"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين عندما قال: "أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل (وهي كناية عن شد الرحال والسير للوصول)، لكانت لذلك أهلا.. لا يرجون أحد منكم إلا ربه.. ولا يخافن إلا ذنبه.. ولا يستح أحد إذا سئل عما لا يعلمه أن يقول لا أعلم.. ولا يستح أحد إذا لم يعلم الشيء، أن يتعلمه، وعليكم بالصبر، فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه". إننا أحوج ما نكون إلى هذه المعاني، بأن ندعو الله ولا ندعو غيره، ولماذا ندعو غيره وإليه يرجع الأمر كله. وإذا كنا نخاف من شيء، فليكن خوفنا من أن نقع في معصيته، فإذا عصيناه فمن يؤمننا منه؟ ولننتبه إلى أن لا نكف عن طلب العلم، وأن نشعر، مهما بلغنا من العلم، بأننا لا نزال في أول الطريق، ونحن نجد أن دعاء رسول الله، رغم أنه كان مدينة العلم: "رب زدني علما"، وأن لا نستحي إن لم نعلم شيئا أن نقول لا نعلم، فلا نتحدث عن غير علم. وأن نصبر حيث لا غنى لنا عن الصبر في مواجهة ابتلاءات الحياة وصعوباتها وتسويلات الشيطان وأحابيله. إن حياة الإنسان لا تنمو ولا تتطور إلا بالصبر، ولن نبلغ ما عند الله إلا به. وبذلك، نواجه التحديات".
وقال: "البداية من لبنان، الذي تنشغل القوى السياسية فيه بتحضير نفسها لانتخابات يتوجس الجميع منها خيفة، وإن اختلفت نسبة الهواجس بفعل القانون الانتخابي الجديد، فالتحالفات التي ثبتت في السنوات الماضية، وتحققت من خلالها المكاسب، لم تعد صالحة اليوم، فالتحالفات، كما يقال الآن، على القطعة، لا على المشاريع السياسية، بل المصالح الانتخابية. والأطراف السياسيون أو المرشحون الذين لم يكن لهم حظ بفعل ما كان يسمى بالمحادل الانتخابية، أصبحوا قادرين على الاختراق، وعلى تعديل موازين القوى في بعض الحالات. وثمة وعي متزايد لدى الجمهور الذي كان بالإمكان الإمساك بقراره، بمجرد دغدغة مشاعره الطائفية والمذهبية، أو إثارة الخوف عنده من الآخر، أو تدشين مشاريع على عتبة الانتخابات هي أساسا من حقه وتدفع من كيسه، أو لمصالح خاصة، فما عاد بالإمكان إقناعه بسهولة، بعد أن اختزنت ذاكرته الكثير من صفحات الماضي السوداء عن العجز عن النهوض بوطنه، أو تأمين متطلباته الأساسية في الكهرباء والماء، أو حمايته من آثار النفايات والتلوث والمحاصصة والفساد والهدر والاستئثار بالمال العام".
أضاف: "إن الشعب يريد ممن كانوا في مواقع المسؤولية أن يقدموا حسابا حقيقيا عن حصيلة إنجازاتهم، وعن العقبات التي انتصبت أمامهم، وسبب حصولها، وإذا حصل الخطأ، أن يضمنوا لهم أن لا يتكرر مرة ثانية، ويريد ممن يتقدمون إلى مواقع المسؤولية أن لا يكتفوا بتقديم أنفسهم بوصفهم البديل، وأن يقولوا إن الأخطاء التي حصلت من سابقيهم لن تحصل معهم، بل أن يقنعوا هذا الجمهور بأنهم قادرون على أن يعالجوا ما لم يعالجه غيرهم، وأن يكونوا البديل بما يقدمونه من مشاريع. إن كل شخص يتصدى لموقع سياسي، ينبغي أن يعي أنه يقدم على مسؤولية سيحاسب عليها، وهو عندما يحاسب، إنما ينبغي أن يحاسب على القوانين التي كان له دور في تشريعها، والقرارات التي اتخذت في ظل وجوده، ومدى الرقابة التي قام بها على أجهزة الدولة ومسارها، وعلى حسن اختياره لمن تصدروا مواقع المسؤولية من رؤساء ووزراء، ومدى اهتمامه بمصالح من يمثلهم، وعمله لأجلهم، من خلال طرح مشاريع قوانين تنمي اقتصاد البلد، وتحفظ حقوق المواطنين الاجتماعية، وتحمي حرياتهم، وحتى لا نظلم صاحب الموقع السياسي، فليس هو دائما من يتحمل مسؤولية النتائج، والمهم أن يكون قد بذل جهده، ولم يقصر في موقعه النيابي".
وتابع: "في هذا الوقت، ينتظر اللبنانيون بفارغ الصبر النتائج التي تترتب على موازنة العام 2018، وأيديهم على قلوبهم من أن تحملهم أعباءها، أسوة بالموازنات السابقة، أو تخفض التقديمات التي كانوا يحصلون عليها كمواطنين، بعد الحديث عن عجز مهول وصل إليه البلد حتى الآن، حيث بلغ 12000 مليار ليرة، وبعد سريان الحديث عن خفض موازنات الوزارات إلى 20%. ونحن هنا، نقول ما قلناه سابقا عند الحديث عن مشروع موازنة 2017، بأن على الدولة أن لا تستسهل خفض عجزها الناتج من سوء إدارتها، بمد يدها إلى جيوب مواطنيها، أو أن تأخذ منهم ما هو من حقهم على المستوى الاجتماعي أو الصحي أو الإنمائي، فالشعب لم يعد قادرا على تحمل أعباء هو الآن ينوء بسابقاتها، وأن يتقي النواب غضب الشعب وهم على أبواب انتخابات".
ورأى أن "العلاج يكون، كما هو واضح، بإيقاف الفساد، واستنهاض الاقتصاد، والتعرض لمصاريف الكماليات في الدولة والهدر المستشري فيها".
وقال: "في الوقت نفسه، وليس بعيدا عن الموازنة، يأتي الحديث عن نسب الفقر العالية التي بلغها لبنان، كما ورد في التقرير الصادر عن المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، الذي أشار فيه إلى أن نسبة الحرمان متزايدة في المناطق المختلفة، وأنها بلغت حتى الآن حدود الأربعين في المئة، وهي في تزايد مستمر، ما يشير إلى عقم السياسات المتبعة، والانحدار الذي وصل إليه الواقع الاجتماعي والمعيشي، والذي يخشى من تداعياته الخطيرة، ما يستدعي استنفارا من قبل كل المعنيين على المستوى الرسمي والشعبي".
وأضاف: "وإلى فلسطين، حيث يستمر الكيان الصهيوني في توجهاته العدوانية، وكانت القدس آخرها، من خلال سعيه إلى فرض ضرائب على الكنائس والممتلكات العائدة لها، في محاولة جديدة لإضعاف الوجود المسيحي في القدس، كمقدمة لمشروعه التهويدي للقدس ولفلسطين، بعد الضغوط التي مارسها على المسجد الأقصى والرابضين فيه. إننا، في هذا المجال، لا بد من أن نحيي الموقف الشجاع للكنائس المقدسية بكل تنوعاتها، بإغلاق كنيسة القيامة، كتعبير صارخ عن رفضها هذا القرار، وهو ما أجبر العدو على التراجع عن قراراته، وتعليق الإجراءات الضريبية في هذه المرحلة. ونحن ندعو إلى مزيد من التكاتف بين كل المقدسيين، بكل تنوعاتهم الدينية، للعمل معا على حماية هذه المدينة التي نريدها أن تبقى موئلا للديانتين الإسلامية والمسيحية".
وختم: "في هذا الوقت، يأتي القرار الأميركي بتحديد موعد لنقل السفارة الأميركية إلى القدس، في الذكرى السبعين للنكبة، وهو قرار يحمل طابع التحدي والاستفزاز لحقوق الشعب الفلسطيني ولمشاعر العرب والمسلمين. وهنا، ندعو العرب والمسلمين إلى أن لا يمر عليهم هذا القرار مرور الكرام، فلا بد من أن يعلنوا رفضهم له بدءا من الآن، لا أن ينتظروا الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة على تنفيذه". (۹۸۶/ع۹۴۰)