ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته السياسية:
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الحسين أخاه محمدا ابن الحنفية، حين قال له: "إن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عنده، وأن الجنة حق والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور".
ثم قال: "وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي وأبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن رد علي أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم الظالمين، وهو خير الحاكمين، عليه توكلت وإليه أنيب".
أضاف: "لقد أراد الإمام الحسين من خلال هذه الوصية، أن يوضح الهدف الذي خرج من أجله من المدينة في اتجاه مكة، وبعدها إلى كربلاء. هو لم يرد من وراء ذلك هدفا ذاتيا ولا مجدا شخصيا إنما أراد الإصلاح في أمة جده، لتهتدي بهدى رسول الله، بعدما دب فيها الفساد والانحراف، الذي وصل إلى أن يكون رجل فاسق قاتل للنفس المحترمة، مثل يزيد، خليفة للمسلمين".
وتابع: "لقد أراد الإمام الحسين لهذا الهدف الذي بذل لأجله دمه ودم أصحابه وأهل بيته، أن يكون هدف كل من يعلن الولاء له، فلا يمكن أن يتولى أحد الحسين وهو ساكت عن ظلم أو فساد أو انحراف أو مستكين للطغيان.
فالحسين يريد منا المواقف، وهو لن يكتفي منا بالدموع، على رغم أنه يستحق هذه الدموع، لنكون أقدر على مواجهة التحديات!
والبداية من الأمم المتحدة، التي تحول منبرها في الأسبوع الماضي من منبر وجد في الأساس ــ وبحسب نظامها الداخلي ــ لتعزيز السلم العالمي، وحل النزاعات، وإيقاف الحروب، إلى منبر تعلن فيه الحروب وتثار فيه النزاعات وتصنف الدول بمعايير استنسابية وغير موضوعية، وهو ما تجلى في خطاب الرئيس الأميركي، حين وقف من على منبر الأمم المتحدة يتوعد ويتهدد أكثر من دولة تواجه سياسته وتعارضها، من دون التوقف عند الأسباب التي تدفع هذه الدول إلى اتخاذ هذه السياسات المعارضة، ثم يتهمها بالإرهاب من دون تحديد علمي للفرق بين الإرهاب والمقاومة، في الوقت الذي لم يتحدث عن معاناة الشعب الفلسطيني الذي يعاني يوميا من إرهاب عدو يحظى بالحماية والدعم المطلق من أميركا".
وقال: "إننا أمام ذلك، ندعو الأمم المتحدة إلى أن تستعيد دورها في أن تبقى منصة للشعوب المستضعفة، وأن تجد فيها ملاذا للاحتماء من طغيان الدول الكبرى وحروبها وهيمنتها، وإن كان هذا الأمر صعب التحقيق، بعدما فقدت هذا الدور، ولم تعد قراراتها تنفذ إلا في حق الشعوب المستضعفة التي لا ظهر لها".
وكرر التأكيد أن "منطق التهديد والهيمنة لم يعد مجديا في هذا العالم، ولذلك، ما ندعو إليه هو العدالة في هذا العالم، فهو السبيل لاستقرار الدول والشعوب، لأن الظلم سيبقى دائما مشروع حرب، وهو بالطبع يمهد السبل للإرهاب الذي يشكو العالم منه ويدعو الى الحرب عليه".
وأضاف: "نبقى في الأمم المتحدة لنشيد بموقف لبنان القوي، الذي عبر عنه رئيس الجمهورية من على منصة الأمم المتحدة، عندما رفض توطين اللاجئين السوريين، مهما كان الثمن"، وأشار إلى أن "هذا الأمر لا يمليه أحد على اللبنانيين، معاندا بذلك السياسات التي ترسم في هذا المجال من الدول الكبرى، فهؤلاء النازحون لا بد من أن يعودوا إلى وطنهم، متى توافرت ظروف الأمن لهم، وهذا حق للبنانيين لحفظ بلدهم وحماية توازنه واستقراره.
وفي الوقت نفسه، نشيد بالدعوة من على منبر الأمم المتحدة إلى اعتبار لبنان مركزا للحوار بين مختلف الديانات والحضارات والأعراف، لكونه المؤهل لذلك، نظرا إلى التنوع الموجود فيه، وإلى طبيعة العلاقة التي تحكم هذه الديانات والثقافات ببعضها البعض.
في هذا الوقت، يستمر الجدل حول موعد الانتخابات، بفعل المعوقات التي بدأت تبرز بفعل تأخر إنجاز البطاقة الانتخابية أو طرح تعديلات على القانون الانتخابي يخشى أن تدفع إلى تأجيل الانتخابات، وإلى تمديد جديد، وهو الذي يخشاه رئيس المجلس النيابي وكل الحرصاء على الإسراع في إجراء الانتخابات، ليتسنى للبنانيين انتخاب نوابهم الممثلين الحقيقيين لهم".
وتابع: "نحن، في هذا المجال، ندعو إلى إزالة كل هذه العوائق للوصول إلى انتخابات جديدة، وفي ذلك حفظ للبلد وتحريك للعجلة السياسية فيه.
وفي مجال آخر، ندعو كل السياسيين، ولا سيما النواب الذين تنقل جلساتهم العامة على الشاشات أو عبر وسائل الإعلام، إلى أن يرتقوا بخطابهم داخل المجلس النيابي إلى مستوى المسؤولية، بحيث يتسم بالموضوعية والبعد عن الإثارة، ويكون التخاطب والجدال بالتي هي أحسن، حرصا على استقرار البلاد ومنعا للمصطادين في الماء العكر من أن يحققوا أهدافهم، وهم كثر".
وقال: "نبقى في القضايا المطروحة في هذا البلد، ومنها إخراج الجدال الذي يجري حول التعطيل يوم الجمعة من الحديث الطائفي، ليقال إن يوم الجمعة في مقابل يوم الأحد، فكما أخذ المسيحيون يوم الأحد، فلا بد من أن يأخذ المسلمون يوم الجمعة، بحيث يتحول الحديث عن ضرورة تلبية حاجة لدى المسلمين لممارسة عباداتهم في صلاة الجمعة وتوفير الظروف لذلك، إلى صراع إسلامي - مسيحي!
إننا ندعو كل المعنيين إلى درس كل السبل الإدارية والقانونية لتلبية هذه الحاجة وتوفير كل الظروف لإقامة هذا الواجب الديني، بعيدا عن أي اعتبارات من شأنها إثارة الوضع الداخلي وتوتير العلاقة بين المسلمين والمسيحيين".
وختم: "إننا في موسم عاشوراء نتطلع إلى أن نعيش جميعا المعاني الكبرى التي جسدتها النهضة الحسينية، التي انطلقت كحركة إصلاح في الوسط الإسلامي، أن نعمل لعاشوراء التي تجسد الوحدة الإسلامية ولا تدخل في الحساسيات التي توفر الأجواء لاحتقان مذهبي هنا أو هناك، فالحسين هو عنوان الإسلام كله، وعليه يلتقي كل المسلمين، وكل الشعارات التي أطلقها بعيدة كل البعد عن الإثارة المذهبية.
إننا نريد أن تعمر المناطق بمجالس عاشوراء، ولكن من خلال الخطاب المتوازن الذي يقدم لنا الحسين بشخصيته التي تتسع لكل عناوين الإنسانية والمظلومية، كما نتطلع إلى احترام حقوق الناس ومشاعرهم في إقامة المجالس، فنراعي أوقاتهم، ولا نطلق صوت المذياع في الأماكن التي لا ينبغي أن ترتفع فيها الأصوات، ولا نقفل الطرقات الرئيسية، وتكون الشعارات جامعة موحدة، لنخرج من هذا الموسم وقد اغتنينا به إسلاما ووحدة وانفتاحا على قضايا الناس ومشاكلهم واهتماماتهم.(۹۸۶۳/ع۹۴۰)