25 February 2010 - 13:17
رمز الخبر: 1799
پ
العلامة فضل الله فی نداء الى العرب والمسلمین فی ذکرى مولد الرسول:
الإثارات المذهبیة تحقق أهداف العدو التدمیریة بعد فشله فی حربه مع المقاومة

وجه العلامة المرجع، السید محمد حسین فضل الله، نداء إلى العرب والمسلمین لمناسبة مولد الرسول الأکرم(ص)، جاء فیه:" یختلف المسلمون، تبعا للروایات، فی تاریخ ولادة النبی محمد(ص)، بین 12 ربیع الأول الذی یأخذ به مشهور المسلمین السنة وبعض المسلمین الشیعة، و17 ربیع الأول الذی یأخذ به مشهور المسلمین الشیعة وربما غیرهم.وهذا الاختلاف یعکس التنوع فی الدائرة الإسلامیة، سواء فی منهج الاجتهاد، أو فی التحقیق التاریخی، أو فی المفردات العلمیة التی یراها البعض کافیة لإثبات موضوع أو فکرة ما لا یراها الآخر کذلک. وهذا الأمر جزء من حرکة الاختلاف البشریة التی لم یخل منها دین أو مذهب أو اتجاه. إلا أن ما ینبغی تأکیده، هو أن ارتباطنا بالرسول هو ارتباط بالرسالة، وعلاقتنا به کمسلمین یؤکدها الإسلام الذی ولد مع بعثة النبی وحرکته التی خاض فیها الصراع، وواجه فیها التحدیات المتنوعة التی أرادت للإنسان أن یبقى فی وحول الشرک، وجمود الصنم، وضیق الأفق، والبعد عن الفطرة، ومجانبة الأخلاق والقیم..." .
اضاف:" ولذلک نجد أن القرآن الکریم عرض للأنبیاء فی رسالاتهم وتجاربهم التی تمثل القدوة لنا فی مدى التاریخ، ولم یهتم بذکر ولاداتهم، أو خصوصیات شخصیاتهم فی ذواتهم البشریة؛ لأنه لا یرید من الإنسان المؤمن أن یستغرق فی خصوصیة الشخص بعیدا عن الرسالة، بل أن یستغرق فی مفردات الرسالة التی تعکسها الشخصیة القدوة والنموذج. وأما اهتمامه بولادة النبی موسى وعیسى(ع)، فلأجل اتصالهما بحرکیة الرسالة وبعض مضامینها، ولیس من جهة العناصر الذاتیة الشخصیة فی هذا المجال". ولذلک لا یهمنا کثیرا تاریخ الولادة، وربما لا یهمنا التاریخ کله فی خصوصیاته الزمانیة قیاسا بعناصر القدوة والعبرة، بل یهمنا القول الذی ینطلق به لسان الرسول وحیا أو فکرا یغنی الحیاة وتجاربها، ویوجه مسیرة البشریة نحو خطوط الضوء، ویعنینا الفعل الذی یجسد فیه الرسول معنى القیمة الرسالیة، وتهمنا أحداث التاریخ بما تختزنه من نقاط عبرة توجه الحاضر وتحتضن المسیرة فی خط سیرها التصاعدی فی الحیاة وإلى الله عز وجل. وفی کل الأحوال، فلا ینبغی أن یکون الاختلاف على تاریخ مولد الرسول اختلافا على قیم الرسالة، لأن هذه القیم تمثل عنوان وحدة المسلمین، کما کان الرسول نفسه عنوان وحدتهم، ولنجتمع الیوم على تعریف العالم بنبینا محمد(ص)، الذی کان قرآنا ینطق، ورحمة للعالمین، وروحا تتجسد، وقیما تتحرک...". واضاف النداء :نؤکد عدة قضایا: أولا: إن الوحدة الإسلامیة لیست خیارا تملک أن تختاره أو تترکه، بل هی منهج یرتکز إلى الروح الإیجابیة التی یرید الله للإنسان المسلم أن یبنی من خلالها الحیاة مع الآخر، من حیث رصد کل النقاط المشترکة بین المسلمین، لینطلق التنوع فی خط تعزیز عناصر القوة فی المجتمع الإسلامی. وهو ما من شأنه أن یشد أواصر المسلمین وقد اجتمع علیهم العالم کله، لأننا نعیش فی عالم هو ضد القیم والأخلاق، وینطلق مع المصالح الذاتیة والمنافع الشخصیة، والإسلام قد أتى محررا للانسان من عبودیته، وحتى من لذاته، فی أهوائها وغرائزها وشهواتها، لیرتقی من موقع حریته أمام العالم کله، کما أمام نفسه، ولیفرض هو الواقع على الصورة التی یریدها الله تعالى للحیاة".
وتابع:" وهذه الوحدة الإسلامیة مستهدفة فی هذه الأیام من زاویتین: الأولى: ما تخطط له محاور الاستکبار العالمی على مستوى استکمال مشروعها للسیطرة على المواقع الاستراتیجیة فی الأمة، والتحکم ـ من خلالها ـ بثرواتها ومقدراتها، والضغط على حرکتها السیاسیة. الثانیة: الحرب الإعلامیة والنفسیة التی تستهدف إثارة هذا الطرف فی الأمة ضد الآخر، من خلال إیهام البعض بأنه مهدد من قبل البعض الآخر، کما ترمی إلى تعزیز عناصر الإثارة المذهبیة التی تخرج الواقع الإسلامی عن عقلانیته إلى انفعال الغریزة العصبیة التی قال فیها النبی محمد(ص): "لیس منا من دعا إلى عصبیة، ولیس منا من قاتل على عصبیة، ولیس منا من مات على عصبیة"، وقال: "من تعصب أو تعصب له فقد خلع ربقة الإیمان من عنقه".
ثانیا: لا بد من مواجهة فکر التکفیر فی الأمة، وهو ما کان وصیة رسول الله(ص) فی آخر حیاته، حین قال: "... فإن الله تبارک وتعالى قد حرم دماءکم وأموالکم وأعراضکم إلا بحقها کحرمة یومکم هذا، فی بلدکم هذا، فی شهرکم هذا... ویلکم لا ترجعن بعدی کفارا یضرب بعضکم رقاب بعض"، والله تعالى یخاطبنا جمیعا: {فإن تنازعتم فی شیء فردوه إلى الله والرسول}[النساء:59]، لیکون الحوار أساسا فی إدارة اختلافاتنا، ولنرجع إلى کتاب الله وسنة نبیه فیما نختلف فیه، لیفهم أحدنا الآخر، أو لیعذر بعضنا بعضا فیما نختلف فیه من اجتهادات فی فهم القرآن والسنة.
ثالثا: إن علینا أن نطلق الصورة المشرقة لنبینا(ص) إلى العالم کله، من أجل أن یتعرف العالم حقیقة هذه الشخصیة التی تمثل الرحمة کلها، والفکر کله، والغنى کله، والروح کله... باللغة التی یفهمها الناس فی هذا العصر. وهذه مسؤولیة لا بد من أن ینطلق بها جمیع المسلمین، بدلا من التلهی بخلافات هامشیة لا معنى لها هنا وهناک.
رابعا: إن على المسؤولین عن إدارة العالم الإسلامی، فی دوله وجهاته، أن ینطلقوا بعیدا عن السیاسات التی تجعل الأمة مزقا متناثرة وعرضة لنهب الطامعین والمستکبرین، وتعمل على تحویل وجهة الصراع من صراع مع العدو الصهیونی إلى صراع بین الإخوة، تحت دعایات إعلامیة ونفسیة یعززها الاستکبار العالمی فی جسم الأمة.
خامسا: لا بد من أن ینطلق المسلمون یدا واحدة لمواجهة الاستکبار العالمی الذی یرید فرض هیمنته على الواقع الإسلامی، من أفغانستان، إلى العراق، إلى الصومال والسودان، إلى إیران... والذی یطلق العنان فی خططه الاستکباریة لکیان العدو لیأخذ حریته فی التهدید والإعداد للعدوان على الأمة، التی إذا أصیب منها ثغر أصیب کیانها بأجمعه. وإننا نحذر من أن العدو الصهیونی الذی فشل فی حربه المباشرة مع المقاومة، فی لبنان وفلسطین وغیرهما، بدأ یراهن على تحقیق أهدافه التدمیریة من خلال ما یقدم له البعض من فرص متعددة فی الإثارات المذهبیة التی تتحرک فیها مواقع إعلامیة، وتثیرها مراکز دراسات متخصصة، وتنطلق بها شخصیات إسلامیة لم تسعفها رؤیتها فی رصد حرکة الأعداء وطموحات الآخرین الذین یتطلعون إلى تقویض الأمة من داخلها.
سادسا: نرید للجمیع أن یؤکدوا حق الأمة فی حمایة نفسها من جمیع الجهات، من خلال امتلاکها عناصر القوة الذاتیة التی تصون عزتها وکرامتها ومستقبل أجیالها، وتمنع الآخرین من الاعتداء علیها ساعة یشاؤون.. ونرید لکل الأحرار فی الأمة أن ینظروا إلى المواقع الإسلامیة التی امتلکت عناصر قوة جدیدة نظرة منفتحة واعیة، لیعتبروا أن هذه القوة قوة لهم فی حرکتهم ضد أعداء الأمة، وذخیرة استراتیجیة لحساب مواقع الممانعة کلها بعیدا عن الحسابات الإقلیمیة أو الطائفیة أو المذهبیة الضیقة". وختم العلامة فضل الله النداء بالقول: "إننا نتوجه إلى المسلمین جمیعا لنقول لهم: الله الله فی الإسلام، لا تحبسوه فی مذهبیاتکم، ولا تسجنوه فی عصبیاتکم، ولا تدمروه بأحقادکم ونزاعاتکم، ولا تشوهوه بالجهل والتخلف، ولا تضعفوه بنزاعاتکم، ولا تضیعوه فی غمرة مصالحکم الذاتیة، ولا تسفکوا دماء أبنائه بوحشیتکم التکفیریة... أغنوه بطاقاتکم، وانشروه إلى العالم بإبداعاتکم، وارفعوه بسماحة نفوسکم، وأعزوه بحریة إراداتکم، وقووه بوحدتکم، ولا تجعلوه عرضة لمؤامرات الأعداء وخطط المستکبرین... اللهم هل بلغت؟ اللهم اشهد".

المصدر: الوکالة الوطنیة اللبنانیة للإعلام

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.