ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، تحدث فيها عن "قدسية الزواج في الشريعة الإسلامية"، مشيرا إلى "أنه يجب على السلطة والمجتمع والأفراد حماية الأسرة وتأمين سلامتها واستقرارها، وذلك عن طريق حماية الأخلاق والتربية والآداب العامة ومنع الفساد السياسي والأخلاقي والعاطفي، والأنماط المستفزة، لشهوة وعاطفة الرجل والمرأة معا، لأن مزيدا من إغراق المجتمع بالإثارة يعني مزيدا من الخيانة وتفكك الأسر والخلافات الزوجية والطلاق والهجر وضياع الأطفال والأجيال، وهو للأسف ما تعتمده السلطة هنا كعنوان عريض، لدرجة أن بعضهم يطرح الزواج المدني كمشروع بديل عن الزواج الديني، ولو اختياريا، فيما الغرب في طور إعلانه نهاية هذا النوع من الزواج الفاشل، الذي تشكل ضمن بيئة متفلتة وشديدة الخصومة مع شروط الأمان الأسري للزوج والزوجة، والآن يعاني بشدة من الحرية المدمرة للأسرة والشراكة الزوجية والميول الجنسية والابتزاز الغريزي وذوبان الأسرة والخيانة الهائلة، والإعلانات القذرة، والإثارة المتواصلة، والهجر والتفكك والمثلية والمساكنات، وتبادل الزوجات، والصدمات المرعبة لنتائج فحوص النسب، فضلا عن الأزمات العاطفية الطاغية وغير ذلك. كل ذلك، نتيجة هذه الثقافة، ثقافة الزواج المدني، وبيئة مجتمعه الغارق بالإباحية وبالابتزاز وضياع الأسر والأنساب".
وأكد رفضه الزواج المدني بالقول: "لأننا نعيش الأسرة أمرا مقدسا، فلن نقبل بأي صيغة أو بيئة أو ثقافة تزيد مخاطرها على الحياة الزوجية، أو تساهم في تدميرها، أو تفاقم أزمتها، ورغم ذلك فإن السلطة في هذا البلد تعمل بكل ما أوتيت من قوة لتحويل هذا البلد بأسرته وشوارعه وإعلامه ومدارسه وأنماطه الاجتماعية والأخلاقية إلى ملهى، إلى كازينو، في سياق تغريب هذا البلد وتمزيق أسرته وقتل أجياله. لدرجة أن اليوم نرى أن نسب الطلاق والخلافات الزوجية والخيانة في بلادنا تكاد تتحول إلى كارثة، وذلك حين قررت العائلة هنا أن تعيش الغرب في ثقافة أسرتها وواقع بيئتها، كل هذا فضلا عن التحرش والاغتصاب والإثارة والاستفزاز الغريزي الذي هدم أهم أسس الدفاعات الأسرية والضمانات الأخلاقية، فكانت النتيجة كارثية على الأسرة والمجتمع. هذا ما يجب أن نقرأه بوضوح، لأن مبدأ حماية الأسرة وتطويرها وتأمين مصالحها ضرورة، كما أن قراءة الإنسان في الوجود والوظائف الإنسانية والأخلاقية والأبعاد المعنوية ضرورة أكدتها تجربة الإنسان ببعد النظر عن ملته ودينه وهويته الثقافية والسياسية".
أضاف قبلان: "نحن مع التطوير أو التنظيم الحقوقي للكيان الأسري، بسعة مساحة الحقوق والشروط والمخاطر، لحقوق المرأة، للطفل، للزوجين، للأطر التي ترعى الحضانة والوصاية والضعيف من الزوجين وغير ذلك في الدفاعات الأسرية التي تعزز مبدأ "هن لباس لكم وأنتم لباس لهن"، ومبدأ "خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة"، وخصوصية "ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف"، وحقيقة "اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء" لهويتها لثقافتها لشروط عدالتها، وليس تحويل الأسرة إلى عشق محرم وملحمة غرائز برسم البيع".
وطالب وزيرة الداخلية ريا الحسن بـ"أن تقرأ جيدا وتتمعن في الهوية والتجربة والشروط، وكنه الفرق بين الصيغة ككيان للأحوال الشخصية، وبين البنية الاجتماعية للأسرة وواقع الحقوق من واقع الآثار، إذ أن مشكلتنا تكمن في فشل السلطة لا في فشل الأسرة. وعليه بالأغلب الأعم أن كل ما تعاني منه الأسرة سببه فشل مشروع السلطة لا مشروع الأسرة. ومن يقرأ الظروف الاجتماعية للخلافات الأسرية والزواج والطلاق والخصومات المختلفة، يجد أن أكثر من 80% سببه فشل السلطة بتأمين ناسها وشروط أمانهم بمختلف القطاعات، لدرجة أن بعض الأسر لا تزوج بعض بناتها عبر صفقة فحسب، بل تبيع أطفالها وأعضاءها بسبب الفقر والكوارث الاجتماعية الذي تسبب به فشل السلطة وفسادها. وعليه، المفروض بوزيرة الداخلية أن تقرأ السلطة لتقرأ واقع الأسرة، ولسنا بوارد القبول بانتحار أسري لتشريع زواج أقل ما يقال فيه أنه مهجور في الغرب بسبب أعبائه وعيوب نظرياته، فيما الزواج وفق الشريعة الإسلامية شكل بمساحة الحقوق القابلة للاشتراط عليها قدرة صلبة لمنع المخاطر أو الحؤول دونها أو التشحيل منها، ومنه تعزيز شراكة الزوجين والطفل وغير ذلك".
وتابع: "إننا ضد تشريع الزواج المدني كصيغة مرجعية اختيارية، لأن القضية كيف نكون مع إنساننا وقيمنا ومشروع وجودنا وانتمائنا، لا مع نحر إنساننا وقيمنا وطريقة عيشنا وشروط آمالنا وإيماننا".
الحكومة
وعن موضوع الحكومة اعتبر قبلان أن "اللبنانيين بكل طوائفهم ومذاهبهم ينتظرون هذه الحكومة التي نالت ثقة المجلس النيابي، ويأملون بأن تكون هذه الثقة في محلها، وعلى قدر تطلعات اللبنانيين في ما يعني الإصلاح ومكافحة الفساد، والمباشرة لإنجاز التعهدات والوعود التي وردت في البيان الوزاري، والعمل على إطلاق ورشة استنهاضية وإنقاذية من هذا الواقع المأزوم، لأن الاستمرار في المزايدات والمكايدات الفئوية يعني المزيد من الفوضى والانحدار، وهذا ما لم يعد مقبولا بأي شكل من الأشكال".
ودعا الحكومة إلى "حزم أمرها وأخذ دورها وتحمل مسؤولياتها باعتماد سياسة جريئة ونوعية، وباتخاذ كل الإجراءات والخطوات والقرارات التي تؤكد أنها حكومة "إلى العمل"، وأنها عازمة على تطبيق القوانين، وحريصة على مصالح اللبنانيين، بعيدا عن منطق التسويات والصفقات والسمسرات والزبائنيات، فالبلد كفاها نهبا وهدرا وسرقات، وأمست بمسيس الحاجة إلى رجالات دولة، لا إلى رجالات طوائف وأحزاب وتيارات، بحاجة إلى أصحاب رؤى وأهل كفاءة وذوي خبرة، يعملون وفق خطط وبرامج وخريطة طريق تؤدي إلى وقف الهدر وترشيد الإنفاق وتعزيز الإنتاج وخفض المديونية، وتأمين فرص العمل، وتحقيق المواطنة، وتفعيل الهيئات الرقابية والقضائية الحريصة على العدالة".
وختم: "لقد شبعنا تنظيرات واجتهادات وقراءات خاطئة ومرتهنة من هنا وهناك، فاللبنانيون بأغلبيتهم أصبحوا تحت خط الفقر، ومحرومين من أدنى ضرورات العيش. فلنشبك الأيدي ونتعاون على وضع كل الإمكانيات والقدرات في خدمة بلدنا ولصالح خير إنساننا!".
المصدر: الوكالة الوطنية للاعلام