31 January 2020 - 16:06
رمز الخبر: 455339
پ
السيد علي فضل الله:
أكد السيد علي فضل الله على أن "فلسطين تواجه مرحلة هي الأخطر في تاريخها بعد إعلان الرئيس الأميركي ومعه رئيس وزراء العدو الصهيوني".

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

"عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله عندما قال: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين}. ومن الطبيعي أن نواجه التحديات والمشاكل والصعاب في الحياة، فهي لن تكون بالنسبة إلينا ربيعا زاهرا. وقد حدثنا الله عن ذلك عندما قال: {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}، {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}. لقد أرادنا الله أن نواجه هذه المشاكل والصعاب بالاستناد إلى سند داخلي، هو الصبر والثبات أمام الصعوبات، وعدم الاستسلام للأمر الواقع والظروف الصعبة، وإلى سند آخر هو التوجه إلى الله والوقوف بين يديه للصلاة، فالصلاة تحقق الارتباط بالله، وتخلق الطمأنينة الروحية اللازمة لمواجهة التحديات، وتشعر الإنسان بالأمان. ولذلك، كان علي، وهو تلميذ رسول الله، إذا هاله أمر قام إلى الصلاة. إننا أحوج ما نكون في ظل التوترات التي تعصف بنا إلى استلهام هذين الأمرين، لنقوى ونشتد ونصبح أكثر قدرة على مواجهة التحديات".

وقال: "البداية من فلسطين، التي تواجه مرحلة هي الأخطر في تاريخها بعد إعلان الرئيس الأميركي ومعه رئيس وزراء العدو الصهيوني، وفي حضور عدد من سفراء الدول العربية، ما سمي بصفقة القرن. ولم يكن هذا الإعلان مفاجئا، فقد انطلق مصطلح "صفقة القرن" منذ تولي الرئيس الأميركي مسؤوليته، وجاء تتويجا لخطوات أقدم عليها بإعلانه يهودية فلسطين، وأن القدس عاصمة للكيان الصهيوني، وبنقل السفارة الأميركية إليها، وإقامة مؤتمر في البحرين في حزيران الماضي بحث الشق الاقتصادي لهذه الصفقة والاعتراف بالمستوطنات. وقد جاء هذا الإعلان، ومن خلال بنوده، ليظهر، وبكل وضوح، الهدف من هذه الصفقة، وهو تمرير الفصل الأخير من فصول إنهاء القضية الفلسطينية، فقد جاء ليدعو الفلسطينيين إلى التنازل عن كل التراب الفلسطيني وعن القدس، وإلى إضفاء الصفة القانونية والشرعية على كيان العدو مقابل تقديمات مالية من جيوب المانحين، على أن يعطى الفلسطينيون دولة لا يمتلكون فيها أدنى مقومات السيادة، ولا تستجيب لطموحات هذا الشعب، وهو من قدم الغالي والنفيس من أجل حريته وحقه في العيش الكريم".

أضاف: "إن الدولة التي تقدم لهم هي دولة مقطعة الأوصال، تشكل مساحة ضئيلة من الأراضي التي احتلت في العام 1967، بعد أن أخذ منها غور الأردن والمستوطنات التي بنيت في الضفة الغربية، من دون الحديث عن احتلال القسم الأكبر من فلسطين في العام 1948، والذي بقي خارج دائرة أي تفاوض. هي دولة لا تملك حق الدفاع عن نفسها، فهي دولة منزوعة السلاح، على أن لا يسمح بعودة اللاجئين إليها، فعليهم أن يبقوا في البلدان التي احتضنتهم، وأن تكون عاصمتهم خارج القدس، فالقدس، بناء على الإعلان، هي عاصمة موحدة للكيان الصهيوني، وله كامل السيادة عليها. ولزيادة الضغط النفسي على الجانب الفلسطيني، اعتبر هذا الإعلان الفرصة الأخيرة له، وأن الإدارة الأميركية لن تدخل بعده في أية فرصة سلام".

ورأى أن "هذا الإعلان جاء ليؤكد مجددا مدى التطابق بين الإدارة الأميركية ومصلحة الكيان الصهيوني، فهو يلبي احتياجات هذا الكيان إلى الأمن والاستقرار في الداخل، ليفتح أبواب السلام له مع العالم العربي، حتى يدخل في نسيجه، وليشارك في الخطط التي ترسمها الإدارة الأميركية، الهادفة إلى العبث بهذه المنطقة ومواصلة استنزافها. وهو في ذلك استفاد من حالة الانقسام التي تشهدها الساحة الفلسطينية، والتمزق الذي يعيشه العالم العربي والإسلامي الغارق في همومه، والصراعات التي تعصف بدوله ومكوناته، والرغبة التي يبديها العديد من الدول العربية بالتطبيع مع هذا الكيان والتخفف من أعباء القضية الفلسطينية".

وقال: "نحن أمام هذا الإعلان، ندين ما جرى، ونرى أنه يمس بإنسانيتنا وديننا وقيمنا وتاريخنا وتراثنا، ويهدد مستقبلنا العربي والإسلامي، ونحن ننوه بوحدة الشعب الفلسطيني وتلاحمه في مواجهة هذه الصفقة، وندعو إلى تدعيم هذه الوحدة والثبات عليها وعدم الرضوخ أمام كل التهويلات الساعية إلى هزها والنيل منها، والإعداد لمواجهة الأعباء والضغوط التي ستترتب على هذه الصفقة. ونحن نرى أن من الطبيعي أن يواجه الشعب الفلسطيني بمثل هذه الضغوط، التي نعتقد أنه سيكون قادرا على تجاوزها، كما تجاوز الكثير من الضغوط التي واجهته في السابق".

وتوجه إلى "الشعوب العربية والإسلامية، وإلى كل الشعوب المحبة للحرية والعدالة وحقوق الإنسان، للوقوف مع هذا الشعب وإسناده وتعزيز عناصر القوة لديه"، وقال: "إننا لا نريد للمشاعر التي انطلقت، والتي عبرت عن رفض صفقة القرن، أن تنتهي وتتلاشى، بل أن تتجذر لتتحول إلى خطة مدروسة وحكيمة لكيفية التعامل مع هذه المرحلة".

وتابع: "نقول في الوقت نفسه لكل القيادات الرسمية في العالم العربي والإسلامي، وخصوصا أولئك الذين يستعجلون تقديم التنازلات: لقد جربتم كل أنواع التنازلات، وها هو العدو يدعوكم إلى المزيد، وسيدعوكم إلى ما هو أكثر. أوقفوا هذه التنازلات، وجربوا لمرة واحدة أن تقفوا موقف الرافض للإذلال والقهر، وأن تطلقوا كلمة لا في مواجهته، أو أن تذيقوه ما يخشاه من بأسكم الذي سيضطره إلى الرضوخ في نهاية المطاف، فأنتم لستم ضعفاء إن أحسنتم استخدام مواقع قوتكم وتوحدت جهودكم. سنبقى نثق بقدرة الشعب الفلسطيني وبما لديه من عمق عربي وإسلامي، وبما يمتلكه من حق ومشروعية إسلامية وإنسانية ترسخه وتثبته القوانين الدولية، لإسقاط كل المخططات التي تستهدف تصفية حقوقه وإنهاء قضيته".

وقال: "بالانتقال إلى لبنان، الذي عليه أن يعد نفسه لمواجهة تداعيات ما سيجري بعد الإعلان عن صفقة القرن، بعد هذا الإجماع على مخاطرها، والإعلان عن رفض التوطين، الذي يمثل أحد أهداف هذه الصفقة، وندعو الجميع إلى مزيد من العمل لتثبيت الأرض، حتى يكون البلد قادرا على مواجهة التحديات. ومن هنا، ندعو الحكومة إلى أن تستعجل الخطى في البيان الوزاري الذي لا بد من أن يركز على رسم خريطة طريق لمواجهة الوضعين المالي والاقتصادي، من خلال رؤية واضحة ترسو على قواعد علمية وجدية، وأن يلمس المواطنون أن ثمة إنجازات تحققت في الفترة القريبة، من شأنها أن تزرع نوعا من الثقة والأمل في النفوس التواقة إلى رؤية بدايات حلول الأزمة".

واعتبر أن "هذا يتطلب خريطة طريق مغايرة للعقلية المالية والاقتصادية التي أنتجت هذا الانهيار الذي نعيش في هذه الأيام تداعياته الخطيرة. كما يتطلب أن يحمل البيان الوزاري إشارات واضحة في ما يتعلق باستقلالية القضاء، كعنوان أساسي يؤكد جدية الحكومة في الإصلاح ومكافحة الفساد.

المصدر: وكالة الوطنية

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.