جاء فيها:
"بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وسيد المرسلين، وآله وصحبه اجمعين، إلى يوم الدين.
إنه شهر الخير والهدى والبر. شهر النور الذين أضاء القلوب وأحياها بتوحيد الله وذكره، والسعي الدؤوب في سبل طاعته، والاقتداء بأخلاق نبيه صلى الله عليه وسلم وقد وصفته الآية الكريمة من سورة القلم وإنك لعلى خلق عظيم، "وهو ما اشتمل عليه القرآن من مكارم الأخلاق، فقد كان امتثال القرآن سجية له يأتمر بأمره، وينتهي عما ينهى عنه" كما ورد في التفسير. هو شهر القرآن الكريم، الكتاب الموصوف بأنه "روح من أمر الله"، و"برهان منه"، و"موعظة وشفاء لما في الصدور وهدًى ورحمة" هذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون (الأنعام 155). وما الصوم في الشهر المبارك التي أنزلت فيه النعمة الخالدة إلا وسيلة تعين المؤمن على تهذيب الجسم وجوارحه، وعلى رقة نفسه تجاه الحق، والتعاطف مع الآخرين ببذل الصدقات وأعمال البر، فيتقرب بحركة قلبه نحو فسيح المعاني الربانية، وبتوفيق الله تعالى ورحمته فإنه يستشعر الرضى والغبطة بالطاعة ما لا يعادلها من كنوز الدنيا شيء على الإطلاق. وثمرة الخير في الإسلام العظيم هي ثمرة تسمو بها الذات إلى معراج الحقيقة، لكنها أيضا لا بد منعكسة في الناس، بين الأهل وفي المجتمع، وبقدر ما يكون العبد صادقا مخلصا نزيها متواضعا في مسالك ديانته، فإنه بالقدر عينه يكون نافعا للناس، عاملا بينهم بكل ما فيه صلاح ونفع وفضل وإحسان في مجتمعه، وبالتالي في وطنه وأمته بقدر ما تسمو همته إلى منازل رفيعة عند الله عز وجل.
ها هي الفرصة مجددا تأتي لبلدنا، بعد استحقاقات كبرى، لندخل في مرحلة متجددة. إن كل عاقل يدرك، بل يتيقن، بعد انجاز الاستحقاق الانتخابي، إنه ما من أي مسوغ، ولا من أي سبب، يمكن أن يعيدنا إلى الوراء لجهة الانقسامات السياسية التي أعاقت الكثير من حركة النهوض بالدولة ومؤسساتها إلى ما ينتظره الشعب منها من إصلاحات إدارية، وحلول لكل قطاعات الخدمات، والدفع بالاقتصاد إلى حركة مؤشر متصاعدة، واستدراك معضلة الدين العام باجتراح الحلول التي لا بد يدركها أصحاب الخبرة والاختصاص ورجال الدولة المنكبين على إنجاز ما وعدوا به منتخبيهم. إن صوت الشعب وازن بين كل الفئات، ولا بد من حفظ هذه القاعدة لأنها الضمانة لنجاح العهد وتحقيق الطموحات. ولا بد من توجيه النداء إلى أهلنا وخاصة في الجبل. اقطعوا طريق الفتنة على الفور. ارتقوا بسلوككم إلى ما يليق بتاريخكم وبتراثكم وبسجاياكم الخلقية التي يضرب بها المثل. لا تنزلقوا في أي انفعال أو سجال أو استفزاز. والشهيد المظلوم له الكرامة عند رب عطوف كريم. ومطلب العدل هو مشيئة خالق الكون. وحدتنا ومواقفنا وثوابتنا هي أولى وأقوى من أي خلل هنا أو هناك. إن الكثير مما يرمى في وسائل التواصل في المستوى العام هو مشبوه، ومنه ما تأكد إنه مفبرك، والعاقل هو الحليم الرزين المميز البصير، الثابت على قواعد التوحيد ومسالكه الشريفة. والموحد يسعى في الخير والصلاح وحث النفوس على الاتحاد بقيم الشهامة والمروءة والأريحية وفضائل الأعمال. والموحد يتمسك في الأزمان الصعبة وغيرها بحس عال للمسؤولية والواجب والمبادرة الكريمة. وكلنا ثقة أن أهلنا موضع الثقة والأمانة في حفظ الأصول.
يأتي الشهر الفضيل هذا العام، فيما أحوال الأمة الإسلامية والعربية لا تزال تبعث على القلق والأسى، حيت ترتسم التحديات والأخطار الكبيرة في أفق بلادنا، ولا يوجد أي تحرك جامع لمواجهة تلك الاخطار. وها هي فلسطين تعاني وشعبها تحت وطأة الاحتلال وعدوانه الذي لا يتوقف ومحاولاته الدائمة لسلخ الأرض الفلسطينية عن هويتها وتاريخها وانتمائها، وتأتي محاولة تحويل القدس الى عاصمة للكيان الصهيوني لتشكل ضربا جديدا من ضروب التسلط والاغتصاب لحقوق الشعب الفلسطيني، الذي يبقى هو المثال الحقيقي الصامد على النضال المتواصل من أجل دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف".
نسأل الله العلي القدير أن يلهمنا إلى كل ما فيه الخير والفلاح، وأن يقدرنا على الثبات في مسالك الطاعات، وأن ينير قلوبنا بمعاني الذكر الحكيم، وأن يلطف بنا ويبارك لنا بالمسلك الذي يليق في هذا الشهر الفضيل. (۹۸۶/ع۹۴۰)