ومما جاء في خطبته السياسية: "إننا أحوج ما نكون إلى المواعظ، كي توقظنا من غفلتنا، وتبصرنا بحقيقة هذه الدنيا، حتى لا تبهرنا بزخارفها وبهارجها وفتنتها، فنراها على حقيقتها، وكفى بالموت واعظا ودليلا لمن اتعظ به واعتبر ووعى. ومع الأسف، نحن نسمع بأناس غادرونا، وبأحباء ودعونا، نشارك في مناسباتهم، ونرى بأم أعيننا الحقيقة، حقيقة أنهم لم يأخذوا معهم أموالهم وعقاراتهم ومواقعهم، وتركوها وذهبوا، وها هم رهائن القبور وسكانها. لكننا نمر على ذلك مرور الكرام، وكأن الموت على غيرنا كتب ونحن مخلدون من بعدهم!"
وأضاف: "فلنكن من أهل المواعظ، وممن يستفيدون مما جرى على غيرهم. وبذلك، نكون أكثر منعة وأكثر وعيا ومسؤولية، وعندها سنكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات.
والبداية من لبنان، الذي خطا خطوة في الاتجاه الصحيح، كنا دائما ندعو لها ونراها حقا للموظفين على دولتهم وواجبا عليها تجاههم، في مقابل ما تطلبه منهم من إخلاص في أعمالهم، بأن تؤمن لهم سبل العيش الكريم، وتحصنهم من أن يكونوا فريسة لتسويلات شياطين الإنس الحاضرين عند الحاجة.
ونحن في الوقت الذي نقدر عاليا كل الجهود التي بذلت من أجل إقرار السلسلة بعد طول انتظار، نرى في ذلك تشجيعا لكل المطالبين بحقوقهم بأن لا ييأسوا، وأن يتابعوا. فما ضاع حق وراءه مطالب. ولكن هذا الحق لا يعني التنكر لمخاوف تطرح في هذا المجال. وطرح المخاوف لا يعني رفض ما حصل أو التحفظ عنه، وبعض ما حصل نقدره، وخصوصا حين تم تجاوز خطوط حمراء في بند الضرائب كان بعض كبار رجال المال يشددون على عدم مسها.
ولكن خوفنا هو من الارتجال الذي نراه في هذه الدولة. فنحن نخشى قراراتها التي علمتنا التجارب أنها لا تنتج من تخطيط دقيق ومدروس، بل من ردود فعل الشارع وضغطه، أو لمصالح مالية أو انتخابية، أو لكسب الجمهور، أو لتصفية حسابات، من دون أن تأخذ في الاعتبار التداعيات أو أن تحسب لها حسابا".
وتابع: "من حقنا أن نخاف بعدما شاهدنا فاتورة الضرائب الباهظة الثمن على المواطنين، والتي سيتأثر بها الفقراء أو متوسطو الحال، بعدما كانت هناك وعود حاسمة وجازمة بأن لا تؤخذ من جيوب الفقراء. والكل يعرف مدى الانحدار الذي وصل إليه الواقع الاجتماعي للناس الفقراء أو لمتوسطي الحال، ومدى الأعباء التي يتحملونها. ففاتورة الكهرباء فاتورتان، وفاتورة الماء كذلك وغيرها.
إن الضرائب حق للدولة في أي بلد من البلدان، ولا تقوم الدولة إلا بذلك. إلا أن هذا يحصل بعد أن تؤمن الدولة استقرارا اقتصاديا واجتماعيا للمواطنين، وتعطي أكثر مما تأخذ، لكن الأمر مختلف لدينا".
ورأى "أنه كان بالإمكان، انطلاقا من كلام اقتصاديين، أن توفر الدولة موارد نظيفة للسلسلة من خلال رؤية اقتصادية متكاملة، وخطة إصلاح حقيقية، تؤدي إلى تعزيز الجباية ومواجهة الفساد ووقف الهدر ورفع نسبة الضرائب على الشركات الكبيرة، واستعادة حق الدولة في الأملاك البحرية، بدلا من الاكتفاء بغرامات شكلية على سلع معينة".
وقال: "انطلاقا من تداعيات القرار التي بدأت برفع الأسعار، وتجلت باستغلال البعض للقرارات التي صدرت، والحديث الجاري عن زيادة الأقساط المدرسية وغير ذلك مما يثقل كاهل المواطنين، ندعو إلى اعتماد أسلوب جديد في تأمين الموارد لهذه السلسلة، ولن تعدم الدولة طريقا إلى ذلك. وإن لم تستطع ذلك، كما يبدو، وبقيت الأمور على حالها، فعلى الأقل لا بد من أن تتدخل الدولة لإجراء رقابة جدية على أسعار السلع المتداولة والزيادة غير المنطقية من التجار الجشعين، وبذل الجهود الإضافية من أجل حل مشكلات الكهرباء والماء والصحة وغيرها".
في هذا الوقت، مرت التعيينات المنتظرة التي جرت بالأمس في مجلس الوزراء، حيث كان الجميع في انتظار صدورها بآلية جديدة، تحمل معنى الإصلاح الذي وعدنا به مع بداية العهد الجديد، لكننا فوجئنا كما فوجئ اللبنانيون، بأن الآلية لا تزال تسويات ومحاصصات بين القوى السياسية.
في هذا الوقت، ينتظر اللبنانيون بفارغ الصبر جلاء صورة ما يجري على الحدود الشرقية، لإخراج المسلحين منها، فهم قنابل موقوتة وقابلة للتفجير دائما على الحدود أو في الداخل اللبناني أو في مخيمات النازحين. وإننا مع كل جهد لإنهاء هذا الواقع الشاذ الذي بات يربك اللبنانيين والسوريين معا، ويساهم في عدم استقرار هذا البلد.
نبارك هذه الأيادي والسواعد التي تضع حدود الوطن نصب عينيها، وتراه من أولوياتها في الحدود الجنوبية والشرقية، وهي على استعداد أن تقدم أغلى التضحيات في هذا الطريق، من أجل وطن آمن ومستقر".
وأضاف: "ننتقل إلى المسجد الأقصى في هذا اليوم الذي نريده أن يكون يوم غضب عربي وإسلامي وإنساني في مواجهة العدو الصهيوني، الذي لا يكل ولا يمل من السعي لاستهداف هذا المسجد، فهو لم يلغ مشروعه الاستراتيجي بإقامة هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه، ويسعى إلى ذلك بخطوات بدأها بالعمل على تقسيمه زمانيا ومكانيا بين المسلمين واليهود، كما فعل في المسجد الإبراهيمي في الخليل، استكمالا لما يقوم به من حفريات يجريها تحت المسجد الأقصى، وتهدد أركانه، فضلا عن الضغوط المستمرة على الذين يتولون إدارته وترهيب المدافعين عنه.
وقد جاءت خطواته الأخيرة بتشديد الرقابة على المصلين، بذريعة العملية التي حصلت على مقربة من المسجد الأقصى، لتؤكد مخططاته التهويدية، والإمساك أكثر بقرار المسجد الأقصى والقدس وكل فلسطين.
إننا في الوقت الذي نحيي المقدسيين بكل تنوعاتهم، مسلمين ومسيحيين، على وقوفهم معا في وجه الإجراءات الصهيونية وإصرارهم على رفضها، ندعو إلى موقف فلسطيني موحد في مواجهة هذه الإجراءات التي تهدد أمن المسجد الأقصى، وحرية العبادة فيه، وعدم السماح للعدو للعب على التناقضات في ذلك، كما ندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى تحمل مسؤولياتها في مواجهة المشروع الصهيوني، وعدم السماح له بأخذ مكتسبات إضافية في القدس أو المسجد الأقصى".
وختم: "إن الأقصى بكل ما يمثل هو مسؤولية المسلمين، ولا ينبغي أن يفرطوا بقبلتهم، فالذي يفرط بقبلته الأولى وبمقدساته، سيفرط بأي مقدس وأي واجب. إننا ندعو الدول العربية والإسلامية إلى الخروج عن صمتها، وعدم الاكتفاء بالشجب، والتحرك بكل جدية في مواجهة هذه الإجراءات.
فيا أيها العرب والمسلمون، المسجد الأقصى يناديكم، وهو يستصرخ ضمائركم، فأجيبوه بأصواتكم ومواقفكم، وقدموا لأجله التضحيات الكبرى، فهو يستحق منكم ذلك فلا تضيعوه".(۹۸۶۳/ع۹۴۰)