وقال فضل الله: "عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الرضا أحد أصحابه، وهو إبراهيم بن أبي محمود، عندما جاء إليه يقول: "إن عندنا أخبارا في فضائل أمير المؤمنين، وفضلكم أهل البيت، أفندين بها ونلتزم بها؟"، فقال له: "يا ابن أبي محمود، لقد أخبرني أبي عن أبيه عن جده أن رسول الله قال: من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله عز وجل، فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس"، فانتبه حتى لا تكون ممن يصغي إلى الشيطان. ثم قال: "يا ابن أبي محمود، إن مخالفينا وضعوا أخبارا في فضائلنا، وجعلوها على ثلاثة أقسام: أحدها الغلو، وثانيها التقصير في أمرنا، وثالثها التصريح بمثالب أعدائنا، فإذا سمع الناس الغلو فينا كفروا شيعتنا، ونسبوهم إلى القول بربوبيتنا، وإذا سمعوا التقصير اعتقدوه فينا، وإذا سمعوا مثالب أعدائنا بأسمائهم ثلبونا بأسمائنا.. أي إذا ورد عنا سب، فإن الأعداء يتخذونه ذريعة لسبنا.. يا ابن أبي محمود إذا أخذ الناس يمينا وشمالا فالزم طريقتنا، فإنه من لزمنا لزمناه، ومن فارقنا فارقناه.. يا ابن أبي محمود، إن أدنى ما يخرج به الرجل من الإيمان أن يقول للحصاة نواة"، أي أن يغير حقائق الأشياء".
اضاف: "هي دعوة من الإمام الرضا إلى أن ندقق جيدا في الأخبار التي ترد إلينا عن الأئمة، وأن نتأكد من صدقيتها، حتى لا نقع في حبائل من يزورون الحقائق، أو نقع في الغلو أو التقصير، أو أن نكون سببا في الإساءة إليهم، لأن من يسب مقدسات الآخرين أو يلعنها، فسيتسبب بسب مقدساته ولعنها..ومتى التفتنا إلى كل ما نسمعه أو نقرأه ووعيناه، نكون أكثر وعيا ومسؤولية، وبذلك نحفظ أئمتنا (ع)، ونواجه التحديات".
وتابع: "البداية من لبنان الذي طوى في الأيام الأخيرة فصلا من أبرز فصول معركته مع الإرهاب، باقتلاع جذوره من جرود عرسال، وبعودة الأسرى سالمين إلى أهاليهم وإلى ربوع وطنهم. لقد أصبح واضحا أن هذا الإنجاز ما كان ليحصل لولا التكامل بين الجيش اللبناني المعني بحماية حدود الوطن وسياجه، والمقاومة التي تبقى سندا له، وهي بالطبع ليست بديلا منه، والاحتضان الشعبي الذي نجده لأي معركة تحفظ الوطن، والذي نريد له أن يستمر في مواجهة تحديات الإرهاب شرقا، والعدو الصهيوني جنوبا".
واكد "ان اللبنانيين معنيون في هذه المرحلة، كما كل المراحل اللاحقة، بالوحدة، لأننا نخشى دائما، وبعد كل إنجاز، من الذين يدخلون على خطهم، ليعبثوا بوحدتهم، وليزيلوا الآثار الإيجابية التي أنتجها هذا الإنجاز".
وقال: "لقد أكدنا سابقا، ونؤكد اليوم، أن اللبنانيين قد يختلفون في النظر إلى القضايا الإقليمية وأسلوب التعامل معها، كما هو الأمر في التعامل مع ما يجري في سوريا أو العراق أو اليمن أو غير ذلك من القضايا، ولكن ما ينبغي أن يتفق عليه الجميع، هو الوقوف صفا واحدا في مواجهة الأخطار المحدقة بهذا البلد، والتي قد تشكل تأثيرا في أمنه واستقراره".
وتابع: "ولذلك، إننا نثمن كل الأصوات التي انطلقت من المواقع الأساسية، ودعت إلى تحييد البلد عن القضايا التي يختلف عليها. من هنا، ندعو كل القوى السياسية في هذا البلد إلى أن لا يضيعوا الإنجاز الذي تحقق، أو يعبثوا بهذا الشعور العارم لدى اللبنانيين بالثقة بأنفسهم وبقوتهم وعزتهم وعنفوانهم، بإثارة هواجس ومخاوف لا واقعية لها من هذا الفريق أو ذاك، أو طرح سجالات حول قضايا يعرف الجميع أن لا جدوى من الحديث عنها وطرحها، سوى المزيد من الانقسام الداخلي وتشتت طاقاتهم".
واكد ان "هناك الكثير من التحديات التي تنتظر هذا البلد، حيث يكثر الحديث عن ضغوط سياسية وعقوبات مالية، ونحن لا ننفي أن بعضها للتهويل، وهي إن حصلت، فلن تقف نتائجها عند طرف من الأطراف أو طائفة أو مذهب، بل ستترك آثارها في الجميع، فلا يظنن أحد أن إضعاف فئة من اللبنانيين، أو طائفة، أو مذهب، أو موقع سياسي، سيؤدي إلى قوة الآخر، بل إن الجميع سيتأثرون بها، لأن الجميع، شاؤوا أم أبوا، في مركب واحد".
واضاف: "لهذا، نقولها للبنانيين، وقبل أن يفوت الأوان: تلاقوا وتواصلوا وتحاوروا، فلا ينبغي أن يكون هناك ممنوعات في الحوار الداخلي، وليس هناك بديل من الحوار، لكن ما نريده دائما هو الحوار الجاد والموضوعي.. كي نتقي الأخطار الحالية والقادمة، فنحن نعيش في عالم لن يقلع فيه أحد أشواكنا إن لم نقلعها بأنفسنا، ومن خلال وحدتنا".
وتابع: "وفي هذا الوقت، تعود الملفات الداخلية إلى الواجهة، وخصوصا أزمة الكهرباء التي نريد لها حلا قريبا يخفف من الأعباء على اللبنانيين، ولكنه الحل الناجع والشفاف، كما نؤكد ضرورة التعاطي بمسؤولية مع قضية الرتب والرواتب التي أثيرت مجددا مع الحديث عن المفاعيل السلبية لها على مستوى مالية الدولة أو على أغلبية المواطنين، إن على صعيد ارتفاع أسعار الحاجيات الضرورية أو ارتفاع الأقساط المدرسية".
وقال: "ونحن في ذلك، نعيد التأكيد على ما قلناه سابقا، بأن إقرار سلسلة الرواتب حق للموظفين وللمعلمين، ولكننا كنا دائما نشدد على أن يواكب ذلك بمعالجة الفساد والهدر، والتسريع بإنجاز الخطة الاقتصادية، إنعاشا لميزانية الدولة، وبما يحول دون فرض الضرائب التي تلحق الضرر البالغ بالطبقات الفقيرة والمتوسطة، عندما تحملهم أعباء ليسوا قادرين على حملها، وهذا ما ندعو إلى معالجته وإعادة النظر فيه".
اضاف: "إلى اليمن، البلد الذي اكتوى بنيران الحرب التي بات الجميع يعرفون أن لا أفق لها، ولن تؤدي إلا إلى المزيد من الدمار والخراب لهذا البلد، كما يعرفون أن الذي يدفع فاتورتها هو الشعب اليمني الذي لم يعد ضحية للحرب فقط، بل للأمراض الخطيرة التي تسببت بها، وخصوصا مرض الكوليرا الذي يحصد مئات الآلاف".
وناشد العرب والمسلمين بالقول: "نحن أمام شعب مهدد بمصيره، وأمام بلد تأكله النيران، كما تأكله الأمراض، ولذلك، لا بد من أن يتحمل الجميع مسؤوليته في العمل لوقف هذه الحرب العبثية وتداعياتها التي لن تقف عند حدود اليمن، بل ستتعداها إلى المنطقة كلها".
وأعلن "اننا في هذه المنطقة من العالم، والتي، مع الأسف، صرنا وقودا لحروبها، ندعو إلى الإسراع في الخروج من سياسة إنتاج الأزمات التي اعتدناها، وإلى إنتاج الحلول والتوافقات، وإن كان هذا لا يبدو سهلا، بعدما أصبح الجميع يكتوون بلعبة الكبار، وخصوصا أن العالم المستكبر يريد أن يبقى العالم العربي والإسلامي تحت وطأة الحروب والاستنزاف التي يجني منها الكثير".(۹۸۶۳/ع۹۴۰)