09 September 2015 - 18:17
رمز الخبر: 10891
پ
رساـ أصدر المرجع الدینی آیة الله السید کاظم الحائری بیانا حول الإصلاحات فی العراق وما یسمى بمشروع القانون الحرس الوطنی.
السيد کاظم الحائري

 

 أصدر المرجع الدینی آیة الله السید کاظم الحائری بیانا حول الإصلاحات فی العراق وما یسمى بمشروع القانون الحرس الوطنی.

فی ما یلی نص بیان :


بسم الله الرحمن الرحیم
قال تعالى شأنه: ﴿وَیَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِکْیَالَ وَالْمِیزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْیَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِی الْأَرْضِ مُفْسِدِینَ * بَقِیَّة اللَّهِ خَیْرٌ لَّکُمْ إِن کُنتُم مُّؤْمِنِینَ وَمَا أَنَا عَلَیْکُم بِحَفِیظٍ﴾ (هود:85ـ86).
وقال عزّ من قائل: ﴿قَالَ یَا قَوْمِ أَرَأَیْتُمْ إِنْ کُنْتُ عَلَىٰ بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی وَرَزَقَنِی مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِیدُ أَنْ أُخَالِفَکُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاکُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِیدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِیقِی إِلَّا بِاللَّهِ عَلَیْهِ تَوَکَّلْتُ وَإِلَیْهِ أُنِیبُ﴾ (هود 88).


لقد کانت فرحة شعبنا بسقوط نظام الطاغیة صدام وانهیار أرکان حکمه بالغةً عمّت الجمیع، فحمدنا الله تعالى على انقضاء فترة حکم مستبد سام فیها نظام الطاغیة أهل العراق سوء العذاب، وکان أمل العراقیین کبیراً بقیام حکومةٍ على أیدی المؤمنین تعتمد العدل وموازین القسط، وتزیل آثار تلک الحقبة الظلماء التی مرّت على عراقنا الحبیب.


إلّا أنّ هذا الأمل طفق یتلاشى شیئاً فشیئاً، حیث بدأ العراق یدخل نفقاً مظلماً جدیداً من الفساد وبخس الناس أشیاءهم على مستوى القادة المتصدّرین فی مراکز القرار السیاسی والبرلمانی والإداری، فلم یتحقق للشعب العراقی المضطهد خلال أکثر من اثنتی عشرة سنة من الحکم أقل ما کان یصبو إلیه ویتوقعه.. فلم یجد بدّاً من مقارعة الفاسدین والاعلان عن رفضه لهم فی مسیراتٍ جماهیریة حاشدة مدینة کل أشکال الفساد التی أزکمت رائحتها اُنوف الجمیع، والفلتان الأمنی والإداری، والمطالبة باصلاحاتٍ فوریةٍ وعاجلة.


فیا ترى.. کیف یمکن تفسیر هذا الحرمان الذی تعانی منه قطّاعات الشعب فی مجالاتها الحیاتیة وانعدام المقومات الأولیة للعیش الکریم برغم العائدات العظیمة للبلد، والنفقات التی لا تُحصى أرقامها ولا یُضبط عددها؟! وکیف یمکن أن تنهار القوى العسکریة بالموصل بانسحاب قادتها من ساحة المواجهة أمام شرذمةٍ أجنبیةٍ ضعیفةٍ من تنظیم داعش؟! وکیف یمکن أن نتعقّل الاصطفاف الخائن لمتصدر الامور فی مجلس البرلمان إلى جانب أعداء الشعب وحاضنة تنظیم داعش فی المحافظات المحتلّة برغم مطلوبیة بعض المؤتمرین للقضاء بتهم جنائیة أو إرهابیة؟! وکیف یستجیب لدعوة دویلة قطر الراعیة للإرهاب، والممدّة والممولة للتیار التکفیری فی البلدان الإسلامیة؟! وکیف نفسّر هجرة آلاف من شبابنا ومثقفینا وأهلینا إلى بلاد الغرب فی ظروف إنسانیة حرجة جداً تارکةً وطنها وأهلها ومشارکتها فی بناء البلد بسبب ما تلاقیه من حیفٍ وظلم، وما تراه من فساد وخیانة أصحاب القرار والمتصدین لإدارة الاُمور؟! کیف یمکن أن نهضم الإصرار البالغ من قبل المناوئین لأبنائنا فی الحشد الشعبی على إقرار قانون الحرس الوطنی الذی یراد منه إعادة الرموز العسکریة لنظام صدام وإحیاء دورهم فی المجال العسکری، واعتبار أبناءنا المضحّین فی الحشد الشعبی ـ بالنتیجة ـ ملیشیات خارجة عن حیطة القوات العسکریة العراقیة.


فیا تُرى.. فی مثل هذه الظروف من الفلتان والتسیّب والفساد کیف یمکن لإصلاحاتٍ لا تعدو مستوى الترقیع والترمیم الظاهری لوجه الفساد الحکومی أن ترتقی لمستوى تحقیق مطالب الشعب وإنجاز إرادته ودفع الحیف عنه؟!


إننی ومن موقع الاُبوة لهذا الشعب المضطهد، والمرجعیة التی یعتصر قلبُها ألماً ویقطر دماً لمشاهده المأساویة، فتخاطب أبناءها بلغة صریحة واضحة غیر قابلة للتأویل والحمل على أکثر من وجه فی الکشف عن ما یحیط بها من مخاطر ودسائس، وتنبیهها على مصالحها وتحذیرها عن مخاطر ما یحیق بها، فأقول: لا أرى فی هذه الحُزمة من الإصلاحات التی قدمتها رئاسة مجلس الوزراء ما یمکن به إصلاح ما فسُد، ولا رتق ما فُتق، ولا تحقیق ما أمرت به الآیة الکریمة فی قوله تعالى: ﴿وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْیَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِی الْأَرْضِ مُفْسِدِینَ﴾ ما دامت جذور الفساد ومناشئ الفلتان فاعلة وحیّة فی کیان الحکومة ومکوناتها.. بل نرى أنّ الإصلاح یبدأ من:

أولاً: إصلاح المناشئ والاُسس التی بنی علیها الفساد، وهو الذهنیة والعقلیة الحاکمة فی رؤوس أصحاب القرار تجاه هذا الشعب ومصالحه ﴿إِنَّ اللَّهَ لا یُغَیِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى یُغَیِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد:11).


وثانیاً: إصلاح المواد الدستوریة، واُسلوب إدارة البلد، بعیداً عن فکرة المحاصصة والتوافقات بین الکتل الرئیسة کاُسلوب فی توزیع الحقائب السیادیة والمهام الرئسیة فی إدارة العملیة السیاسیة والمدنیة والعسکریة، بل لابد من اعتماد الطاقات المؤهلة المخلصة، والرجالات الصالحة الوطنیة التی ینبغی لها أن تحتلّ مراکز التنفیذ والإدارة فی مجلس النواب والحکومة والمؤسسات التابعة لها، فإنّ الآیة المبارکة التی سبقت تقول: ﴿بَقِیَّة اللَّهِ خَیْرٌ لَّکُمْ إِن کُنتُم مُّؤْمِنِینَ﴾ إذ لا یخلو بلدنا الکریم من الکفاءات الشریفة والقدرات الوطنیة مما أبقاه الله ومنحه لهذا البلد العظیم فی کافة المجالات ما یؤهله لإدارةٍ نزیهةٍ حکیمة، فهی بقیة الله تعالى، وخیر من الفاسدین والمتآمرین على البلد.

وثالثاً: الوقوف بحزم وشجاعة بوجه المشاریع التآمریة، والمکائد الخبیثة التی ترید لعراقنا الشر .


فیا أبنائی العراقیین ممن اشارکهم سراءهم وضراءهم، وتحملت الکثیر من المآسی لأجلهم.. اعلن لکم وبکل صراحة أننی ادین وبأشد عبارات الإدانة ما اشاهده من مواقف خائنة لمصالحکم، ومشاریع عاملة على تقسیم أرضکم وتشتت بلدکم، وقرارات ساعیة لإرجاع الرموز العسکریة للنظام البائد البغیض الذی اضطهدکم، وقتل علماءکم، وحرمکم من أبسط ألوان الحریة، وصیّر من العراق سجناً کبیراً أودعکم وعوائلکم فیه لمدة تجاوزت الثلاثة عقود من الزمن.. ومنها ما بلغنی من قانون الحرس الوطنی الذی یراد منه الدسیسة لأبناء هذا البلد المضطهد، وکذا مؤتمر قطر ومن سانده وسایره من المتصدین فی العملیة السیاسیة سیما متصدر الاُمور فی البرلمان الذی یرتجى منه الوقوف الحازم إلى جنب المصالح الوطنیة والتموضع الشجاع لصالح البلد وعوائل الشهداء والأرامل والمهجرین فیه، وجدناه إلى صفّ ثلة متآمرة مطلوبة قضائیاً، مجتمعة فی دویلة قطر الممدة للإرهاب فی بلده، والسالبة لأمن مواطنیه وموکلیه.. والأمرّ من ذلک قبول بل مساندة بعض الأطراف الحکومیة النافذة وتحت جنح الخفاء لهذا التآمر الخبیث فی قطر.

فیا أبنائی وقومی.. ﴿وَمَا أُرِیدُ أَنْ أُخَالِفَکُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاکُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِیدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِیقِی إِلَّا بِاللَّهِ ﴾. ﴿وَمَا أَنَا عَلَیْکُم بِحَفِیظٍ﴾.

وفی هذا السیاق نؤکّد:


أوّلاً: موقفنا الداعم لأبنائنا فی الحشد الشعبی وفصائل المقاومة، ذلک أننا نرى فیهم الید الضاربة والقوة القاهرة للمتربصین بأمن البلد ومصالح أهله، والمقاومة المتفانیة لصالح الوطن والدفاع عن مقدساته وحرماته، فإن هذه القوة المخلصة التی کسبت موقع القداسة فی قلوب قطاعات الشعب الواسعة تشکل ضماناً لأمن الوطن ووحدة أراضیه. لذا تواترت المکائد من قبل بعض الأعداء للنیل منه والتآمر ضده بمرأى ومسمع من أصحاب القرار والحکومیین، وبلا موقف مناسب یبرئ ذممهم أمام الله تعالى وهذا الشعب الغاضب. ومن هنا نطالب الجمیع بإسناد وتأیید هذا الوجود المبارک، بل قطع کل ید ترید التطاول على هذا الوجود المقدس أو إلغاء دوره وتهمیشه، أو فرضه ملیشیات خارج إطار القانون.


ثانیاً: إننا نطالب بإصلاحاتٍ حقیقیّة تمتدّ إلى جذور الفساد ومناشئ التسیب والفلتان.. ولیس لمسؤول فی جهاز الحکومة اختیار موقف الصمت عن هذه الظلامات التی تقع على العامة من شعبنا دون أن یصدح بالحق، ولا نرتضی منه أیّ نوعٍ من المجاملات والمهادنات مع هذا الطرف أو ذاک فی إطار التوازنات السیاسیة.


ثالثاً: لیعلم أهلنا کافّة أن القوة فیهم ومعهم والغلبة لهم، وبیدهم الحل النهائی لکافة الأزمات إذا ما أیقنوا ذلک، وکانت لهم البصیرة الکافیة لما یجری فی الخفاء وخلف ظواهر الامور، واعتقدوا أنهم أقویاء وقادرون على الحلّ وانتزاع الحق، وأیقنوا أن الله معهم ولن یحرمهم من مدده وعونه، کیف لا، والله تعالى یقول: ﴿إِنَّ اللَّهَ یُدَافِعُ عَنِ الَّذِینَ آمَنُوا﴾ (الحج: 38).. ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِینَ وَلَکِنَّ الْمُنَافِقِینَ لَا یَعْلَمُونَ﴾ (المنافقون: 8).


«اللهم إلیک أفضت القلوب، ورُفعت الأیدی، وشُخصت الأبصار، نشکو إلیک غیبة نبینا، وکثرة عدوّنا، وتشتّت أهوائنا، ربّنا افتح بیننا وبین قومنا بالحقّ، وأنت خیر الفاتحین»، ولا حول ولا قوة الا بالله العلی العظیم.


٢٥/ ذی القعدة/ ١٤٣٦هـ
کاظم الحسینی الحائری

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.