وأكّد سماحته خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين(ع) في برج البراجنة، "على شعبنا وناسنا المطالبة بسياسات صحية وتربوية واجتماعية لا فرق فيها بين غني وفقير، وبين حاكم ومحكوم، ومعها يجب إسقاط ثقافة الامتيازات، ولعبة النفوذ، وليس مسموحاً احتكار عقول الناس، وسحق آمالهم، وكسر طموحاتهم، وتبديد ثرواتهم، بخلفية أن السلطة ليست قادرة على القيام بالأعباء، لأن أعباء خدمة الدولة والبلد والموازنة ومجموع إمكانات السلطة طيلة سنة كاملة للبنوك والجهات الدائنة هي بسبب فشل وسوء إدارة الدولة والمال العام. ومن قصّر وأفسد عليه أن يتحمّل المسؤولية وليس الشعب، خاصة أن سجون هذا البلد تغصّ بالفقراء الذين هم ضحايا سياسة الفساد الحكومي".
بخصوص ما جرى في منطقة حي السلم بالأمس، أشار سماحته إلى أنه "يجب الالتفات جيداً إلى أن سياسات الإهمال والفساد والفشل الاجتماعي هي المسؤول الأكبر ليس عن أوضاع الضاحية الجنوبية فحسب، بل عن كل المناطق المحرومة من عكّار إلى بعلبك-الهرمل وغيرها من مناطق لبنانية عزيزة. فالمطلوب حكومة بحجم وجع الناس، وليس بتركهم فريسة للفقر والبطالة والفوضى وغياب القانون؛ وليس مسموحاً لأيّ كان لا في الداخل ولا في الخارج، المسّ بسماحة السيد حسن نصر الله، لأنه رمز مصالح لبنان والمنطقة، وإنه سيد التحرير والاستقلال المعاصر، وإذا بقي بلد ومنطقة وكرامة وقانون ومصالح بلد، فبفضل وجهود وعطاءات سماحة السيد والمجاهدين الأبرار. وبالأمس واليوم وغداً، القضية قضية حكومة وشعب؛ وليس حكومة أبراج وفنادق ومشاريع سفر ونفقات، فمشكلتنا بفساد السلطة السياسية وهدرها، وفشل مشاريعها، وإهمالها المقصود، وزواريبها".
كما أشار المفتي قبلان إلى أنه "آن الأوان للسلطة في هذا البلد أن تفهم أن الحرية الإعلامية بلا مسؤولية هي قتل للحريات كلّها، بدليل أن ما جرى في حي السلم تمّ توظيفه إعلامياً بخلفية ضغائن ونكد، بهدف إطلاق النار على من بهمته عاد لبنان سيداً مستقلاً، فيما تمّ تحييد السياسات الحكومية عن الحدث، رغم أنها المسؤول الأول عن تجويع الناس ووجعهم، وتحويلهم إلى حزام بؤس لصالح مشاريع السلطة الخاصة، ومناطق نفوذها".
وفي ما خصّ مسألة النزوح، أكّد المفتي قبلان "أننا لن نقبل اللعب بأرزاق اللبنانيين ومصالحهم، على قاعدة أن اتخاذ أي موقف من النزوح محرج إقليمياً ودولياً، لأن الشعب اللبناني يعيش لحظة تعاسة وقلق، هي الأسوأ وقد تكون الأخطر، وعلى الحكومة أن تعمل على تأمين مصالح اللبنانيين أولاً، وإلا فلترحل ولن نأسف عليها".
وأضاف... نعود ونؤكّد أننا نريد الدولة، وندعو إليها، وبضرورة قيامها، ولكن الدولة التي نعنيها ونبحث عنها هي دولة المؤسسات والشفافية، دولة الالتزام بالدستور والقوانين، والإنماء والاقتصاد القائم على رؤى واستراتيجيات استنهاضية، تضع البلد على السكة الصحيحة اقتصادياً وإنمائياً ومعيشيًا، فالدولة التي لا تهتم بمواطنيها ولا تعنيها مشاكلهم وظروف حياتهم ليست بدولة، والسلطة عندما تكون أسيرة غاياتها ومصالحها ليست بسلطة.
وتوجه سماحته للسلطة بكل مكوّناتها قائلاً: "بهذه المنهجية السائدة، وبهذه الممارسة السياسية التي تستبطن الكثير من الزبائنية والفساد وتوزيع المناصب والمغانم على المتملقين لن تقوم دولة، ولن تبقى مؤسسات، ولن تحظى بثقة الناس، مهما حاولت أو جاملت في العناوين. فما نشهده لا يؤشر إلى أن التجارب التي مررنا فيها قد علّمتنا أو أثّرت فينا، لأن السياسيين في هذا البلد لا يريدون أن يتعلموا، ولا يملكون الإرادة لإحداث التغيير الحقيقي في الذهنية، وفي كيفية التعاطي بمسؤولية وطنية عالية، مع ما يحقق آمال اللبنانيين ويخدم تطلعاتهم نحو بناء وطن حقيقي ونهائي للجميع، بعيداً عن منطق الطوائف والمذاهب، لأن البلد الذي يبنى على النعرات وتقاسم الحصص لن يبقى فيه حصة لأحد، والشراكة عندما تتحوّل إلى بازارات ومزادات يصبح البلد بمن فيه وما فيه ورقة للمساومات والرسائل الإقليمية والدولية".
ودعا المفتي قبلان "العهد والحكومة إلى استثمار الإيجابيات، وتفعيلها، ومقاربة السلبيات بتعقّل وتفهّم وبحسابات دقيقة، لأن الخطأ ممنوع، والرهان على التحوّلات في المنطقة يجب أن يتوقّف. فلنضع الأمور في نصابها، وعلى المبدأ الذي يقول: كلنا لبنانيون، وكلنا مسؤولون. وعلى هذا الأساس يجب أن ننطلق جميعاً وأن نعمل معاً على تجاوز كل الخلافات والاختلافات، لأن ما لدينا من مشاكل، وما نواجهه من تحديات، يستوجب جهوداً على المستويات كافة وبمختلف السبل والوسائل".
كما أكّد سماحته "على أن مصالحنا الاستراتيجية هي بالتنسيق مع سوريا، ولن نقبل عن ذلك بدلاً، كما لا نقبل بحكومة تعادي دمشق، أو تساوم على دمشق، فأمن لبنان واستقراره من أمن سوريا واستقرارها".
وبخصوص ما يجري في شمال العراق، كرّر سماحته القول "أن مشروع أربيل الانفصالي هو بمثابة تل أبيب جديدة، والرهان على تركيا رهان خاسر، لأن من يلعب بمصير سوريا لا يؤتمن، وعلى العراق بحشده وجيشه وشعبه وحلفائه أن يؤكّدوا مرة أخرى بأنهم ضمانة لوحدة العراق ومصير المنطقة".
وأما بخصوص اليمن أكّد سماحته "أن صنعاء لن تتحوّل جثة سياسية ولن يربحها إلا شعبها الأبيّ، وكما فشلت واشنطن ووكلاؤها الإقليميون في سوريا سيفشلون في اليمن، وما النصر إلا صبر ساعة، ولم يبق من صبر الساعة إلا قليل إن شاء الله تعالى".(۹۸۶۳/ع۹۴۰)