08 December 2017 - 22:06
رمز الخبر: 437890
پ
السيد فضل الله:
قال السيد فضل الله "نحن بانتظار وقفة عربية وإسلامية مسؤولة، سوف تبقى عقولنا وقلوبنا مع الشعب الفلسطيني المضحي المقاوم، الذي أثبت من خلال التضحيات والدماء التي بذلها، أنه يمنح فلسطين كل يوم أملا واقعيا جديدا ورجاء كبيرا بأنها سوف تعود إلى أهلها".
 السيد علي فضل الله

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وحشد من المؤمنين. ومما جاء في خطبته:

"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الإمام الصادق، ونحن لا نزال نعيش ذكراه، عندما قال لأحد أصحابه، وهو ابن جندب: "يا ابن جندب، قال الله جل وعز في بعض ما أوحى، إنما أقبل الصلاة ممن يتواضع لعظمتي، ويكف نفسه عن الشهوات من أجلي، ويقطع نهاره بذكري، ولا يتعظم على خلقي، ويطعم الجائع، ويكسو العاري، ويرحم المصاب، ويؤوي الغريب، فذلك يشرق نوره مثل الشمس أجعل له في الظلمة نورا وفي الجهالة حلما أكلؤه بعزتي، وأستحفظه ملائكتي، يدعوني فألبيه، ويسألني فأعطيه...".

اضاف: "بهذه الصورة، أراد الإمام أن يبين لنا قيمة الصلاة، فالله يريد للصلاة أن تشع داخل قلب الإنسان وعقله وروحه، طهارة وصفاء ونقاء، تنعكس أخلاقا وسلوكا وخيرا للآخرين، وعند ذلك يستحق الإنسان أن يقول: أقمت الصلاة، وإلا فستضرب بوجوهنا، ويقال لنا لم تقبل صلاتكم، وستكون حسرة وندامة، ذلك ما أخبرنا الله عنه، عندما قال: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا (103) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا}.

وتابع: "جعلنا الله ممن تقبل صلاتهم، ومتى فعلنا ذلك، فستكون حياتنا وحياة الآخرين أفضل، وسنكون أكثر قدرة على مواجهة التحديات، وما أكثرها!".

وقال: "البداية من القدس، التي تستصرخ ضمائرنا وإيماننا وإسلامنا وعروبتنا وإنساننا، بعد أن اتخذ الرئيس الأميركي قراره بالاعتراف بها عاصمة للكيان الصهيوني، في أفدح تجاوز لقرارات ما يسمى بالشرعية الدولية التي تولي في قراراتها القدس مكانة خاصة، وفي استخفاف فاضح بالحكومات العربية والإسلامية التي احتفت به منذ أشهر وكرمته، والمفارقة أنها كانت تعرف أنه سوف يصدر قرار نقل سفارته إلى القدس، وبلا مبالاة شديدة باستفزاز المشاعر الإسلامية إزاء "أولى القبلتين، وثالث الحرمين، ومسرى رسول الله، ومنطلق معراجه"، وبعدم اعتبار للمشاعر المسيحية إزاء القدس؛ "مهد السيد المسيح"، واستهانته بشعب القدس وشعب فلسطين، مرورا بالاستهتار بكل النصائح الدولية والإقليمية من مغبة مثل هذا القرار وانعكاسه السلبي على أوضاع المنطقة المضطربة أصلا".

اضاف: "لقد جاء هذا القرار من الرئيس الأميركي استثمارا لظروف عربية وإسلامية، يرى أنها في أسوأ أحوالها، بفعل الصراعات المدمرة في المنطقة التي أصابت أكثر من بلد له دور في المواجهة مع العدو. وفي ظل لهفة أكثر من طرف عربي وإسلامي للتطبيع مع الكيان الصهيوني فوق الطاولة وتحتها، نخشى أن يكون بعض هذه الأطراف مشاركين في ما جرى، وسط استمرار الضغوط على الدول الحاملة للواء مقاومة العدو الصهيوني، واستمرار الحصار عليها بكل عناوينه".

وقال: "اننا نرى في الرفض العالمي الواسع لهذا القرار، وفي كل التوقعات الغربية المحذرة والقلقة من المواجهة المرتقبة للسياسات الأميركية، وفي التطورات المستجدة في المنطقة، علامات واضحة بأن القرار الأميركي ليس قدرا مفروضا، وأن بالإمكان إسقاطه في حال توفرت شروط الثبات على المواقف السياسية الرافضة وتطويرها، والحضور الشعبي في الساحات، فضلا عن المواجهة الفلسطينية اليومية للاحتلال، وهذا ما نأمل أن يحصل".

اضاف: "إننا في هذا الظرف الدقيق والحساس، نقدر كل المواقف الدولية والإقليمية التي أعلنت رفضها للقرار، ولكننا نشدد على ضرورة أن يرتقي الموقف العربي والإسلامي المستنكر والرافض إلى المستوى الذي يأخذ بالحسبان خطورة هذا الحدث وآثاره وتداعياته، ويليق بالموقع الذي تحتله القدس في قلوب مئات الملايين من المسلمين ومن غير المسلمين، لبذل كل الجهود لحمايتها من التهويد، وإلى المستوى الذي يناسب حق الشعب الفلسطيني المظلوم في استعادة أرضه وعاصمته.. وإن كنا لا نعول كثيرا على ذلك، فالعرب والمسلمون، على مستوى الحكام، لم يبذلوا ما هو مجد لفلسطين كل هذه السنوات الماضية، بل إن سياساتهم ساهمت في الوصول على هذا الوضع".

وتابع: "إننا في مثل هذا الظرف، لا نريد تسجيل النقاط أو التحريض على أي طرف، لكننا نقول: حذار من الوقوع في الخداع مرة بعد مرة. والسؤال الذي كان مطروحا برسم جميع الذين راهنوا على موقف أميركي وسيط ونزيه في ما يسمونه حلا عادلا للقضية الفلسطينية، سواء عبر مفاوضات ثنائية أو حتى عبر ما يسمونه "صفقة القرن"، جاءت إجابته واضحة عبر قرار الرئيس الأميركي الذي يؤكد الاصطفاف الكامل للسياسة الأميركية مع الكيان الصهيوني، الابن المدلل لها، وأن لا حلفاء له إلا هذا الكيان، مهما قدم العرب من مغريات سياسية ومالية واستراتيجية للإدارة على حسابه، بل إن الأمور دائما عنده لحسابه".

وأردف: "لذلك، نحن نقول لكل الدول والشعوب العربية والإسلامية ان القدس اليوم هي عنوان عزتكم وكرامتكم وإيمانكم. ومن دونها، أنتم في مهب رياح كل طامح في النيل من عزتكم وكرامتكم، ولا تظنوا أنكم آمنون بوجود هذا الكيان وغطرسته.. وعليكم أن تعرفوا أن معاناتكم هي من خلال وجود هذا الكيان وبسببه، ولذلك لا تتخلفوا عن اتخاذ موقف واضح وجريء للتاريخ، بعد أن اتضحت الصورة للجميع، بأن كل حديث عن حل ترعاه أميركا هو سراب في سراب.. هو تضييع وقت، وإن حصل، فليس لمصلحة الشعب الفلسطيني والعرب.. هو نتاج ضعفهم".

وأمل "أن نكون على مستوى هذه المسؤولية الكبرى، فالقدس أمانة في أعناق الجميع، وحفظها من حفظ الوجود العربي والإسلامي ومن حفظ مصيره. وتبقى القدس تمثل خط الدفاع الأخير عما تبقى من كرامة واعتبار للعرب والمسلمين". وقال: "إن أقل ما تستحقه القدس من الحكام هو موقف الدعوة إلى قمة عربية إسلامية تتجاوز كل الصراعات الداخلية، وتعمل على وقف كل الخلافات أو تجميدها لحساب القضية الفلسطينية. لذلك، فإننا في الوقت الذي نهيب بالقيادات والمرجعيات الدينية في العالم الإسلامي لقول كلمتها الفصل في حماية القدس.. نؤكد على كل الطاقات الحية في الأمة أن تتحرك، وعلى جميع المستويات، لوضع خطة إعلامية، سياسية حركية مقاومة، لمواجهة هذا القرار، ومنع أية محاولة لشطب القدس من الواقع والذاكرة، لأن حياة الأمم والشعوب تقاس بمواقفها التاريخية، وبمدى التزامها بحماية مقدساتها وتحرير أرضها، وتمسكها بمبادئ الحرية والعزة والكرامة في حياتها".

اضاف: "وبانتظار وقفة عربية وإسلامية مسؤولة، سوف تبقى عقولنا وقلوبنا مع الشعب الفلسطيني المضحي المقاوم، الذي أثبت من خلال التضحيات والدماء التي بذلها، أنه يمنح فلسطين كل يوم أملا واقعيا جديدا ورجاء كبيرا بأنها سوف تعود إلى أهلها، وأنه هو وحده سيخيب كل المراهنين على أن الأيام والشهور والسنين كفيلة بطي صفحة هذه القضية وإطفاء شعلتها"، مؤكدا "أن ما جرى ينبغي أن يعجل في تحقيق اللحمة بين مكونات الشعب الفلسطيني، لإزالة الانقسام ما بين السلطة الفلسطينية وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية، لتكون كل الجهود في خدمة الشعب الفلسطيني وقضية القدس، والتي لأجلها تجمد كل الخلافات".

وقال: "نعود إلى لبنان، الذي استطاع أن ينهي آثار استقالة رئيس الحكومة، وأن يعيد الانتظام إلى جلسات الحكومة. ونحن في ذلك نثمن كل الجهود التي بذلت من أجل إنجاز صيغة توافق وطني على قضية النأي بالنفس، ونأمل أن تساهم بمفاعيلها العملية في إزالة أي توتر داخلي أو على صعيد علاقة لبنان بمحيطه العربي، وأن تؤمن الاستقرار الذي ينشده اللبنانيون. وفي هذا الوقت، ندعو الحكومة إلى التعويض لمواطنيها عن فترات الانقطاع القسري للجلسات، للعودة إلى القيام بمسؤولياتها تجاههم، فهناك الكثير من القضايا المطروحة أمامها على مستوى موضوع الكهرباء والنفط ومكافحة الفساد والاهتمام الجاد بالوضع الاقتصادي، ولكن لا بد من التوقف عند التقرير الخطير لهيومن رايس ووتش، الذي يتحدث عن المخاطر الصحية لحرق النفايات، والذي يستوجب معالجة سريعة لأزمة النفايات وكل آثارها البيئية والصحية". (۹۸۶۳/ع۹۴۰)

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.