وتابع: "لقد كنا من السباقين بالنقد السياسي في وجه الفساد، لدرجة أن كثيرا من أهل السلطة كان يستنكف ويمتعض، ورغم ذلك لم تتحرك الموجات الشعبية والوقفات الاعتراضية في وجه الفساد، لأن الحقيقة المرة تكمن في كيانات حراكية مختلفة جرى انشاؤها لوظائف مختلفة، بسواتر مختلفة، سواء ساتر رغيف الخبز أو فرصة العمل والبطالة وغير ذلك، ورغم ذلك أكدنا على ضرورة الأخذ بصوت كل مظلوم ومحروم ومهموم ومضيع ويائس، والانتصار للشعب الذي يجري نهبه ونهب دولته ومؤسساته وموارده دون انقطاع أو شبع. لكن ليس على طريقة خروج موجات شعبية استفاقت من نومها اليوم لتتهم من وظف كل طاقاته في مواجهة الفساد السياسي والمالي والنقدي والإعلامي والاقتصادي، ثم تتهمه بالشراكة مع السلطة، رغم أنه كان عدو فساد السلطة، والصوت الصريح بانتقادها والاعتراض عليها، فيما أكثر من خرج للشارع في الأمس القريب كان شريكا في إنتاج السلطة التي يتهمونها بالفساد والنهب والسلب والمصادرة بكافة أشكالها".
واشار قبلان إلى "أن مشكلة الحراكات التي كانت بالأمس دشمة منيعة للفاسد، هي اليوم دشمة مجيرة لغيره ممن يوظفها في السواتر الاجتماعية والمطلبية، ولغايات سياسية واتهامية وهذا الأمر لم يعد خافيا على أحد، وقال: "بتعبير آخر، جماعة الحراك آخر ناس يحق لهم الاعتراض أو الانتقاد أو توجيه التهم، لأن أمسهم القريب والبعيد غارق بدعم الفساد وحيتانه بمختلف أشكال الفساد، ولا أقول ذلك لأدافع عن الحكومة والسياسات الفاسدة أو مشاريع النهب والسمسمرة والسلب والحيتان الذين حولوا البلد إلى حطام، لأننا كنا أول من تصدر الخطاب الاجتماعي والمطلبي والنقد السياسي، واستصرخنا الناس بكل مفصل وموسم وجمعة ومناسبة، لأن يتخذوا مواقف سياسية واجتماعية تمنع سقوط الدولة، ونهب إداراتها ومؤسساتها ومواردها وتقاسم وجودها، إلا أن أغلب الناس وعلى رأسهم جماعة الحراك كانوا في واد آخر، وكأنهم أموات".
وأضاف: "نحن كنا ولا زلنا ضد الفساد، وضد مصادرة الدولة، وضد الطائفية، وضد تحويل الدولة إلى مزرعة، وضد مقاسمة الدولة، وضد الميثاق الوطني الفاشل الذي قدم لنا قنبلة طائفية باسم دولة، كنا وما زلنا ضد حصر كل شيء بالباب العالي، ضد الاستثئار الذي حول وزارات وموازنات وقطاعات البلد حتى الحاجب، حولوا كل ذلك إلى كعك، كنا وما زلنا ضد مذهبة الشعب، ومذهبة الوظيفة، ومذهبة السلطات العامة، ومذهبة القضاء، ومذهبة القوى الأمنية، ومذهبة القرار السياسي المالي النقدي، ضد مذهبة الشارع، ومذهبة رغيف الخبز ووجع الشعب. كنا وما زلنا مع مشروع الدولة الضامن، مع دولة المواطنة، مع السلطة العادلة، مع السلطة التي لا تنهب ولا تصادر ولا تستأثر ولا تتقاسم رؤوس الناس، والوظيفة والموازنة والتهريب والتهرب الضريبي والمشاريع والتلزيمات والصفقات القذرة، مع دولة المؤسسات، مع الدولة المؤسسة المحصنة ضد من يحكم، مع القضاء الممنوع على السلطة الفاسدة، مع الناس كناس، مع الشعب الحر كشعب حر، بعيدا عن التمويل والجمعيات المزروعة لغايات مشبوهة، مع رفع الحصانة عن الرؤساء والوزراء والنواب والموظفين، سواء كانوا حاليين أو سابقين، مع رفع السرية المصرفية، مع إصلاح التفتيش المركزي وديوان المحاسبة، وأنظمة الرقابة والقيود النظامية على عمل الرؤساء والمؤسسات المختلفة، مع إنشاء هيئات قوية وقادرة على محاربة الفساد بكل أشكاله، مع الاعلام الوطني ضد الاعلام الموظف ككتيبة دمار شامل، وفق عقلية من يبيع ويشتري. هكذا كنا وما زلنا، كنا يوم كانت كل الناس في واد آخر وما زلنا، سوى أن البعض ولغايات غير سوية، حاول اللعب بالأولويات على طريقة سحب الشارع من شارع مطلبي إلى شارع همه التصويب على المقاومة، كند لإسرائيل والمشاريع الاحتلالية الأخرى التي تمارسها دول المحور المعادي للمقاومة ومشروع استقلال البلد".
واردف قبلان: "قلنا للجميع اربحوا لبنان واربحوا الشارع واربحوا مشروع الدولة الضامن، اربحوا الأرض على طريقة إنقاذ البلد من الفساد، بمختلف قطاعاته وأرضيته ومحسوبياته، لأن اللعب في السياسي والتوظيف بالبازار الإقليمي والدولي، والاستئجار لغايات لها علاقة بهوية لبنان، وواقعه المقاوم سيحول الحراك المطلبي إلى دشمة في مواجهة مصالح البلد والناس، وهذا ما نؤكده اليوم ونكرره، لأننا نريد صلاح البلد وإصلاح السلطة، وإعادة تكوين مشروع الدولة كدولة بلا طائفة، وقانون بمقاس المواطنة، وإلا فإن أي إصلاح سياسي دون إلغاء الطائفية السياسية هو كذب، هو كذب هو كذب، بل هو تعويم لوثن الاستبداد والسرقة والنهب واللعب بمصير شعبنا وناسنا ومشروع وجودنا".
واكد أنه "مع التطور الذي تمثل باستقالة الرئيس الحريري، البلد على حافة الانهيار، ولا يحتاج الأمر إلى مزايدات ولا إلى مجاملات، والبلد يحتاج اليوم إلى جهد وطني كبير ونوعي. نعم، جهد إجماعي جماعي على قاعدة إنقاذ البلد وليس بتحويله شوارع مذهبية وقطاع طرق، وتحويل الحراك إلى حراكات متناقضة، والساحات إلى أولويات مختلفة بخلفيات مرفوضة أمنيا ومناطقيا وغير ذلك".
وقال قبلان: "أننا الآن أمام لحظات مصيرية، والمطلوب إنقاذ البلد ومنع سقوطه في القعر، ولا بد من تسوية ما؛ التسوية ضرورة، ولا بد منها، خصوصا أننا من فترة قصيرة خرجنا من انتخابات نيابية شارك فيها الجميع بخلفية بلد طائفي، وكان بعضهم مصرا على صيغة الأرثوذكسي، الذي لو اعتمد لحول البلد إلى كنتونات ودشم ومتاريس، وفجأة أصبح البلد ليس طائفيا، والشارع صار مطلبيا والناس تريد أن تتخلص ممن انتخبتهم بالأمس القريب، وهذا ممتاز، لكن على طريقة إنقاذ مشروع الدولة وتطويره ولو على طريقة الضغط ولكن ليس على طريقة احتلال الشوارع وقطع الطرقات لأن الناس لم تعد تحتمل".
وطالب "كل القوى السياسية والمطلبية بالتفاوض القوي والسريع والنظيف لحماية البلد، ولتمكينه من حكومة وطنية إصلاحية قادرة على تحقيق المطالب الرئيسية والأساسية، والتي منها رفع الحصانة والسرية المصرفية، واسترداد المال المنهوب، وإنقاذ الاقتصاد والأسواق واليد اللبنانية العاملة، وكسر وثن الطائفية ومنع التوظيف الطائفي، والتقاسم الطائفي، وتنفيذ مشروع إنشاء هيئة محاربة الفساد بصلاحيات وآليات تمكنها من محاربة الفساد وحيتانه، وتؤسس لمرحلة انتقالية يجب أن يعبر عنها قانون انتخاب لا طائفي، وعلى طريقة لبنان دائرة انتخابية واحدة بهدف تأكيد الشراكة الوطنية وكبح الطائفية ومنعها، وأخذ الشارع إلى دعم البلد وحماية المؤسسات وإنقاذ مشروع الدولة وحماية السلم الأهلي، بعيدا عن لعبة الغرف والمال ومشاريع ضرب لبنان من الداخل".
ونبه على "ضرورة إنقاذ لبنان بسرعة، لأن وضع البلد هو الأسوأ من تاريخه، ولا يجوز لأحد أن يعيش عقدة أنا أو لا أحد، لأن لبنان لجميع أبنائه، والحرائق من حوله تضرب بجنون، لذا على الجميع المبادرة إلى اتفاق على رئيس حكومة قادر ومقبول من القوى الوطنية لتأليف حكومة طوارئ وطنية، وظيفتها الإصلاح النوعي والتاريخي، والعمل على قانون انتخاب وطني خارج القيد الطائفي، ومشروع دولة بلا رؤوس طائفية ومؤسسات وقرارات طائفية".
وتطرق قبلان إلى موضوع العراق بالقول: "لا بد أن أتوجه بالنصيحة إلى الإخوة العراقيين المبادرة بسرعة إلى إنقاذ بلدهم، لأن نار الشوارع مؤذية جدا، والبلد للجميع، ولا استقرار في بلد مؤسساته فاسدة، كما لا وطن لشعب تعاني دولته من النهب والسمسمرة والمصادرة فيما موارده هائلة وضخمة وقادرة على تحقيق مطالب الشعب وإعادة هيكلة إداراته من جديد، خصوصا أن بلداننا مفتوحة جدا على الغرف السوداء واللاعبين الخارجيين، أنقذوا بلدكم، أنقذوه وأنتم قادرون على ذلك، خلافا لوضعية لبنان الممزق طائفيا والمفتوح بقوة على الخارج، والموضوع على لائحة السقوط ماليا ونقديا إن لم تتمكن قواه الوطنية من تسوية تاريخية قوية تعيد حماية لبنان من الداخل قبل الخارج".
المصدر: الوكالة الوطنية