهما مصلحة من هنا أو ارتهان من هناك، فمصلحتهما واحدة هي لبنان الواحد. فكما أن شراكة الجيش والشعب والمقاومة أكبر ضامن للبنان، فإن الشراكة السياسية والعدالة الاجتماعية، وتزخيم دور المؤسسات الخدمية والأمنية أكبر ضامن لمصالح شعب لبنان وشراكته الوطنية.
هكذا نريد لبنان أيها الإخوة، ولهذا سنستمر في مطالباتنا ومناشداتنا للجميع، بأن ينصرفوا بعد إقرار قانون الانتخاب إلى إدارة شؤون الدولة، وبناء مؤسساتها، وتطبيق ما تم الاتفاق عليه في اللقاء التشاوري الذي عقد في القصر الجمهوري، واعتماد الشفافية في التنفيذ، ومتابعة القضايا التي تهم الناس، وتعالج مشاكلهم الحياتية والاجتماعية، وفق برامج تنموية، ورؤى اقتصادية، تؤمن فرص العمل، وتزيد الناتج القومي، وتخفف من الدين العام، وتشعر الناس بشيء من الاستقرار المجتمعي، والاطمئنان النفسي الذي يلجم الجريمة، ويضع حدا لهذا التفلت، ولهذه الفوضى التي باتت تشكل خطرا على السلم الأهلي في ظل هذا الضيق المعيشي، وهذا الازدحام السكاني، الذي سببه النزوح السوري، حيث باتت معالجته أمرا ملحا، بما يؤمن عودة الإخوة السوريين إلى بلدهم آمنين، وذلك بالتواصل والتنسيق مع الحكومة السورية، التي ينبغي أن تكون جاهزة ومتجاوبة في هذا الشأن".
وختم: "نعم نريد وطنا ودولة، نريد مؤسسات، نريد قضاء مستقلا، نريد محاسبة ومراقبة وهيئات تفتيش، نريد محاربة للفساد، وملاحقة للمفسدين، نريد إدارة نظيفة، نريد كفاءات لا محسوبيات، نريد مناقصات لا صفقات، نريد جيشا قويا وقوى أمنية محسوبة على الوطن لا على السياسيين، تطبق القانون، وتلاحق المخلين والمجرمين، دون استئذان من أحد، أو غطاء من أحد، فقط القانون وحده هو الذي يغطي الجميع ويحمي الجميع، لأن معنى أن نكون ربانيين يفترض أننا لا نقبل ظلما سياسيا، ولا بؤسا اجتماعيا، ولا انتشارا للجريمة، ولا فسادا أخلاقيا، ولا تضييعا للأولويات، لأن الوطن وطن بالعدل والشراكة، وخدمة الناس، وتأمين حاجاتهم، وضمان مصالحهم، فإذا لم يكن كذلك، لم يعد وطنا.
نعم من رحاب هذا اليوم المبارك، عيد الفطر السعيد، نبتهل إلى الله العلي القدير، لعل فرحتنا في هذا العيد تكتمل بعودتنا جميعا قلبا وقالبا إلى هذا الوطن، نعمل متكاتفين متضامنين، ثائرين على كل حقد، عاملين بكل صدق على الرفع من شأنه، والدفع به إلى ما يحقق آمالنا، ويجمع كلمتنا، ويصفي قلوبنا، على أن نعيش معا مسلمين ومسيحيين شركاء أمناء، أوفياء صلحاء، لا نقول إلا حقا، ولا نعمل إلا ما يصلح البلاد والعباد...
أعاده الله على هذه الأمة بالوحدة واليمن والأمان، وعلى اللبنانيين وقد تعافى بلدهم، وانطلقوا آمنين مطمئنين... والحمد لله رب العالمين".(۹۸۶۳/ع۹۴۰)