ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، إستهلها بالحديث عن ذكرى ولادة الرسول الأكرم محمد، مشيرا إلى أننا "في أسبوع النبي الأعظم، أسبوع الوحدة الإسلامية، نتحدث عن الوحدة، عن الكرامة العالمية، عن الأخوة بين البشر، وبخاصة بين المسلمين، لنقول: ما كان وحدة كان دينا لله، وما كان فرقة وتمزيقا كان من حظ الشيطان. فاتحدوا أيها المسلمون، وتراحموا وتآخوا، أوقفوا العداوات وكفوا الأذى والعدوان عن بعضكم بعضا وخصوصا عن شعب اليمن العزيز، كفانا دماء وتمزيقا وتهجيرا وخرابا لأوطاننا، كفانا تآمرا وتخاذلا وانبطاحا، كفانا مساومة على قضايانا وحقوقنا، عودوا إلى دينكم وإلى إسلامكم، جددوا العهد والوعد وأنتم في أسبوع الوحدة الإسلامية ميثاق الأخوة والوحدة، مصداقا لقوله تعالى (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس)".
ودعا اللبنانيين "في أسبوع النبي الأعظم إلى أخوة صادقة، وشراكة وطنية خالصة، على قاعدة الوطن للجميع والدولة للجميع، ومصلحة الجميع بتشكيل حكومة وطنية جامعة، همها مصلحة لبنان وشعب لبنان، بعيدا عن النكد والكيد والاستئثار".
وقال: "ليست النيات صادقة ولا المسارات السياسية صحيحة، وما يجري ما هو إلا مزيد من الدوران في حلقة تعطيل الدولة وتفريغ المؤسسات والتعامي عن معاناة الناس، بحيث أصبحت آخر هموم القوى السياسية التي تلعب بمصير البلد وتصر على استباحة ما تبقى من الدولة، وجعلها مشاعات لصالح مافيات الفساد والنفاق، والاتجار بلقمة عيش اللبنانيين، وتلويث كل ما له علاقة بأساسيات حياتهم كالماء والهواء والدواء والغذاء. نعم، سياسات كلها ملوثة لا بل لوثتها سياسة المصالح والحصص وتقسيم المغانم والانقسامات الطائفية والمذهبية التي استرهنت البلد واللبنانيين، واستحكمت بمصادرهم، باسم الديموقراطية التوافقية التي غالبا ما تشبه الصفقات بالتراضي على قاعدة العوائد والفوائد المشتركة بين أهل السلطة، فيما الفقر والحرمان والإهمال يبقى من حصة الناس، الذين ملوا الانتظار وضاقوا ذرعا من سياسة الوعود والتسويف، التي يرددها أكثر من مرجع ومسؤول، حينما يدعي ويقول سوف نحارب الفساد، سوف نلاحق الفاسدين، سوف نحاسب كل من تعدى على المال العام، سوف نؤمن الكهرباء، سوف نقوم بالإصلاح الذي أصبح حالة كقصة إبريق الزيت. إنها سياسة التسويف والغش والرياء وخداع الناس، ليس فيها شيء من الصدق ولا من الأمل، لأن ما نحن فيه فاق كل تصور وتجاوز كل ما هو منطقي ومعقول".
وشدد على أن "البلد بأسره في الدائرة الخطرة، حيث لا دولة ولا مؤسسات ولا أموال، فالخزينة فارغة والعجز في الميزانية لامس الخط الأحمر، ونسبة العاطلين عن العمل تجاوزت 35%، والهدر يقدر بالمليارات والتهرب الضريبي يساويه أو يزيده بقليل، وأما الصفقات فهي على قدم وساق، والمزاريب لا تحصى"، مشيرا الى "حديث رسول الله "خصلتان ليس فوقهما من البر شيء: الإيمان بالله، والنفع لعباد الله"، معتبرا أن "هاتين الخصلتين مفقودتان في هذا البلد، لا إيمان بالله، ولا نفع لعباده، بل نحن أمام جراد سياسي أتى على الأخضر واليابس من دون خجل، ومن دون حياء، والأهم من هذا وذاك، أنهم يدعون العفة ويناظرون فيها، وكأن المواطن المسكين هو من تسبب بالدين العام، وهو من أفلس الخزينة، وهو من عطل الكهرباء، وهو من لوث المياه، وهو من دفع لبنان إلى مرتبة الأوائل في مرض السرطان. نعم الحق على هذا المواطن الذي سكت ولا زال ساكتا على جرائم هؤلاء الحيتان الذين أطبقوا على أنفاسه، وحرموا عليه حقه في العيش الكريم، في بلد كنا نحسد عليه، فإذا به يتحول، جراء سياساتهم وخصوماتهم وانقساماتهم، إلى بلد لم يعد للعيش فيه معنى، ولا للكرامة الإنسانية والأخلاقية وجود، ويحدثونك عن الاستقلال، وعن لبنان القوي وعن التنمية وعن مؤتمرات الدعم لسيدر وغيرها. فأي استقلال هذا. وأي لبنان هذا الذي تتغنون به. وأي دعم سيأتيكم وأنتم غير قادرين على تشكيل حكومة. وأي مجتمع دولي سيصدق ما تعدون به وهو يسمع عن فسادكم وصفقاتكم وسرقاتكم وهدركم للمال العام".
وأسف لما آلت إليه أمور اللبنانيين، معتبرا أنه "قد بلغ السيل الزبى، وبات مصير البلد ومصير أبنائه في مهب الريح، طالما أنتم بهذه الذهنية، ومستمرون على هذا النهج التدميري لهذا البلد ولهذا الشعب الذي صدقكم فكذبتم عليه، ووثق بكم فطعنتموه بسكين الفقر والجوع والهجرة، تحتفلون بالاستقلال وأنتم مرتهنون، تحتفلون بالاستقلال و40% من الشعب اللبناني جوعان وتحت خط الفقر، وتحيط به النفايات من كل الجهات. الاستقلال أيها الإخوة ليس بطرد جيوش الاحتلال فحسب، بل بطرد شياطين الأنفس وتحريرها من الأنا والاستئثار، وعنجهية التسلط. وهذا ما نحتاجه نحن اليوم كي تستقيم أمور الدولة، وتنطلق عملية الاقتصاد، ويبدأ المواطن يشعر بأن الدولة موجودة، والعدالة محققة، والوطن سيد حر مستقل وبألف خير".