ومما جاء في خطبته السياسية:
"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نجعل من هذا الشهر شهرا نعيش فيه إنسانيتنا عندما نتحسس آلام الناس من حولنا؛ من الفقراء والمساكين والأيتام وأصحاب الديون والمكروبين والمهمومين وكل ذوي الحاجة.. وهذا ما نقرأه في دعاء كل يوم من أيام شهر رمضان: "اللهم أدخل على أهل القبور السرور، اللهم أغن كل فقير، اللهم أشبع كل جائع، اللهم اكس كل عريان، اللهم اقض دين كل مدين، اللهم فرج عن كل مكروب، اللهم رد كل غريب، اللهم فك كل أسير، اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين، اللهم اشف كل مريض، اللهم سد فقرنا بغناك، اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك، اللهم اقض عنا الدين، وأغننا من الفقر، إنك على كل شيء قدير".
اضاف: "إن من أهم القيم التي يحملنا إلينا هذا الشهر، قيمة البذل والعطاء والتحنن على من يحتاجون إلى حناننا وعطفنا ورعايتنا. ويكفي دليلا إضافيا نضيفه إلى هذا الدعاء، وجوب دفع الفدية، وهي تقديم الطعام لمسكين عن كل يوم صيام لمن لا يستطيع الصيام، وهذا يعني أن الصيام في حسابات الله يوازيه إطعام فقير أو مسكين. ومتى وعينا هذه القيمة، فإننا سنقلل كثيرا من احتياجات الناس من حولنا، ولن نضطرهم إلى أن يمدوا أيديهم إلى أحد، حتى يحصلوا على ما فيه عزتهم وكرامتهم. وبذلك نصبح أكثر قوة وقدرة على مواجهة التحديات".
وتابع: "والبداية من فلسطين، التي أظهرت فيها مسيرات العودة مدى ثبات الشعب الذي استطاع بشيوخه وأطفاله، بنسائه وشبابه، بالرضع من أبنائه، وبالمعوقين والمقعدين، أن يتحدى، وبالصدور العارية، آلة القتل الإسرائيلية. لقد أثبتت هذه الهبة الجديدة للشعب الفلسطيني أن رهان العدو على أن الأجيال الجديدة ستنسى القضية الفلسطينية، ذهب مع الريح، وأن كل قرارات العالم، وكل عسف العدو وصلافته وجبروته، لم يستطع أن ينال من شغفهم في العودة إلى أرضهم والمطالبة بحقهم في استعادة الأرض التي دنسها الاحتلال".
واكد "ان رهاننا كان وسيبقى على هؤلاء الشباب الذين عاشوا طهر القضية ولم يتلونوا، ولذلك أخلصوا لأرضهم وامتلكوا زمام المبادرة، ولن يسمحوا للأمر الواقع الذي يراد فرضه بأن يمر، وبالتالي فإن قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس لن يغير شيئا، فالأرض لأهلها ولمن هو على استعداد دائم لأن يبذل الدماء رخيصة في سبيلها".
وقال: "لقد كان لافتا أن المواقف الغربية، والأوروبية تحديدا، كان فيها من الحرارة أكثر من المواقف العربية الرسمية التي اكتفت بالإدانة الشكلية للمجزرة التي ارتكبها العدو، من دون اتخاذ القرارات الرادعة إلا متأخرا، وبعد أن بلغ السيل الزبى، ليكون بالمطالبة بتشكيل لجنة تحقيق دولية في جرائم غزة، وكأن الأمر فيه شك!
إننا نأسف لأن لا نرى في كثير من بلدان العالم العربي وغيره الحشود الشعبية التي ترفد الفلسطينيين وتؤازرهم وتدافع عنهم إلا القليل. وننوه هنا بالشعب اليمني الذي خرج، رغم كل الظروف التي يعيشها، ليعبر عن إدانته للمجازر التي جرت بحق الشعب الفلسطيني في غزة.. ولذلك، فإننا ندعو الجميع، من هيئات علمائية ونقابية ونخب وطلائع طلابية وجماهير شعبية، إلى التضامن مع هذا الشعب، وعدم تركه وحيدا، لأن خذلان هذا الشعب سيشجع العدو الصهيوني على الاستمرار بمجازره ومشروعه لإسقاط القضية الفلسطينية بالكامل".
اضاف: "إننا نرى خطرا كبيرا في السكوت في هذه المرحلة، التي يراد فيها أن يضيع مستقبل القضية الفلسطينية التي هي قضية كل إنسان عربي ومسلم ومسيحي، فيما يعرف بصفقة القرن".
وتابع: "وإلى لبنان الذي ينتظر في الأيام القليلة القادمة انطلاق عقد المجلس النيابي الجديد الذي تقع عليه مسؤولية كبيرة، لكونه المؤسسة الأولى التي نرى أنها، إن أدت الدور المطلوب، ستصلح بقية المؤسسات، وإن لم تؤد دورها، فسينعكس ذلك على مسار كل المؤسسات. ونحن إزاء هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها الوطن، حيث تعصف الأزمات في الداخل، أو في ما يجري في الخارج، والذي بدأ ينعكس على الداخل.. وقد كان آخر تجلياته في العقوبات التي فرضت على مكون أساس من مكونات هذا الوطن.. فإننا نأمل أن لا يطول الانتظار لتشكيل حكومة، كما جرت العادة في هذا البلد، وألا يدخل البلد في أزمة تقاسم الحقائب وفرض الشروط والشروط المضادة".
وأمل "أن تفضي الأجواء الإيجابية التي عبرت عنها القوى السياسية أو اللقاءات التي تجري في ما بينها، إلى تشكيل حكومة نريدها أن تكون حكومة على صورة الأحلام التي وعد بها اللبنانيون، حكومة عمل لا حكومة تسيير أعمال، حكومة متعاونة لا حكومة مناكفات وصراعات، حكومة خالية من الفساد والمفسدين، حكومة تسعى لخدمة مصالح الناس لا لمصالح مكوناتها، حكومة تنقذ البلد من أزماته وتعمل على حمايته من تطورات المنطقة، لا حكومة هي انعكاس للتوترات الحاصلة في المنطقة والعالم".
وقال: "ان اللبنانيين يتطلعون إلى كل القوى السياسية حتى تقوم بأداء جيد يعيد الثقة للناس، بعد الرسالة الواضحة التي عبر عنها اللبنانيون في صناديق الاقتراع، أو بعدم مشاركتهم الانتخابات، والتي أظهروا فيها عدم رضاهم على الأداء السياسي للكثير من هذه القوى".
وأعلن اننا "لا نريد أن نحكم سريعا على المرحلة القادمة، ولكننا نريد أن نسجل نقطة سوداء على الأداء السياسي للحكومة بعد الانتخابات، حين عادت إلى سابق عهدها في المحاصصات التي جرت في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، سواء في ما يتعلق بالتعامل مع أزمة بواخر الكهرباء أو بالأملاك البحرية أو الجامعات.. ونخشى أن تستكمل ذلك في الجلسة الأخيرة المتبقية لمجلس الوزراء".
ودعا إلى "معالجة حاسمة لما يجري من التفلت الأمني المتصاعد في البقاع، والذي هدد ويهدد حياة الناس هناك وأرزاقهم"، كما دعا "الدولة، بكل أجهزتها، إلى تحمل مسؤولياتها بعدما أمنت لها كل القوى السياسية والشعبية الغطاء الكافي للقيام بدورها في هذا المجال، وعليها أن تسارع للقيام به". وقال: "ان للبقاع حقا كبيرا على الدولة واجب القيام به، فهو كان دائما حاضرا في قضايا الوطن، وكان خزانا للجيش وللمقاومة، وسيبقى حاضرا فيها".
وعما يجري في البحرين، قال: "إننا نستغرب معاودة السلطات فيها أسلوبها الذي سبق أن استخدمته بإسقاط الجنسية عن المعارضين، حيث أسقطت هذه المرة الجنسية عن 115 بحرينيا فيما يشبه الإصرار على التعاطي مع المطالب المحقة للشعب بأسلوب الطرد ونزع الجنسية بدلا من الدخول في حوار جدي ينهي حالة اللااستقرار ويعيد للبحرين مكانتها ودورها. إننا نؤكد ضرورة التراجع عن هذا القرار ونرى في هذا التمادي في الضغط على الشعب والمعارضة، إصرارا على تصعيد الأمور وتعقيدها، مما لا يصب في مصلحة البحرين، شعبا ونظاما".
وختم: "وأخيرا، نستعيد في السابع عشر من شهر أيار، ذكرى الانتفاضة المجيدة التي انطلقت من مسجد بئر العبد، في مواجهة اتفاق السابع عشر من أيار، الذي أريد له أن يحقق أطماع إسرائيل ومصالحها، على حساب استقلال لبنان وقوته وحريته وحق اللبنانيين في أرضهم وثرواتهم. إننا في هذه المناسبة، نجدد العهد لسماحته، وهو في عليائه، على الاستمرار بهذه الروح التي عبر عنها في كل مواقفه وحركته.. وسنكون الأوفياء له في حفط النهج الذي يريد لبنان أن يكون قويا عزيزا حرا مستقلا، لا بالشعار بل بالتحقيق". (۹۸۶/ع۹۴۰)