ألقى العلامة السيد علي فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين، في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بالدعاء الذي دعا به الإمام الحسين في كربلاء حيث تذكر السيرة أنه في صبيحة اليوم العاشر صلى الحسين الصبح بأصحابه بعدها جهز صفوفهم للحرب وأناط بكل قائد منهم مهمة..وفي الطرف الآخر كان عمرو بن سعد ينظم صفوفه ويوزع المسؤوليات على رؤوس جنده..ولما نظر الحسين إلى جمعهم كأنه السيل، فيما ليس معه إلا العشرات من خلص أصحابه وأهل بيته، لم يضعفه ذلك ولم يوهن من عزيمته وإرادته..اكتفى بأن توجه إلى الله وقال: "اللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة كم من هم يضعف منه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو أنزلته بك وشكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك ففرجته وكشفته وأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة".
واضاف: "لقد عاش الإمام الحسين في كل حياته وهو يثق بالله، يثق به في أيام الشدة والبلاء كما يثق به في أيام النعم والرخاء. لم يطلب من الله أمرا يتعلق بما كان عليه، فهو لم يطلب منه نصرا أو تأييدا، بل قال له أترك الأمر لك، فأنا أثق بتدبيرك، فأنت فيك الخير ولا يصدر منك إلا الخير. وكان الله في موضع الثقة، فهذا هو الحسين وكل من معه من أصحابه وأهل بيته لا يزالون حاضرين في القلوب وفي ساحات الحياة فيما أعداؤهم أصبحوا لعنة التاريخ وسيبقون لعنة في المستقبل. بهذه الثقة أيضا نقوى ونشتد ونواجه التحديات وما أكثرها".
وتابع فضل الله: "والبداية من لبنان الذي يستمر فيه الوضع الحكومي على حاله من المراوحة، ولا جديد على هذا الصعيد بعدما عبرت كل القوى السياسية عن مواقفها واعتبر كل منها أن ما قدمه هو أقصى ما يمكن أن يقدمه في هذه المرحلة، وأن الكرة ليست في ملعبه، بل هي في ملعب الآخرين الذين يرفضون طرحه. إننا أمام هذا الواقع لا نريد أن نضع المسؤولية على أي من هذه القوى، وإن كنا نرى أن هناك من يبالغ في مطالبه، فمن حق أي من القوى السياسية أن تسعى لتعزيز موقعها في الحكومة القادمة التي يعتبرها الجميع أنها تمثل حكومة العهد والتي ستواجه استحقاقات مصيرية في المرحلة القادمة سواء على الصعيد الداخلي وما أكثر استحقاقات الداخل أو على صعيد الموقف من المحيط أو ما قد يطرح من قضايا على مستوى المنطقة".
واردف: "ولكن يبقى السؤال الذي لا بد من أن يجيب الكل عنه، إذا كانت كل القوى السياسية ستبقى على مواقفها فكيف السبيل للخروج من عنق الزجاجة، بعدما ثبت بالوقائع وبما بات لا يقبل الشك مدى التداعيات التي يتركها الفراغ الحكومي على الصعيد الاقتصادي أو المالي أو المعيشي، حيث تتعالى صرخات المواطنين على هذا الصعيد بعدما تفاقمت أزمات الماء والكهرباء والأقساط المدرسية والسكن وعدم توافر فرص العمل والخدمات، وليس بعيدا ما جرى عند أول شتاء في هذا الشهر، وأن أمر الحل هو بيد هذه القوى فلن تأتي الحلول من الخارج، فالخارج مشغول عنا بقضايا يراها أكبر من لبنان أو لا يريد ذلك لحساب الصراع الجاري في المنطقة ولبنان إحدى ساحاته".
وقال فضل الله: "إن على القوى أن تبادر إلى الخروج بصيغة حل، هذه مسؤوليتها، وهي لن تأتي إن لم يع الجميع ضرورة تقديم تنازلات متبادلة ليس فيها خاسر ويكون الرابح فيها الوطن الذي ينبغي أن يكون هدف الجميع ما دام الكل ينادي كلنا للوطن. ولا بد قبل إنهاء الملف اللبناني من التوقف عند ظاهرة لا سابق لها على الحياة السياسية اللبنانية، وهي انتقال الصراع السياسي الجاري حاليا بين القوى السياسية إلى الموظفين في الدوائر العامة. حيث راح كل فريق سياسي في الوزارة المحسوبة عليه يصفي حساباته الخاصة مع من هم محسوبون على الفريق الآخر ويتوعده بالمزيد، ممن لا ذنب لهم سوى أنهم محسوبون على هذا الفريق أو ذاك، وهذا خطير جدا، لأنه ينهي منطق الدولة ويجعل الوزارات إقطاعيات خاصة هي بعيدة عن القانون والنظام الذي ينبغي أن يحكم الجميع".
وتابع: "إن المطلوب أن يسارع الجميع لعدم استمرار ما يجري حرصا على هذا الوطن ومستقبله علاقة الطوائف بعضها ببعض".
وعن ما يجري في فلسطين المحتلة، حيث تتوالى القرارات الصادرة عن الإدارة الأميركية بحق الشعب الفلسطيني والتي لا نرى فيها إلا مزيدا من العمل لتصفية القضية الفلسطينية حيث لم يمر أسبوع على قرار إيقاف المساعدات الأميركية للأونروا حتى جاء القرار بإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، والذي نرى فيه ضغطا متصاعدا على السلطة الفلسطينية للقبول بما يعد له من صفقة القرن، قال: "إن الرد على هذه الضغوط المستمرة والمتسارعة لن يكون إلا بوحدة الشعب الفلسطيني"، داعيا "القوى الفلسطينية أن تخرج من حساباتها الخاصة ومن صراعاتها لمواجهة ما يعد للقضية الفلسطينية حيث الرهان على هذا الشعب في ظل الترهل والضعف العربي والإسلامي إذ لم تعد القضية الفلسطينية من أولى اهتماماتهم".
إننا نعتقد أن الشعب الفلسطيني بقدراته الإبداعية وبثباته يستطيع الصمود وبوحدته يملك أن يرد على كل ما يواجهه ويمنع المشاريع التي تستهدفه. لقد أظهرت مسيرات العودة وغيرها من الأساليب الجهادية والنضالية الطاقة الكامنة في هذا الشعب للرد على هذه القرارات التي تستهدف إنهاء القضية الفلسطينية بالكامل تحت عنوان "صفقة القرن" أو غيرها.. وينبغي على شعوب العالم الإسلامي ودوله أن تقف معه وتدعمه بكل الوسائل.
وفي هذا المجال لقد كنا نأمل من الجامعة العربية أن تسد كل العجز في موازنة "الأونروا"، فتؤدي الدور المطلوب منها في الحفاظ على صمود الشعب الفلسطيني في الداخل، ولكن قراراتها جاءت دون الآمال والتوقعات..
وعن سوريا قال فضل الله: "نلاحظ ارتفاع وتيرة الضغوط السياسية والإعلامية والنفسية عليه وتمركز التناقضات الدولية والإقليمية الحادة في ساحتها بما يؤدي إلى إبقائها في دائرة الاستنزاف، ويمنعها من استعادة السيطرة على بقية أراضيها، تحت عناوين متعددة"، مؤكدا "ضرورة استكمال الجهود التي بدأت لإيجاد حل لقضية إدلب بما يؤدي إلى نزع فتيل انفجار كبير في المنطقة، ويحول دون فتنة واسعة، ويبعد شبح الإرهاب وموجات القتل، على أن يأخذ بالاعتبار البعد الإنساني، لكن بما لا يؤدي إلى تبرير إبقاء الواقع على حاله وعدم عودة سوريا لعافيتها".
وعن العراق، الذي استطاع أن يخرج من القطوع الذي كان يعد له والذي كان يهدف إلى جر العراق إلى صراع داخلي حاد ومع حواره من خلال استهداف القنصلية الإيراني يودي بكل ما تحقق فيه، رأى "ان الحاجة في هذه المرحلة إلى توحيد جهود كل القوى السياسية لمنع تكرار ما جرى والعمل لإخراج العراق من أزماته، وفي هذا المجال نقف مع أي جهد يساهم في تحريك عجلة المؤسسات الدستورية من الرئاسة إلى المجلس النيابي والحكومة ليتفرغ بعدها الجميع لمواجهة الأزمات التي يعاني منها الشعب العراقي بعيدا عن الفساد والعمل إلى المحاصصة والهدر".