بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء المصطفى محمد، وآله الطاهرين.
السلام على المرسلين، وعلى الصديقين والشهداء والصالحين.
السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، الذين بذلوا مهجهم دون الحسين عليه السلام.
السلام عليكم يا زائري قبر السبط الشهيد أبي لأحرار الحسين بن علي، قتيل العبرة الساكبة، ورحمة الله وبركاته.
أيها الإخوة الكرام
يا من منّ الله تعالى عليكم بتلبية نداء السبط يوم عاشوراء حين قال: (هَلْ مِنْ ذَابٍ يَذُبُّ عَنْ حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ؟ هَلْ مِنْ مُوَحِّدٍ يَخَافُ اللَّهَ فِينَا؟ هَلْ مِنْ مُغِيثٍ يَرْجُو اللَّهَ فِي إِغَاثَتِنَا). فها أنتم تلبون ذلك النداء الحزين قائلين بقلوبكم قبل ألسنتكم: “لبيك يا حسين”.
إنكم اليوم في ضيافة الرحمن، اليس الحديث المأثور عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا عليه السلام يقول:
“مَنْ زَارَ قَبْرَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بِشَطِّ الْفُرَاتِ كَانَ كَمَنْ زَارَ اللَّهَ فَوْقَ عَرْشِهِ”.
بلى، إننا نفد على رب كريم عند زيارة مرقد ثار الله العظيم، وكلنا أمل بأن يغفر لنا الله ما تقدم من ذنوبنا وما تأخر، كلنا رجاء بأن نعود وقد طهّرنا الرب سبحانه بالتوبة ومسح على قلوبنا، فإذا بها نقية من الغل ومن الفواحش، فلا حقد، ولا حسد، ولا عصبية، ولا أهواء شيطانية.
وصايا لكل زائر
أيها الزائر الكريم..
الملايين يتوافدون على هذه البقعة التي هي روضة من رياض الجنة، ويغتسلون بماء التوبة، فإذا هم كيوم ولدتهم أمهاتهم بل هم أصفى وأنقى. ألَا تحب أنْ تكون منهم؟ بلى، إذاً إتبع الوصايا التالية:
ألف: محاسبة الذات
حاسب اليوم نفسك بنفسك، فإذا تذكرت ذنباً صدر منك قديماً أو حديثاً فاستغفر الله منه، وسوف يستغفر لك – إن شاء الله تعالى – سيد الشهداء عليه السلام، واعقد العزم على ألّا تعود لمثله.
باء: لكي لا يخرجنا الشيطان من الجنة
تذكَّر أنت اليوم في الجنة، وتذكَّر أن إبليس اخرج ابوينا من الجنة ببعض الوساوس ومنّاهما بالخلود والملك، إذاً إحذر ثم احذر أن يخرجك ذلك الشيطان من الجنة. من هنا إحذر منه حذراً شديداً، ولا تدع له إلى قلبك سبيلا، ولا تستطيع ذلك إلا بالإنتماء جدياً إلى النبي محمد صلى الله عليه وآله، والى آله والى الحسين الشهيد عليه السلام، لا يهمك كيف جئت إلى الطف وبأيّ وجه وبأيّ وزر، إنما يهمّك كيف تعود من هذه الزيارة لكي لا تعود إن شاء الله تعالى إلَّا وأنت مصبوغ بصبغة الله وباخلاق أبي عبد الله عليه السلام، كذلك واتخذ من أصحاب الحسين عليه السلام بل من أهل بيته الشهداء في أرض كربلاء قدوة وأسوة حسنة، قل في نفسك: لماذا لا أكون مثل حبيب بن مظاهر؟ مثل برير؟ بل مثل القاسم بن الحسن عليه السلام في شهامته وشجاعته؟ مثل علي الأكبر عليه السلام في تخلقه بخلق رسول الله صلى الله عليه وآله؟ ومثل أبي الفضل العباس عليه السلام في إباءه وبطولاته؟.
جيم: الهيئات الحسينية حصون المؤمنين
منذ هذه اللحظة قرر إما أن تؤسس فيما بينك وبين أصحابك الصالحين هيئة حسينية، أو تنتمي إلى بعض الهيئات المتوافرة، حيث تهذِّب معهم نفسك، وتصلح معهم شؤون دينك ودنياك، وتتعلم الشريعة ومسائلها، وتخدم وإياهم الناس خصوصاً المحرومين منهم، والله المستعان.
البنيان المرصوص
أيها الإخوة الكرام..
حينما نزور سيدنا الحسين عليه السلام، في وفود مباركة فلكي نزداد تلاحماً فيما بيننا، أو لم يقل ربنا سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذينَ يُقاتِلُونَ في سَبيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوص)، أَوَ لا نعلم أن الصف المرصوص هو الذي يحبه الله، سواء في الصلاة او الحج أو الزيارة وفي الجبهات وفي كل شعيرة، إن الإنتماء إلى الصف المرصوص حكمة الشعائر وحكمة زيارة الأربعين.
وها نحن نقدم لكم التوصيات التالية لتحققوا المزيد والمزيد من هذه الحكمة:
1- الإنتماء إلى الصف الحسيني
لابد من تنقية قلوبنا من كل غِلٍّ تجاه بعضنا البعض، لكي نخلص الولاية لله وإلى صف سيد الشهداء، إنها من ثمرات هذه الزيارة المليونية التي تتجلى فيها شعارنا عندما نخاطب سيد الشهداء عليه السلام: “إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ، وَوَلِيٌّ لِمَنْ وَالاكُمْ، وَعَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاكُم”. وبهذه الكلمة نسجل – إن شاء الله تعالى – أسماءنا في قائمة أنصار الإمام الحسين عليه السلام، والتي نرجو أن تتصل بقائمة أنصار الآخذ بثأره، الإمام الحجة المهدي عجل الله فرجه.
إنَّ صدوركم تتسع وتتسع حتى تتجاوز كل العوائق التي تفصل بين المؤمنين، من عصبية جاهلية، أو حمية عنصرية، او أضغان شيطانية، كلا إننا حسينيون أبداً ما دمنا وما دامت السماوات والأرض بإذن الله تعالى، والإمام الحسين عليه السلام، لم يفرِّق بين جون ذلك العبد الأسود، وبين حبيب بن مظاهر ذلك الصحابي العظيم، ولا بينه وبين وهب الذي كان جديد عهد بالإسلام، فكلهم كانوا في صف أنصاره.
أتظن أنه يردّنا؟ كلا إنه قَبِل توبة الحر الشهيد فهل يردّنا؟ كلا.
2- أشداء على الكفار رحماء بينهم
ونعود من زيارة السبط الشهيد عليه السلام، ونحن أقوى مما مضى، لأننا تلاحمنا وأصبحنا –كما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله -: (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُم).
نعود من كربلاء ونزداد عملاً بما أمرنا ربنا تعالى من التواصي بالحق والصبر والمرحمة، والتشاور، والتعارف، والتعاون، وسوف يكون إصلاح ذات البين شعارنا، والسلم الأهلي هدفنا، والتسامح عادتنا مع المؤمنين جميعاً.
3- الإنتماء إلى المجتمع المؤمن
إنَّ انتماء شعبنا إلى الأسر والبيوتات وإلى العشائر والحمائل قوة لابد من إبقائها وتطويرها بما ينفع ديننا ووطننا.
وإنَّ الإنتماء الى الهيئات الحسينية والى المؤسسات الدينية التي تخدم الطبقات الضعيفة، كما الإنتماء إلى المنظمات السياسية النظيفة، وإلى الأحزاب الوطنية المخلصة، كل ذلك نافع في إطار الوحدة، ومن أجل خدمة الدين والمذهب والوطن، ستكون كل هذه الإنتماءات وسيلة للقرب إلى الله سبحانه، وللتنافس البنّاء من اجل مواجهة التحديات بالتوكل على الله سبحانه.
ونقولها بكلمة واحدة: إنَّ قوتنا كما قوة أي مجتمع متقدم إنما هي في التلاحم والتعاون على البر والتقوى.
4- العراق محور الوحدة
لقد كانت ولا تزال كربلاء مهوى أفئدة العاشقين من شتى بقاع الأرض، وأصبح الشعب العراقي بسماحته وكرمه وبنور الولاية التي تتجلى فيه، أصبح مثلاً رائعاً لخدمة ضيوف الرحمن من زوار أبي عبد الله عليه السلام، طوبى لهم وألف ألف تحية لهذه الأريحية العظيمة، وهكذا فإنكم أصبحتم – يا أيها الشعب الموالي – محوراً لوحدة المؤمنين من كل قوم ومن كل بقعةٍ في الأرض، إننا نشكر الله سبحانه أنْ وفق شعبنا ليكون محور الوحدة الإيمانية بين سائر الشعوب الإسلامية.
ونسأل العلي القدير أن يوفقنا للمزيد، ولكي نتحدى باسم الله، وباسم نبيه المصطفى، وأهل بيته الكرام، وباسم السبط الشهيد، وتحت راية الإسلام، وراية الحسين، وراية أبي الفضل العباس عليهم جميعا أفضل الصلاة السلام، نتحدى كل من يريد شراً بديننا وبلادنا وشعوبنا المسلمة، أو يريد أن يفرِّق بيننا ويضرب بعض المسلمين ببعض لكي يحقق شعاره الخبيث “فرِّق تَسُد”.
المسيرة الربانية
ايها الإخوة الكرام..
إنَّ مسيرتكم العظيمة التي لا نظير لها في العالم ذات رسالة في كل اتجاه، والذين لا يأبهون برسالة هؤلاء الملايين إنهم لا يعلمون شيئا ولا يعقلون.
ألف: أمةٌ واحدة وربٌ غفور
إنَّ مسيرتنا الربانية تعلن للعالم أنَّ الأمة الإسلامية لا تزال ناهضة، وهي كما أراد لها الله سبحانه خير أمة أخرجت للناس، حيث جعلها الله تعالى شاهدة على الناس، انها الامة الوسط التي ترفع ابداً راية الكرامة والسلام والعدالة والرقي لكل البشرية، وهي لا تزال تتحدى عوامل التفرقة، ألَا ترى كيف يسعى في هذه المسيرة كل الوافدين من كل بقعةٍ في الأرض توحدهم قيم الوحي؟ بلى، انهم يعتصمون بحبل الله المتمثل في كتاب الله، وفي رسول الله، واهل بيته عليه وعليهم السلام. ألَا نسمع صيحاتهم التي تملأ الافاق وكأنها تنطلق من حنجرة واحدة: “لبيك يا حسين”؟
بلى؛ إنَّ الأخوّة الإيمانية تتجلى في هذه المسيرة الربانية، وهكذا حينما قال ربنا سبحانه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة) فهذه هي تلك الأخوّة التي تتحدى كل حواجز التفرقة، وقد قال الله سبحانه لنا جميعاً:
(إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون ).
(صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عابِدُون).
ومن يدري فلعل هذه المسيرة المتعاظمة كل عامٍ، لعلها تمهِّد ليومٍ ينادي الطالب بثأر جده الحسين الإمام المهدي عجل الله فرجه: “يَا أهْلَ العَالَمِ إنَّ جَدِّيَ الحُسَيْنَ عليه السلام قَتَلُوهُ عَطْشَاناً”، فإذا الأبرار في العالم يجتمعون إليه ليركزوا راية القسط في كل بقعةٍ من الأرض، إن شاء الله تعالى، إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.
باء: رسالتنا للمسؤولين
وهذه المسيرات العظمى، تبعث برسالة بالغة الوضوح لكل من يتصدى للمسؤولية وتقول لهم: العراق أرض المقدسات، وشعبه المؤمن مدافع عنها، وعليكم أنْ تحترموا تلك المقدسات، إننا في العراق نريد دولة الكرامة، إننا نرفض الجاهلية جملة وتفصيلاً، إننا نريد أن نعيش أعزاء فلا نخضع لإملاءات الكفار، ونريد التقدم في كل الحقول لكي يعيش ابناؤنا في الرفاه والأمن.
إننا نبحث عن دولة الوحدة التي تجمع كل أبناء العراق تحت ظلال القرآن والعترة الطاهرة، ومن دون تمييز. فخيرات العراق ليست قليلة، ولكنها بحاجة إلى أيادٍ أمينة وذات كفاءة عالية، لتصبح روافد لكل خير وللجميع.
جيم: الخلق الرفيع في المسيرة
إنَّ الخلق الرفيع لأبناء هذه المسيرة الربانية يتجلّى في التسامح والتعاون والعطاء، وفي الطهارة والنظافة، وتجنب السرف والترف، وفي المحبة بكل مظاهرها.. إنَّ هذا الخلق هو رسالتنا إلى أنفسنا في كل أيام حياتنا، بحيث تكون مسيرتنا هذه هي قدوة لنا في تعاملنا مع بعضنا دائماً في حياتنا، عسى الله أن يجعل سيد الشهداء الذي تعلَّمنا منه هذا الخلق الرفيع، كما من جده وأبيه وأمه وأخيه ومن أهل بيته وأنصاره، يجعلهم لنا شفعاء في الآخرة، وينصروننا بإذن الله تعالى، لكي نتجاوز كل الصعاب في حياتنا الخاصة والعامة، والله المستعان.