ومما جاء في خطبته السياسية: "يمر العيد هذا العام وعالمنا العربي والإسلامي، في ظل سعي الاستكبار العالمي للهيمنة السياسية على الدول والشعوب عبر ابتزازها بالفتن والعداوات الداخلية واستغلالها الاقتصادي عبر الشركات الاحتكارية والمنظمات الاقتصادية العالمية واستتباعها فكريا وثقافيا بما يفقد اوطاننا الدول العربية والإسلامية ثقتها بنفسها ويشوش مواقفها بفعل معايير مزدوجة تجعلنا نعيش التناقض بين رفض ما يسمى الإرهاب ومحاربة من يقاومونه على امتداد أمتنا، وبين رفض احتلال فلسطين ومصادقة من يحتلها، وبين تمجيد الحرية والاستقلال ومحاربة الذين يقاومون سياسات الهيمنة حتى وصلت الكثير من الأنظمة إلى الدخول في عملية استتباع سياسي وأمني استكباري جعلها تستثمر في هذه الحركات الإجرامية المتطرفة، وما جنت الشعوب من ويلات عليها وعلى ذهنيتها وروحيتها في مقاربة واقعها الاجتماعي".
وتابع: "هذا كله، والعالم العربي والإسلامي يعوم على ثروات هائلة، على المستوى المادي والبشري، كما على المستوى التاريخي والجغرافي والحضاري، يمكن أن تجعل منه رقما صعبا إن لم يكن الرقم الصعب في حركة السياسة العالمية. ولكن المشكلة أن المؤسسات العربية والإسلامية الجامعة التي يفترض أن تحرك الخطط العملية للافادة من كل ذلك على مستوى الأمة، أصبحت خاضعة بدورها للهيمنة، نتيجة الانشقاقات التي لا تخضع لعقل ولا لمنطق سياسي، ولا إلى اية معايير قومية أو إسلامية، ما جعلها تسهم في إطالة أمد الفتن والاهتزاز الأمني بدلا من المسارعة إلى تحريك الحلول".
واضاف: "أمام هذا العيد ورمزيته ودلالاته، ندعو إلى منهجية جديدة في التعامل مع قضايانا كأمة، بالتخلي عن الكثير من المصالح الذاتية والارتكاز إلى مصلحة شعوب هذه المنطقة أولا وأخيرا، وذلك بأن نقلع عن سياسة النفخ في أتون الفتن المذهبية والطائفية، فلا غنى لأتباع أي مذهب عن أتباع المذاهب الأخرى، ولا لأتباع الأديان عن بعضهم البعض لحساب صوغ عناصر القوة والبناء على التاريخ المشترك ومنظومة القيم المشتركة، ليكون الحوار سيد الموقف في إدارة الاختلافات العربية والإسلامية حتى لا تتحول إلى حركة صراع لن يستفيد منها إلا الأعداء الذين لا يسعون إلا وراء مصالحهم، وقد رأينا عيانا آثار سياستهم على واقعنا من أقصاه إلى أقصاه!
إننا نريد للدول العربية والإسلامية أن تخرج من سياسة الصراع وإعلان الحروب إلى سياسة الأمة الواحدة؛ حتى إذا اشتكت دولة أو افتقر مجتمع أو احتلت أرض، تداعت لذلك سائر الدول بما أنعم الله عليها، ومدت لها يد العون والمساندة لا سيوف القتل والتدمير وخناجر المكر والخيانة!
إن الله قد شرع الأضحية في العيد ليأكل منها البائس والفقير لا لكي يمارس المسلمون الإبادة الجماعية لعباد الله، والتدمير الممنهج لبلاد الله، ثم تعقيد الحلول وإطالة أمد الحروب، على طريقة إدارة الاستكبار العالمي لحروبه التي لا تستند إلى قيم السماء، ولا إلى معنى الإنسانية!".
وقال: "ان الدول لا تكتسب صفتها الإسلامية ببناء المساجد، ولا بوجود المقامات الدينية في جغرافيتها فحسب، بل إسلاميتها عندما تحنو دولها الغنية على الفقيرة، والقوية على الضعيفة وتدفع بالتي هي أحسن، وتعيش التواد والتراحم في سياستها، وتبتعد عن البغضاء - التي قال عنها النبي إنها حالقة الدين - في إدارة علاقاتها، وتؤوب إلى معنى وحدة الأمة التي ترتكز إلى تاريخ الرسالات، ولا تحول الصهاينة والمستكبرين إلى أصدقاء، أو تعمل على حصار قوى المقاومة، وتثير حولهم الفتن! إننا نريد لكل مواقع القيادات العربية والإسلامية ان لا تخضع لمحتل أو مستكبر؛ أو ترهن مستقبل الأمة لمن يريد أن يمتص مقدراتها ويصادر ثرواتها، فلا تصدق عروبة أو إسلام بالتنازل عن الأرض للصهاينة ... ان الانتماء إلى رسول الله معناه أن نعمل ليكون العرب والمسلمون رحماء في ما بينهم لا رحماء على أعدائهم ولا يعني حرمان الأمة من مالها لتجعله دولة في أيدي فئة من المتسلطين والمستأثرين والمترفين".
وختم فضل الله: "إن معنى الإسلام يوازي معنى التضحية التي جسدها إبراهيم وإسماعيل: التضحية بكل نوازع الذات أمام إرادة الله، سواء إسلام الأفراد أو إسلام المجتمعات والدول، ومن أسوأ نوازع الذات الاستكبار والأنانية والجهل والبغضاء؛ هذا ما يجب أن نقيس عليه أوضاعنا ومنهجنا اليوم، حتى لا يتحول الإسلام إلى طقس بلا روح، وإلى شكل بلا مضمون، وإلى أبنية شاهقة من دون أساس". (۹۸۶/ع۹۴۰)