قال الشيخ صالح عباس إن الأزهر الشريف يسعى دائمًا إلى تعزيزِ روابطِ التعاونِ العلميِّ والثقافيِّ مع الجانبِ الإندونيسيّ؛ بما يُسهمُ في إرساءِ تعاليمِ الإسلامِ السَّمْحَةِ، وترسيخِ الفَهمِ الحقيقيِّ للدينِ الحنيف، من أجل التصدي لهذه الشرذمةِ الشاردةِ التي تُحاولُ استقطابَ الشبابِ من هنا وهناك إلى جماعاتٍ ضالَّةٍ ومُضلِّلةٍ تتخذُ من التأويلاتِ المنحرفةِ ذريعةً لإراقةِ الدماءِ المعصومةِ في محاولةٍ بائسةٍ لشرعنةِ الإرهابِ والقتلِ والخرابِ والتدميرِ.
واستعرض وكيل الأزهر خلال كلمته جهود الأزهر لمكافحةِ الفكرِ الإرهابيِّ والتكفيريِّ عبر مساراتٍ متناغمةٍ ترتكزُ على التوظيفِ الأمثلِ للتكنولوجيا الحديثة، و التي اعتمد فيها على جيلٍ جديدٍ من خريجي الأزهرِ تم تأهيلُهم ليكونوا دعاةَ خيرٍ وسلامٍ في مصرَ والعالمِ أجمع، مشيرًا إلى مركزُ الأزهرِ العالميُّ للفتوى الإلكترونيةِ ومكافحةِ التطرفِ الذي يعد علامةً بارزةً في رصدِ كل الشبهاتِ التي تُرَّوجها هذه التنظيمات الضالة الباغيةُ ثم الردِّ عليها بالحُجَّةِ والبرهانِ والسندِ وذلك بمختلَفِ اللغاتِ، إضافةً إلى الإجابةِ العلميَّةِ الشَّافيةِ على أسئلةِ واستفساراتِ المستفتينَ.
كما عرف بالقوافلِ الدعويةِ التي تنتشرُ في مختلَفِ أنحاءِ مصر، وتنطلقُ إلى سائرِ بُلدانِ العالمِ؛ لإرساءِ دعائمِ الأخوةِ الإنسانيةِ وقيمِ السلامِ العالميِّ وركائزِ الاستقرارِ المجتمعيِّ وأسسِ التعايشِ السلميِّ، والدورِ المتعاظِمِ الذي تضطلعُ به المنظمةُ العالميةُ لخريجي الأزهرِ عبرَ فروعِها الممتدةِ بالداخلِ والخارجِ.
وأشار إلى أن المفهوم الصحيح للمواطنة قد عرفه الإمام الأكبر عندما رفضَ مصطلحَ الأقلياتِ المسلمةِ؛ باعتبارِه مصطلحًا وافدًا تُنكرُه ثقافتُنا الإسلامية، مبيننا أن مصطلح الأقليات يحملُ في طياتِه بذورَ الإحساسِ بالعُزْلَةِ والدونيَّةِ، ويُمَّهدُ الأرضَ لبذورِ الفتنِ والانشقاقِ، بل يُصادر ابتداءً على أي أقلية كثيرًا من استحقاقاتِها الدينيةِ والمَدنيةِ.
وتابع أن «بيتُ العائلةِ المصريةِ»، يعد أنموذجًا في التسامحِ الدينيِّ، حيث استهدفُ إرساءَ دعائمِ الأخوةِ الوطنيةِ بين جناحي الأمةِ، كما أن افتتاح مسجدِ «الفتاحِ العليمِ» وكنيسةِ «ميلادِ المسيح» بالعاصمةِ الإداريةِ الجديدةِ أنموذجًا مُلهِمًا يُثري الحضارةَ الإنسانيةَ، ويبعثُ برسالةِ سلامٍ للعالمِ، ترتكزُ على التآخي بين الأديانِ، وتعكسُ الأخوةَ والمودةَ المتبادَلةَ بين المصريينَ من المسلمينَ والمسيحيينَ، لافتًا إلى أنَّ جمعيةَ «نهضةِ العلماءِ» تمضي على طريقِ المواطنةِ؛ لتُترجِمَ صحيحَ الإسلامِ في أنموذجٍ آخرَ للتسامحِ الديني يُؤسسُ للتعايشِ المشتركِ والأخوةِ الوطنيةِ بين المواطنينَ الإندونيسيين.
وأوضح أن التشويهَ المتعمَّدَ لصحيحِ الإسلام ووصمَه زورًا وبهتانًا وافتراءً بالإرهاب؛ يأتي في مقدمةِ التحدياتِ التي تهددُ خيرةَ رجالِ الأمةِ وثروةَ مستقبلِها، وأنه لا يرى سبيلاً للمواجهةِ الفكريةِ وتحصينِ فلذاتِ أكبادِنا من هؤلاء المفسدين في الأرض، المحاربين للهِ ورسولِه، سوى تنسيقِ الجهودِ الدوليةِ لبناء الوعى الديني السليمِ من خلالِ تعظيمِ دورِ التعليمِ في تكوينِ العقولِ النَّيِّرةِ، بحيث تُعالِجُ المناهجُ الدراسيةُ الشبهاتِ المعاصرةَ، على النحو الذى انتهجه الأزهرُ بإقرارِ مادةِ الثقافةِ الإسلامية، إضافةً إلى تعزيزِ دورِ الأسرةِ في رعايةِ أبنائِها، مطالبًا مؤسسات المجتمع المدني الإسهامَ الفعَّالَ في هذه الجهودِ التوعويةِ.
واختتم كلمته: "نريد دعاةَ خيرٍ وسلامٍ، بناةَ حضارةٍ يُسهمون بإخلاصٍ في نهضة أوطانهم والارتقاءِ ببُلدانِهم إلى مصافِّ الدُّوَلِ المتقدمةِ؛ فلنعمل سويًا لبناء الوعي الدينيّ والوطنيّ والأخلاقيّ لدى الناشئةِ منذ نعومةِ أظفارِهم،حتى لا يكونوا فريسةً سهلةً في يدِ «خفافيشِ الظلام»، ووقودًا للدمارِ والخرابِ".
ومن المقرر أن يحضر وكيل الأزهر والوفد المرافق له حفل افتتاح فرع مركز الأزهر لتعليم اللغة العربية بإندونيسيا، ويختتم وكيل الأزهر زيارته يوم الثلاثاء بحضور مؤتمر "الوسطية" بمعهد بيت القرآن.
وتأتي هذه المشاركات في إطار الدور العالمي للأزهر الشريف باعتباره المرجعية الأكثر تأثيرًا للمسلمين في العالم، والقوة الناعمة المصرية الأوسع انتشارًا، ومنبر الفكر الوسطي المعتدل وما قدمه في هذا الشأن من فعاليات ومؤتمرات.