أکد السید علی فضل الله فی خطبة صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامین الحسنین فی حارة حریک، "أننا استعدنا فی الثالث عشر من شهر نیسان، ذکرى مرور أربعین سنة على بدایة الحرب الأهلیَّة اللبنانیَّة الَّتی استمرَّت خمس عشرة سنة"، معتبراً أن" هذه الذکرى الّتی لا نزال نعانی آثارها ونتائجها فی واقعنا الاجتماعیّ والاقتصادیّ والسیاسیّ".
وأشار الى "أننا لا نرید أن نستعید هذه المناسبة لنذکِّر بالصّور الألیمة، وبکلّ ما جرى فی تلک المرحلة من مآسٍ، فهذا لا یجدی نفعاً، ولا ینتج سوى المزید من الأحقاد والضغائن الَّتی نحن بأمسّ الحاجة إلى نسیانها"، مشدداً على "اننا نرید استعادة هذه الذکرى للتعلّم من دروسها وعبرها والتمعّن فیها، کی لا تتکرّر، ولا سیّما أنّ کلّ الأجواء، مع الأسف، مهیّئة لتجدّدها، وإن بأشکال أخرى وعناوین مختلفة، وقد نرى البعض متحمّساً لعودتها، ویتمنّى لو تحدث مجدّداً".
وأوضح ان الاحتقان الطّائفیّ والمذهبیّ والانقسام السّیاسیّ، لا یزال موجوداً وبقوّة، وربما أقوى مما کان، والتّدخلات الخارجیّة لا تزال حاضرة، فلکلّ فریق مرجعیّته الخارجیّة، ولکلّ طائفة دولة تستند إلیها لتقوّی موقعها بین الطَّوائف الأخرى، بل باتت التدخّلات أکثر، وتصل إلى التّفاصیل، معتبراً أنه لیس هناک دولة فاعلة تمتلک قرارها والأمر بیدها، بل هناک دولة الحساسیّات والمحاصصة، دولة تجمع الطّوائف والمذاهب والمواقع السیاسیّة، دولة تستطیع أن تبقى بلا رئیس، أو بلا مجلس نیابیّ، أو حتى یمکنها أن تدبّر أمورها بلا مجلس وزراء، لولا بعض الشَّکلیات.
ورأى فضل الله "أنّنا لم ننته من الحرب، فهناک حرب باردة یخشى أن تتحوَّل فی أیّ وقت إلى حرب حارة"، مشیراً الى انه صحیح أنَّ حکمة بعض اللبنانیّین ووعیهم، کان لهما دور فی منع الفوضى والانفجار، ولکن ذلک لیس السَّبب الأساس، فالأمر یعود إلى قرار دولیّ إقلیمیّ حاسم، من الَّذین یملکون قرار عدم تفجیر السّاحة اللبنانیَّة وتهدئتها.
وأکد عدم جدوى الحروب الداخلیَّة، فهی لا تنتج سوى الدمار والخراب، مشیراً الى انه إذا کان هناک من مکاسب، لأنَّ البعض یتحدَّث عن مکاسب حصلت فی لبنان من خلال اتفاق الطائف، فهی لیست بمستوى ما ولَّدته هذه الحروب من ضحایا ودمار ومفقودین لم یعرف مصیرهم إلى الآن، لافتاً الى ان أکثر ما تصل إلیه هذه الحروب، هو تسویة تقوم على قاعدة اللاغالب واللامغلوب، وهذا ما حصل فی لبنان، وأیّ تسویة فی الداخل على أساس الغالب، هی مشروع لحرب جدیدة.
وأوضح فضل الله أن اللبنانیین تأکدوا وبعدما ذهبت حمى الحرب، وبدت نتائجها وأهدافها، کم کانوا انفعالیّین عندما استکانوا لمنطق من راح یثیر مخاوف الطوائف والمذاهب من بعضها البعض، لافتاً الى ان الفتنة حصلت وتقاتل الجمیع تحت عناوین وطنیة، ولکنَّ الأهداف کانت طائفیَّة، والمحفّز فیها کان طائفیّاً، وانتهت الحرب لیتبیَّن للجمیع أنَّها لم تکن لحساب المسلمین، ولسواد عیون المسیحیین، بل کانت على حسابهم جمیعاً.
واعتبر ان الدَّول الکبرى والخارجیَّة غالباً لا تأخذ فی الحسبان مصالح الطّوائف والمذاهب والمواقع السیاسیَّة، بل تریدهم معبراً لمصالحها، فهذه الدول تقدّم الدّعم لهم، عندما ترى لها مصلحة فی ذلک، وتمتنع عنه عندما تتبدّل مصالحها وتصبح فی موقع آخر، مشیراً الى ان الدّول الکبرى وغیر الکبرى، لیست جمعیَّة خیریَّة هدفها الحفاظ على مصالح الآخرین، بل هی تدفع المال لتملک قراراً تریده لحسابها.