جاء ذلك في الكلمة التي القاها فضل الله في مسجد الإمامين الحسنين بعد تلاوة مصرع الإمام الحسين ومما جاء فيها: "مباركة هي هذه الدموع الحارة الصادقة الممتلئة حبا وولاء لابن بنت رسول الله ولكل هذه الصفوة الطاهرة من أصحابه وأهل بيته الذين وقفوا معه ولم يخذلوه وكانوا كما عرفهم الحسين: "فإني لا أعلم أصحابا أولى ولا خيرا من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعا خيرا"..
أيها المواسون: السؤال لا بد أن نطرحه على أنفسنا، لماذا جئنا اليوم إلى هنا ومعنا كل الذي يقيمون مجالس في كل العالم.. هل جئنا لأداء واجب نؤديه كل سنة لنقيم مجالس عزاء ونذرف الدموع ونلطم الصدور وينتهي الأمر عند هذا الحد ليعود بعد ذلك كل إلى حياته ويستأنف حياته سوى من شحن روحي وعاطفي سرعان ما يزول... هل بذلك نكون وفينا للحسين وأصحابه وأهل بيته..
إننا هنا نأتي كل سنة حتى نؤكد انحيازنا التام للحسين ولخياراته في كربلاء لنعيد استنهاض هممنا والحياة فينا، فالحسين بالنسبة الينا ليس تاريخا أو ثائرا كبقية الثوار أو مصلحا كبقية المصلحين، بل هو إمام نقتدي به ونرى كل ما قام به حجة وشريعة وهو مسؤولية ومن واجبنا أن نحتذي به..
لا نحتاج إلى التأكيد أن الحسين في كل ما انطلق لم يكن خيارا ذاتيا، هو خيار رسول الله الذي على اسمه وبهديه كانت ثورته، ولذلك نستطيع أن نؤكد أن لو كان حاضرا لكان في موقع الحسين وهو بالطبع خيار علي والحسن لو كانا حاضرين وهو خيار كل إمام من الأئمة، وأن اختلفوا في أساليبهم فهم توحدوا في منطلقاتهم وأهدافهم".
واكد أن "منطقنا وأهدافنا هو منطق واهداف الحسين، وإن كان الأسلوب قد يختلف فالثورة ليست هي الأسلوب الوحيد لتحقيق الأهداف ومنطق الحسين هو الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... منطقه ألا نبايع ولا نؤيد الفاسق والفاجر والقاتل والفاسد... منطقه هو تغيير أي واقع يعمل على أن يحل حراما ويحرم حلالا ويستأثر بأموال الناس ويعطل الحدود ليعاقب الضعفاء من الناس لا الكبار.
ومنطقه هو أن الحياة قيمتها بمقدار ما تكون عزيزة وحرة فيما السعادة كل السعادة عندما يكون الموت سبيلا لعزة أمة وحريتها "إِنِي لا أرَى المَوتَ إلا سَعادة ، وَالحَياةَ مَع الظالمين إِلاَ بَرَما"..
منطقه منطق الأحرار الذين لا يبيعون مواقفهم لقاء مال أو دنيا أو موقع: "والله لا أعطيكم إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد".. منطقه منطق الذي يبيع نفسه لله لا لاحد غيره ولاجل هذا المنطق قدم الحسين ومن معه التضحيات الجسام .
ونحن عندما ننحاز للحسين ونعلن ولاءنا، فمن مسؤوليتنا أن نعلي من شأنه وموقعه أن لا نقبل بأن يساء إلى صورته وتشوه مواقفه في كربلاء وفي تطلعاته ممن يشوهون صورته أو يقدموه على غير حقيقته.. بحيث يبدو عندهم الحسين ضعيفا مهزوما منكسرا بدلا من العنفوان الذي شهد به الأعداء قبل الأصدقاء
وهنا فإننا نقول للذين يضربون رؤوسهم لقد أخطأتم الطريق بل أسأتم، فليست هذه هي الصورة التي تعبرون بها عن حبكم وولائكم، فالحسين لم يجرح ولم يعفر جسده بالتراب ولم يعانِ إلا في مواجهة أعدائه.. هو لم يفعل ذلك في أي موقع آخر.. ثم أي صورة هي تلك التي نقدمها للعالم عن أتباع الحسين وأصحابه، وأهل البيت الذين شددوا على أن نكون زينا لهم لا شينا عليهم..
ونقول لكل الذين يشوهون سيرته لإثارة العاطفة واستدرار الدموع ان الحسين لا يحتاج حتى يثير الحزن فينا إلى كل هذه الإضافات أو المغالاة".
وتابع فضل الله: "ومن هنا ومن موقع الحسين وكل الدماء التي نزفت في كربلاء، سنكون الحريصين على نقاء الدين وأصالته كما حرص الحسين، سنكون الحريصين على أن تكون الحياة ساحة عزة وحرية وأباء وكرامة... سنكون حريصين على أن نكون في كل ساحة للحق والعدل والحرية والعزة ولن نتخلف بالكلمة والموقف والحضور... ومسؤوليتنا في ذلك تتسع لتشمل كل إنسان مظلوم ويعاني أو أمة مظلومة وتعاني مهما كان دينهم أو مذهبهم.
ولذلك وفي هذا البلد سوف نظل ندعو إلى الوحدة الإسلامية والوطنية ونؤكد على احتواء كل الخلافات الداخلية صونا للوطن واستقراره الداخلي.. في الوقت نفسه نصر على الإصلاح في كل ما يطاول البنيان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للإنسان اللبناني، وسنصر على مواجهة الفساد الذي كان ولا يزال هو السبب الرئيسي في تجويع الناس والإجحاف بحقوقهم، وهدر المال العام. وبالتالي مستقبل هذا البلد".
واكد ان "اللبنانيين من حقهم أن يعيشوا في بلد يحترم إنسانيتهم ويبقيهم في أرضهم ولن يكون كذلك إلا إذا كان يراقب ويدقق ويحاسب هذه الطبقة السياسية.
إننا نريد لبنان أن يكون انموذجا يقدم للعالم رسالة تؤكد فيها الأديان والمذاهب على قدرتها على التلاقي والتعاون في مواجهة من يرى أن وجود الأديان مع بعضها البعض هو مشروع حرب وفتنة... وعندما نتحدث عن تلاقي الأديان، فإننا نتحدث عن القيم التي ينبغي أن تكون هي الحاكمة فالرسالات ما جاءت إلا لتبعث القيم ونتحدث عن العدالة التي تبقى هي هدف الأديان والرسالات.
ولا يمكن أن نتحدث عن لبنان إلا ونتحدث عن لبنان القوي الذي نريده والذي كان تعبيره هزيمته لعدو من اعتى الأعداء وهو العدو الصهيوني في العام 2000 و2006 وهو لا يزال يشكل خطرا... ولبنان القوي في إبعاد خطر الإرهاب التكفيري.. وهنا نقف بإجلال أمام تضحيات الجيش والقوى الأمنية اللبنانية والمقاومة التي بذلت من شبابها وبرو حسينية ولا تزال تبذل وهي على استعداد أن تقدم المزيد من أجل الوطن وابعاد الخطر عن هذه المنطقة".
واردف فضل الله: "في هذا الوقت، تأتي عاشوراء والعالم العربي والإسلامي يعيش أسوأ الظروف بفعل الفتن والحروب التي أكلت وتأكل اخضره ويابسه وجعلته في مهب مشاريع الدول الكبرى التي استثمرت الكثير من الثغرات لتمسك بقرارات هذا العالم ومستقبله. واستفادت من منطق تكفيري الغائي بدأ يتمدد داخل هذه الأمة، هذا ما نشهده في العراق وسوريا واليمن وليبيا والعديد من البلدان.
إننا نرى ان من المسؤولية العمل على الاصلاح في هذا العالم بمعالجة الأسباب التي أدت إلى جعل هذه المنطقة من العالم أرضا خصبة لحصول الفتن والحروب، وكذلك معالجة الأسباب التي أدت إليها سواء ذات الطابع الديني أو المذهبي أو القومي أو غيرها من الأسباب، من خلال العمل لتحقيق العدالة والحرية في الأمة، وبكف أيدي العابثين بالفتن، وبالوعي الذي يجعل هذا العالم العربي والإسلامي يرى نفسه في دائرة الاستهداف لإخضاعه وتقسيمه... وأنه لن يكون له قرارات إلا إذا توحدت جهوده وخرج من سياسة التخويف وخلق الهواجس والصراع الدامي الذي تحول من العدو الصهيوني إلى داخل هذا العالم وفي كل مرحلة نتج أزمة جديدة بين هذا البلد وذاك.. ونحن نعتقد أنه بالحوار سيكتشف الجميع أن لا حقيقة للكثير من الهواجس والمخاوف.
ويبقى الكيان الصهيوني هو الأساس فيما تعاني منه المنطقة والشعب الفلسطيني.. ومن هنا، فاننا مدعوون وانطلاقا من عاشوراء إلى الوقوف مع الشعب الفلسطيني في سعيه لحريته وتحقيق حلمه بالعودة وإلى اليقظة من محاولات إدخال هذا الكيان إلى داخل الجسم العربي والإسلامي والتطبيع معه، مستفيدين من واقع الفتنة ومن تداعيات الصراع الجاري في هذا العالم".
وختم: "انطلاقا من عاشوراء، لا بد من مواجهة التشويه الذي أصاب صورة الإسلام، سواء في نفوس المسلمين أو غيرهم من خلال المنطق التكفيري الالغائي، وهذا يستدعي جهودا حثيثة لذلك بإعادة إظهار الإسلام الذي بات يوصف بأنه داعية عنف ومشكلة للإنسان بأن هذا الدين هو رحمة للعالمين وهو نهوض للحياة ومستقبلها.
ستبقى كربلاء بكل مجرياتها تمثل لنا البوصلة التي نستهدي بها ونأخذ منها الروح والعزيمة والأقدام والمدد الروحي، لنعمل للعدل وللحرية وللانسان كل الإنسان".
من جهة ثانية، رعى فضل الله حملة التبرع بالدم التي اقامتها مستشفى بهمن بمناسبة ذكرى عاشوراء.(۹۸۶۳/ع۹۴۰)