جاء ذلك خلال الكلمة التي ألقاها في حفل افتتاح المؤتمر الدوليّ حول التجديد في صناعة التاريخ وكتابته الذي تُقيمه العتبةُ العبّاسيّة المقدّسة بالتعاون مع مؤسّسة بحر العلوم الخيريّة، تحت شعار: (الحَوْزَةُ العِلْمِيَّةُ رَائِدَةُ التَّجْدِيدِ) والذي انطلقت فعاليته اليوم الخميس (26جمادى الآخرة 1439هـ) الموافق لـ(15آذار 2018م) ويستمرّ ليومين.
مضيفاً: "يمثّل التأريخ بصورة عامّة استنباط حركة الإنسان على هذه الأرض وما رافقتها من حوادث اختياريّة تارة وغير اختيارية تارة أخرى، فهو تجميع لهذه الحوادث ووضعها تحت أنظار الحاضرين أو فقلْ هي إطلالة من شرفة الحاضر الى آثار الماضي الثقافيّة والفكريّة والعمرانيّة والشخصيّة وبشكلٍ متسلسل".
وأضاف: "لعلّ هذه الحوادث تختلف اختلافاً كثيراً شكلاً ومضموناً، فقد تجد بعض الأحداث اليوميّة الساذجة التي لا تمثّل إلّا حالة شخصيّة ولا تمثّل قيمة وراء هذه الحالة، وفي المقابل قد تجد أحداثاً كبيرة ولدت وأنتجت تحوّلات هائلة في حياة مجتمع كامل كالحركات الدؤوبة التي نهض بها الأنبياء والمصلحون والعلماء، أو الاكتشافات العلميّة التي غيّرت نمط التعايش أو الحروب المدمّرة التي طحنت الملايين من البشر، أو تلك الحوادث التاريخيّة التي تأسّست على ضوء مجرياتها عقائد وأفكار وترتّب عليها ما ترتّب من هذه المفردة الأخيرة".
وتابع السيّد الصافي: "تاريخنا الإسلامي واقعاً مشحون بمشاكل جمّة، وعندما نتصفّح التاريخ نجد أنّ بعض الحوادث التاريخية كانت شديدة بحيث هزّت الأمّة في وقتها وتكرّرت هذه الحوادث، وهذه الحوادث كانت تمثّل وجهة نظر شخصيّة ثمّ تطوّرت وأصبحت تمثّل عقيدة وهذه مشكلة تاريخيّة، قراءة التاريخ بشكلٍ جيّد كما سنرى إن شاء الله تعالى في مؤتمرنا، هناك فقرات من تأريخ لابدّ أن نقف عندها فهي ليست مجرّد للأنس وليست مجرّد قصص وإنّما تلك قصص لابدّ أن تكون فيها عبرة".
مبيّناً: "ليس كلّ حادث تاريخي لابدّ أن نمرّ عليه مروراً سريعاً، بل بعض الأحداث التاريخية أنتجت ما أنتجت -وسنتحدّث- سلباً أم إيجاباً، لكن المهمّ أنّ الأحداث التاريخيّة قد ولّدت رؤى عقائديّة لها أثر على حياتنا العامّة بشكلٍ أو بآخر، ولا شكّ أنّ فرز الحقائق عن غيرها وفرز الصدق عن الكذب إزاء هذا التراكم التاريخي من حوادث جمّة هو ليس بالأمر المتيسّر إن لم يكن متعثّراً، خصوصاً عندما لا نرى أيّ نصّ في بعض أزمان السلسلة التاريخيّة أو تغييب الموضوعيّة في نصوص أخرى كما نشاهد في بعض الموسوعات التاريخيّة".
وأشار السيّد الصافي: "كان العراق وكانت النجف لما لهذه القطعة جغرافيّاً مهمّاً من أثر تاريخيّ عميق ودقيق في مجريات أمور في غاية الأهمّية من نواحٍ عقائديّة وفكريّة وسياسيّة وأدبيّة، وكانت هذه المحاولة التي تبنّتها العتبة العبّاسية مع مؤسّسة بحر العلوم في صناعة التاريخ وكتابته لا تعدو أن تكون خطوة في بداية الطريق لرسم صورة غير مشوّشة قدر الإمكان، بل إنّ النظر في التاريخ أمرٌ رغّب اليه الشرع المقدّس، يقول أمير المؤمنين(سلام الله عليه) في وصيّته لولده الإمام الحسن: (أحيِ قلبك للموعظة وأمتْه للزهادة...) الى أن يقول: (واعرض عليه أخبار الماضين وذكره بما أصاب من كان قبلك من الأوّلين وسر في ديارهم وآثارهم...) الى آخر كلامه (سلام الله وصلواته عليه)".
مضيفاً: "نحن على أعتاب بحوث ورؤى وأفكار جادت بها أقلام الإخوة الحاضرين، سائلين الله تبارك وتعالى أن يوفّق الجميع وأن يكون هذا المؤتمر باكورةً لمؤتمرات قادمة تُثني على هذه المدينة الكبيرة والعريقة". (۹۸۶/ع۹۴۰)