جاء حديثه هذا في حسينية انجمن بمدينة نيوكاسل البريطانية وذلك بمناسبة ذكرى شهادة جعفر بن ابي طالب (ع) والذي هو الشقيق الاصغر للامام علي (ع) ومن المسلمين الاوائل وثاني المؤمنين برسالة ابن عمه النبي الاكرم (ص) وثاني الواصلين بجناحه في الصلاة، وقد لقب بالطيار لان الله اعطاه جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة لان يداه قطعتا في معركة مؤتة بعد ان ابلى فيها بلاء حسنا.
وكان جعفر من الذين اشبهوا رسول الله (ص) خُلقا وخلقا بشهادة النبي (ص) وكان يحب المساكين ويطعمهم ويجلس ويأكل معهم حتى لقب بأبي المساكين، وكان من الملتزمين بالقيم الاخلاقية التي جائت بها الرسالات السماوية، فلم يكذب ولم يزني ولم يشرب الخمر ولم يعبد صنما، وبهذا المعنى روى جابر الجعفي عن الامام الباقر (ع) قال: أوحى الله عزّوجلّ إلى رسوله (ص): انّي شكرتُ لجعفر بن أبي طالب أربعَ خصال. فدعاه النبيُّ (ع) فأخبره، فقال (جعفر): لولا أنّ الله أخبرَك ما أخبرتُك: ـ
ما شَرِبتُ خَمْراً قطّ؛ لأنّي علمتُ أن لو شربتُها زال عقلي.
وما كَذِبتُ قطّ؛ لأنّ الكذب يُنقص المروءة.
وما زَنَيتُ قطّ؛ لأنّي خِفتُ أنّي إذا عملتُ عُمِل بي.
وما عبدتُ صنماً قطّ، لأنّي علمتُ أنّه لا يَضرّ ولا يَنفع.
قال: فضرب النبيُّ (ص) يدَه على عاتقه فقال: حَقَّ لله عزّوجلّ أن يجعل لك جَناحَينِ تطير بهما مع الملائكة في الجنّة
وكان جعفر سببا لاسلام النجاشي، فذكر له صفات النبي (ص) ومحاسن الدين الاسلامي واوضح له موقف الاسلام من نبي الله عيسى (ع) وانه كسائر الانبياء (ع) رتبة وقداسة، كما بين له مقام السيدة مريم بنت عمران وتلى عليه سورة مريم، فكان يستمع الى ذلك بامعان ويبكي وعلى اثره ارسل هدايا ثمينة الى النبي (ص) مع ثلاثين قسيسا ليلتقوا بالنبي (ص) وينظروا الى صفاته وكمالاته، وبالفعل جاء هؤلاء والتقوا به (ص) واستمعوا لكلامه وتأكدوا من صفاته التي هي مذكورة في الكتب السماوية وعلى اثر ذلك اسلموا وعادوا الى ملك الحبشة واخبروه فاعلن اسلامه ومن ذلك اليوم انتشر الاسلام في تلك الربوع، كل ذلك ببركة جعفر بن ابي طالب رضوان الله عليه.
هذا وقد اجمع المؤرخون والرجاليون على ان جعفر الطيار (ع) كان من السباقين الى الاسلام ومن الذين بشروا بقوله تعالى ((والسّابِقُونَ السّابِقُونَ، أُولئكَ المُقَرَّبونَ، في جَنّاتِ النَّعيمِ، ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلينَ، وقَليلٌ مِنَ الآخِرينَ)) وقوله تعالى ((وبَشِّرِ الذينَ آمَنُوا وعمِلُوا الصالحاتِ أنَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِها الأنهارُ)).
قال فرات الكوفيّ نقلا عن ابن عبّاس قال: نَزَلتْ في: عليٍّ وحمزةَ وجعفرٍ وعُبيدةَ بنِ الحارث بن عبدالمطّلب.
ومثله ما روي عن صادق اهل البيت (ع) ان المعنين بقوله تعالى ((وَهُدُوا إلَى الطَّيّبِ مِنَ القَولِ وهُدُوا إلى صِراطِ الحَميد)) هم حمزةُ وجعفر وعُبيدة وسلمان وأبوذرّ والمِقداد بن الأسوَد وعمّار.
ولمزيد الاطلاع عن حياة جعفر يمكن الرجوع الى المصادر العامة والخاصة التي تحدثت عن هذه الشخصية الاسلامية الفذة.
جعلنا الله من السائرين على خطه ونهجه لننال سعادة الدارين ونكون من اولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين انه ولي التوفيق. (۹۸۶/ع۹۴۰)