"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستهدي بهدى الإمام زين العابدين؛ هذا الإمام الذي نستعيد ذكرى ولادته في الخامس من شهر شعبان، فقد ورد عن أحد أصحابه أنه قال: "رأيته يطوف من العشاء إلى سحر ويتعبد، فلما لم ير أحدا رمق السماء بطرفه وقال: "إلهي غارت نجوم سماواتك، وهجعت عيون أنامك، وأبوابك مفتحات للسائلين، جئتك لتغفر لي وترحمني، فواسوأتاه غدا من الوقوف بين يديك، إذا قيل للمخفين جوزوا، وللمثقلين حطوا، أمع المخفين أجوز، أم مع المثقلين أحط، ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي ولم أتب، أما آن لي أن أستحي من ربي".
ثم بكى وأنشأ يقول: "أتحرقني بالنار يا غاية المنى، فأين رجائي ثم أين محبتي"، ثم بكى وقال: "سبحانك تعصى كأنك لا ترى، وتحلم كأنك لم تعص، تتودد إلى خلقك بحسن الصنيع، كأن بك الحاجة إليهم وأنت يا سيدي الغني عنهم". ثم خر إلى الأرض ساجدا، فدنوت منه، فقلت له: يا ابن رسول الله، ما هذا الجزع والفزع؟! ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا ونحن عاصون جانون. أبوك الحسين بن علي، وأمك فاطمة الزهراء، وجدك رسول الله (ص)، فالتفت إلي، وقال: "دع عني حديث أبي وأمي وجدي، خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن ولو كان عبدا حبشيا، وخلق النار لمن عصاه ولو كان ولدا قرشيا، أما سمعت قوله تعالى: "فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون". والله، لا ينفعك غدا إلا تقدمة تقدمها من عمل صالح. فلنتكل، إذا، على أعمالنا وعلى علاقتنا بربنا، لننجو ونصبح أكثر وعيا وقدرة على مواجهة التحديات".
وتابع فضل الله: "البداية من لبنان، الذي بات على مقربة من موعد الاستحقاق الانتخابي. ومع الأسف، كلما اقترب موعد هذا الاستحقاق ارتفعت وتيرة الحدة في الخطاب السياسي، وتصاعد التحريض الطائفي والمذهبي والعشائري والعائلي، وتواصلت سياسة تخويف اللبنانيين من بعضهم البعض والتحريض على هذا الفريق أو ذاك، بادعاء حماية المنطقة أو الطائفة أو المذهب أو الوطن أو العروبة، وهي ادعاءات يسقط من مصداقيتها أنها تنطلق من مواقع فئوية لا وطنية. ومن الطبيعي أن يساهم ذلك بتوترات رأينا بعض مشاهدها على الشاشات أو في مواقع التواصل الاجتماعي، ولمسنا ونلمس آثارها على الأرض، ونخشى أن نرى أكثر من ذلك".
وقال: "من هنا، فإننا نعيد دعوة القوى السياسية المتنافسة إلى أن ترأف بهذا البلد، وتتدبر عواقب هذا الخطاب ونتائجه، فلا ينبغي، ومن أجل الوصول إلى موقع هنا أو هناك، أن يحرق البلد أو يهدد استقراره. إننا نريد لهذه القوى التي تمثل أديانا ومذاهب بحسب التقسيم الطائفي، والتي تعد القيم الروحية والأخلاقية عمادها، أن ترتقي بخطابها إلى ما تمثل، وأن لا تحول الانتخابات إلى لعنة، في الوقت الذي نريدها حلا".
أضاف: "إننا نقول لكل هؤلاء، إن هذا الخطاب لن يفيد مطلقيه، وهو يضرهم ويقدم صورة سلبية عن أدائهم السياسي، فلا يمكن أن نبني وطنا يؤتمن عليه من يحمل هذا الخطاب، ويتعامل مع منافسيه بهذه الحدة والعنف، ويرفض الآخر الذي يتشارك معه في الوطن.
إن لبنان الذي نطمح له ويطمح له اللبنانيون، لا يبنى بمثل هذا الخطاب السياسي أو بالوعود البراقة والكلام المعسول، بل من خلال التاريخ النظيف والخطاب العقلاني والمشاريع الواقعية لأزمات البلد المستعصية".
وأردف: "في هذا الوقت، نريد من الدولة والمسؤولين فيها أن يسارعوا إلى معالجة الأزمات التي تعصف بالبلد، وأن لا يكونوا في إجازة خلال الانتخابات، فمطالب الناس لا يمكن أن تنتظر إلى ما بعد الانتخابات، ومن واجب السلطة تسيير أمور الناس وتيسيرها، سواء منها مطالب أساتذة الجامعة، أو أزمة القروض السكنية لحل مشكلة ذوي الدخل المحدود، أو الأزمات الأخرى من الكهرباء والماء، والكثير من الأمور التي تنتظر حلا".
من جهة ثانية، قال فضل الله: "نصل إلى سوريا، التي تعرضت لهجمة دولية في الأسبوع الفائت، بحجة استخدام السلاح الكيماوي. هذه الهجمة استبقت التحقيق الدولي المطلوب، وأعطت دليلا إضافيا على مدى استهانة هذه الدول بسيادة هذا البلد واستقراره وأمنه وقدراته. ومن المؤسف أن يكون هناك قوى سياسية معارضة أو دول عربية صفقت لهذا العدوان، وتمنت لو أنه كان أقسى وأقوى، وكأن الدول الكبرى جمعية خيرية تقدم خدمات مجانية لصالحهم أو لطموحاتهم!".
اضاف: "إن على الشعب السوري بكل أطيافه أن يدرك أن خياره الوحيد هو رص صفوفه في مواجهة المشاريع التي تريد الإطباق عليه وتجعله موقعا لتقاسم النفوذ في ما بينه.
وسنبقى نرى أن الحل في سوريا بيد السوريين، رغم تعقيداته، فهم قادرون بوحدتهم على أن ينتزعوه من اللاعبين بمصيرهم، وبأن لا يسمحوا لأحد بأن يجعلهم ممرا لمصالحه وطموحاته في هذه المنطقة من العالم أو لتصفية الحسابات أو للتنفيس عن الأحقاد.
وإلى فلسطين التي نستعيد ذكرى يوم أسراها؛ هذه الذكرى التي مرت علينا قبل أيام في 17 نيسان، وهي واحدة من أكبر المآسي في عصرنا الحاضر، ولم نجد لها حلا حتى الآن في قاموس من يتحدثون عن حقوق الإنسان، وحتى على الصعيد العربي والإسلامي".
وأهاب "بالشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم أن يرفعوا الصوت في وجه السجان الصهيوني، وألا يتخلوا عن دعم قضية الأسرى، كما عن دعم الشعب الفلسطيني، الذي قدم ويقدم أغلى التضحيات، ولم يوفر جهدا في مواجهة العدو الصهيوني. ونحن هنا، نشد على أيدي الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية وفي الأراضي المحتلة قبل العام 1948، وندعوهم إلى أن يتابعوا مسيراتهم الشعبية السلمية التي أربكت العدو الصهيوني، وسوف تضطره عاجلا وآجلا إلى التراجع وتقديم التنازلات لحساب الشعب الفلسطيني". (۹۸۶/ع۹۴۰)