وقال الشيخ عبد المهدي الكربلائي في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة من الصحن الحسيني الشريف اليوم الجمعة (22 /9 /2017)، "اننا جميعا عشنا هذا الموسم العاشورائي لسنين طوال، متساءلا عن المحصلة التي ينبغي الخروج بها بعد ممارسة تلك المواسم العاشورائية والمشاركة في احزانها، فضلا عن ماهية التغيرات الجوهرية التي يبحث عنها من يحمل الانتماء الصادق لمدرسة الامام الحسين عليه السلام".
وطالب الكربلائي المفجوعين بمصيبة سيد الشهداء ان لا يكون يوم خروجهم من عاشوراء كيوم دخولهم فيه، كما لايكون خروجهم من شهري محرم الحرام وصفر الخير كيوم دخولهم، مشددا على ضرورة الالتفات الى الممارسات والاعمال والمواقف بعد الانتهاء من موسم عاشوراء ومدى تأثير ممارسة تلك الشعائر والاحزان على النفوس والمواقف.
ولفت الى ان علامة الانسان الصادق في ولاءه وانتماءه للامام الحسين عليه السلام ان يقوم بترجمة المبادئ التي يستمع لها في مجالس الوعظ والارشاد او التي يتم مطالعتها في الكتب ويحولها من مسموعات ومطالعات الى واقع حي متجسد في حياته، مبينا انه اذا فعل ذلك يكون صادقا في بكاءه وحزنه على الامام الحسين عليه السلام وان لم يفعل لايكون صادقا وتكون افعاله مجرد دعوى.
واوضح ممثل المرجعية الدينية العليا ان أولى تلك المبادئ التي يجب ان يترجمها الانسان في حياته هي تبني وممارسة العدل والاصلاح ورفض ومكافحة الظلم والفساد والجور والانحراف، مبينا ان هذا المبدأ يجب على الجميع العمل به، مستدركا انه يتأكد عند طبقة معينة تتمثل بمن يتولى الحكم والمسؤولية والتصدي لادارة مجموعة من الناس، لان هذه الطبقة يكون عدلها وانصافها اكثر نفعا وخيرا وبركة، وفي المقابل يكون ظلمها وجورها وتعسفها اكثر جريمة وضررا من الغير.
وبين خطيب جمعة كربلاء ان الانسان الحسيني الصادق الذي يريد ان يكون صادقا في حزنه على الامام الحسين عليه السلام ان يمارس هذا المبدأ داخل اسرته وان لا يكون ظالما لامه او ابيه او زوجته وابناءه وحتى ارحامه ومجتمعه، فضلا عن تبنيه مبدأ الانصاف مع الجميع وان يكون عادلا داخل اسرته ومع ارحامه ومجتمعه وفي موقع عمله، وان يمارس العدل مع الصغير والكبير ومع الرجل والمرأة عاملا بالمبدأ الحسيني الذي جسده الامام الحسين عليه السلام مع العائلة والمجتمع.
ودعا الشيخ الكربلائي الى ضرورة العمل بهذا المبدأ بين عشيرة وعشيرة اخرى وكذلك بين شعب وشعب أخر، مؤكدا ان اساس مرتكزات الثورة الحسينية ان يسود العدل والانصاف في حياتنا وبالخصوص عند الحاكم والمسؤول الذي يدير مجموعة من الناس، مشددا على ضرورة ان يكون الانسان الحسيني الصادق عادلا ومنصفا مع من يحب ويكره وان لايدفعه الحقد والكره الى الظلم لانه بذلك يخالف منهج الامام الحسين عليه السلام، وعليه ان يكون عادلا مع من يحبه ولاتدفعه كراهيته تجاه الانسان الذي يكرهه الى ظلمه والتعسف به.
واستدرك ان المبدأ الثاني يتمثل بصدق الولاء والانتماء العقدي، اي ان يكون الانسان صادقا في التوحيد والنبوة والعدل والامامة واليوم الاخر وغير ذلك، مؤكدا ان صدق الانتماء والولاء للامام الحسين يتجلى عن طريق الايمان بإمامة الائمة الاثني عشر بدءا من الامام امير المؤمنين الى الامام المهدي عليهم السلام.
واردف ان صدق الانتماء والولاء للامام المهدي عليه السلام يتمثل كذلك في صدق الانتماء والولاء لخلفاءه ونوابه من الفقهاء الصالحين والعلماء العاملين الزاهدين في الدنيا والراغبين بالاخرة من خلال عمومية الاقتداء بمنهجهم وعدم التبعيض في جميع مجالات الحياة، مستدركا ان لكل فقيه موقف ورأي في المجالات الفقهية او العقائدية او التربوية او الاجتماعية ولابد من اتباع جميع مايصدر عنه، محذرا من التبعيض وابداء الاعجاب ببعض الاراء حسب المزاج وعدم العمل ببعض الاراء لانها لاتتناسب مع الاراء الشخصية، مبينا ان التبعيض لايمثل الولاء التام للامام المهدي عليه السلام وانه يخالف صدق الولاء للمدرسة الحسينية لان الامام المهدي عليه السلام امر بالاقتداء بنوابه في جميع مواقفهم وكل مايصدر منهم.
واردف ان المبدأ الثالث يتمثل بالقبول بالقيادة الصالحة والرفض للقيادة الفاسدة ويتأكد في طبقة المتصدين لقيادة المجتمع، مستشهدا بكلمات للامام الحسين عليه السلام تمثل مبدأ مهم في الحياة لخصها الامام في ثلاث كلمات "مثلي لايبايع مثله"، مبينا ان على الحسينيين الصادقين رفض اي قيادة فاسدة سواء اكانت في مجال الدين او السياسة او التربية او اي مجال من المجالات، فضلا على ذلك عليهم ان لايمكنوا حتى مقدمات التمكين للفاسدين لحصول هذه المقدمات والسعي بجميع الطرق والوسائل في عدم تمكين هؤلاء الفاسدين من الاستحواذ على مقدرات الناس والوصول الى السلطة، مستدركا ان المرجعية الدينية العليا طالما اوصت على هذا المبدأ وتطبيقه في الحياة عن طريق اختيار الرجل الصالح والنزيه والكفوء القادر على خدمة الناس وابعاد الفاسدين، مشيرا الى ان ايصالهم الى مواقع القيادة يتعارض مع صدق الانتماء للامام الحسين عليه السلام، كما انه يتعارض مع مبدأ مثلي لايبايع مثله.
واكد ان المبدأ الرابع يحث على ضرورة تفعيل الاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، مبينا ان من جملة المبادئ والاهداف التي خرج من اجلها الامام الحسين (عليه السلام) هي ان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، موضحا ان هذا الواجب من اعظم الواجبات الدينية التي في حال تركها سُلّط الاشرار والفاسدين على مقدرّات امور الناس، مشيرا الى ان الانسان الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر سيواجه مقاطعة وزعل ونفور من الاخرين وعليه ان لايجعل ذلك سبباً لعدم القيام بهذا الواجب.
ونهى الشيخ الكربلائي عن قول الانسان ان هذا الامر لا يعنيني خصوصاً في المناطق المقدسة وكذلك داخل البيت وفي الشارع وفي السوق، منوها ان الانسان اذا كان حسينياً صادقاً بواجبه في النهي عن المنكر اذا رأى شيئاً من هذه الظواهر عليه ان يدعو الى الالتزام بالمعروف.
واوضح ان المبدأ الخامس يتمثل برعاية المبادئ الانسانية حتى في حال الحرب، مستشهدا بموقف مسلم بن عقيل الذي كان بمقدوره ان يقتل عبيد الله بن زياد بكل سهولة الا انه كان لديه مبدأ وقف حائلا امامه دون فعل ذلك وهو انه ليس في الاسلام غدر وفتك، فرفض العمل بمبدأ الغدر والفتك بعدوه مع ان ذلك كان سيجنبه القتل ويحقق له النصر العسكري، فخلّد هذا الموقف مسلم بن عقيل واعطى لهذه الثورة مسيرتها الصحيحة، فضلا عن ذلك ان هذا المبدأ تجسّد لدى الامام الحسين (عليه السلام) واصحابه في جميع مراحل معركته مع الباطل حتى في اشد الظروف قساوة وبالرغم من ممارسات العدو الوحشية معه ومع اصحابه نراه يسقي افراد عدوه وخيولهم الماء، مبينا ان هذه الثقافة كانت في مقابل ثقافة التوحش والغدر والهمجية لأعداءه (عليه السلام).
وتابع ان الامام الصادق (عليه السلام) عبر في حديثه مخاطباً عمار بن ابي الاحوص "اما علمت ان امارة بني امية كانت بالسيف والعسف والجور، وان امارتنا بالرفق والتآلف والوقار وحسن الخلطة والورع والاجتهاد، فرغّبوا الناس في دينكم وفيما انتم عليه".
واشار ان المبدأ السادس يتجلى في ترويض النفس على الصبر والتحمل وعدم استعجال النتائج وترك الاحباط واليأس والجزع، موضحا ان نهضة الامام الحسين (عليه السلام) تعلّمنا ان النتائج قد لا تظهر في حياة الانسان بل قد تكون بعد جيل او اكثر وان العمل مع الصبر سيثمر النتائج المرجوة لا محالة، مستشهدا بما ورد في الحديث (لا يعدم الصبور الظفر وان طال به الزمان)، مؤكدا على ضرورة تمرين النفس وترويضها على المصابرة والتحمّل لصعوبة الظروف وتحديات المرحلة وأذى الطريق ومن ذلك الحرب النفسية التي يمارسها العدو للنيل من معنويات المؤمنين، محذرا من الاحباط واليأس لتأخر النتيجة او الجزع من نوائب الدهر وتقلباته وفقد الاحبة والاعزة، لإن قوام النجاح والظفر في معترك الحياة بكل زواياها سواء أكان في امور الدين او الدنيا هو الصبر بمراتبه المختلفة (حسب قوله).(۹۸۶۳/ع۹۴۰)