فی ذکری میلاده المبارک(ع)
نبارک الإمام المهدی (عج) والامة الإسلامیة بمناسبة میلاد الإمام الرضا (ع) ونقدّم إلیکم إضاءات من فضائل وعظمة الإمام الرضا (ع).
ولادة الإمام الرّضا(علیه السلام)
أشرقت الأرض بمولدالامام الرضا علیه السلام، فقد وُلد خَیرُ أهل الأرض ، وأکثرهم عائدة على الإسلام .
وَسَرَتْ موجاتٌ من السرور والفرح عند آل النبی صلى الله علیه وآله ، وقد استقبلالامام الکاظم علیه السلام النبأ بهذا المولود المبارک بمزید من الابتهاج ، وسارع إلى السیدة زوجته یهنیها بولیدها قائلاً : ( هَنِیئاً لکِ یا نَجمَة ، کَرامَةٌ لَکِ مِن رَبِّکِ ) .
وأخذ علیه الیلام ولیده المبارک ، وقد لُفَّ فی خرقة بیضاء ، وأجرى علیه المراسم الشرعیة ، فأذَّن فی أُذنِه الیمنى ، وأقام فی الیسرى ، ودعا بماء الفُرَات فَحنَّکه به ، ثم رَدَّهُ إلى أمه ، وقال علیه السلام لها : ( خُذِیه ، فَإِنَّهُ بَقِیَّةَ اللهِ فِی أرضِهِ ) .
لقد استقبل سلیل النبوة أول صورة فی دنیا الوجود ، صورة أبیه إمام المتقین ، وزعیم الموحدین علیه السلام، وأول صوت قرع سمعه هو : اللهُ أَکبَرُ ، لا إِلَهَ إِلاَّ الله .
وهذه الکلمات المُشرِقَة هی سرُّ الوجود ، وأُنشُودَةِ المُتَّقِین .
وسمَّىالامام الکاظم علیه السلام ولیده المبارک باسم جده الامام أمیر المؤمنین علی علیه السلام تَبَرُّکاً وَتَیَمُّناً بهذا الاسم المبارک ، والذی یرمز لأَعظَم شَخصیةٍ خُلِقَت فِی دنیا الإسلام بعد النبی صلى الله علیه وآله ، والتی تَحلَّت بِجمیع الفضائل .
وکانت ولادته علیه السلام فی ( 11 ) ذی القعدة سنة ( 148 هـ ) ، وهذا هو المشهور بین الرُواة ، وهناک أقوال أخرى فی ولادته علیه السلام.
مناظرات الإمام الرضا (علیه السلام)
عاش الإمام الرضا ( علیه السلام ) فی عصر ازدهرت فیه الحضارة الإسلامیة ، وکثرت الترجمة لکتب الیونانیِّین والرومانیِّین وغیرهم ، وازداد التشکیک فی الأصول والعقائد من قبل الملاحِدة وأحْبار الیهود ، وبطارقة النصارى ، ومُجَسِّمة أهل الحدیث .
وفی تلک الأزمنة أُتیحت له ( علیه السلام ) فرصة المناظرة مع المخالفین على اختلاف مذاهبهم ، فظهرَ بُرهانه ( علیه السلام ) وعلا شأنُه ، ویقف على ذلک من اطَّلع على مناظراته واحتجاجاته مع هؤلاء .
ولأجل إیقاف القارئ على نماذج من احتجاجاته نذکر ما یلی :
دخل أبو قُرَّة المحدِّث على أبی الحسن الرضا ( علیه السلام ) فقال : رَوینا أنَّ الله قسَّم الرؤیة والکلام بَین نبیَّین ، فقسَّم لموسى ( علیه السلام ) الکلام ، ولِمُحمَّدٍ ( صلى الله علیه وآله ) الرؤیة .
فقال أبو الحسن ( علیه السلام ) : ( فَمَنْ المُبَلِّغ عَنِ اللهِ إِلَى الثَّقَلَینِ الجِنَّ والإِنْس ، إنَّه : ( لاَّ تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ) ـ الأنعام : 103 ـ وَ : ( لاَ یُحِیطُونَ بِهِ عِلْمًا ) ـ طه : 110 ـ وَ : ( لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ ) ) الشورى : 11 .
فقال أبو قُرةَّ : أَلَیسَ مُحمَّد ( صلى الله علیه وآله ) قال : ( بَلَى ، یَجِیءُ رَجُلٌ إلى الخَلْقِ جَمیعاً ، فَیُخْبِرُهُم أنَّهُ جَاءَ مِنْ عِندِ اللهِ ، وَأنَّهُ یَدْعُوهُم إلى اللهِ ) ؟ .
فقال الإمام الرضا ( علیه السلام ) : ( فَکَیفَ بِأمْرِ اللهِ ؟ فیقول : ( لاَّ تُدْرِکُهُ الأَبْصَارُ ) ، وَ : ( لاَ یُحِیطُونَ بِهِ عِلْمًا ) ، وَ : ( لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیْءٌ ) .
ثم یقول : أنَا رأیْتُهُ بِعَینِی وأحَطْتُ بِهِ عِلْماً ، وَهو عَلَى صُورَةِ البَشَر ، أمَا تَستَحیُون ؟! مَا قَدرَتْ الزَّنَادِقَة أنْ تَرمِیهِ بِهَذا : أنْ یَکونَ آتیاً عَنِ الله بِأمْرٍ ثُمَّ یَأتی بِخِلافِهِ مِنْ وَجْهٍ آخرٍ ) .
فقال أبو قرة : فإنه یقول : ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ) النجم : 13 .
فقال الإمام الرضا ( علیه السلام ) : ( إنَّ بَعد هَذِه الآیَة مَا یَدُلُّ عَلى مَا رَأى ، حَیثُ قَالَ : ( مَا کَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ) النجم : 11 .
یَقُولُ : مَا کَذَبَ فُؤَادُ مُحَمَّدٍ ( صَلَّى اللهُ عَلیهِ وَآلِهِ ) مَا رَأَتْ عَیْنَاهُ ، ثُمَّ أخْبَرَ بِمَا رَأَى ، فقال : ( لَقَدْ رَأَى مِنْ آیَاتِ رَبِّهِ الْکُبْرَى ) النجم : 11 .
فآیَاتُ اللهِ غَیْرُ اللهِ ، وَقَالَ : ( لاَ یُحِیطُونَ بِهِ عِلْمًا ) ، فَإِذَا رَأتْهُ الأبْصَارُ فَقَدْ أحَاطَ بِهِ العِلْمُ ، وَوَقَعَتْ المَعْرِفَةُ ) .
فقال أبو قُرَّة : فَتکذِّب بالروایة ؟
فقال ( علیه السلام ) : ( إِذَا کَانَتِ الرِّوایَةُ مُخَالِفَةً للقُرآنِ کَذَّبْتُهَا ، وَمَا أجْمَعَ المُسلِمُونَ عَلَیه : إِنَّهُ لا یُحَاطُ بِهِ عِلْماً ، وَلا تُدْرِکُهُ الأبْصَارُ ، وَلَیسَ کَمِثْلِهِ شَیءٌ ) .
سخاؤه (علیه السلام)
لم یکن شیء فی الدنیا أحب إلى الإمام الرضا ( علیه السلام ) من الإحسان إلى الناس والبِر بالفقراء ، وقد ذکر المؤرخون بوادر کثیرة من جوده وإحسانه ( علیه السلام ) ، وکان منها ما یلی :
أولاً : أنه ( علیه السلام ) أنفق جمیع ما عنده على الفقراء حینما کان فی خراسان ، وذلک فی یوم عرفة .
فأنکر علیه الفضل بن سهل ، وقال له : إن هذا المغرم ..
فأجابه الإمام ( علیه السلام ) : ( بل هو المغنم ، لا تحدث مغرماً ما ابتغیت به أجراً وکرماً .
إنه لیس من المغرم فی شیء صِلَة الفقراء والإحسان إلى الضعفاء ابتغاء مرضاة الله تعالى ، وإنما المغرم هو الإنفاق بغیر وجه مشروع ، کإنفاق الملوک والوزراء الأموال الطائلة على المغنیین والعابثین ) .
ثانیاً : وفد على الإمام الرضا ( علیه السلام ) رجل فَسلَّم علیه وقال له : أنا رجل من مُحبِّیک ومحبِّی آبائک ، ومصدری من الحج ، وقد نفذت نفقتی ، وما معی ما أبلغ مرحلة ، فإن رأیت أن ترجعنی إلى بلدی فإذا بلغت تصدقت بالذی تعطینی عنک .
فقال ( علیه السلام ) له : ( اِجلس رحمک الله ، وأَقبلَ على الناس یحدثهم حتى تفرقوا ) .
وبقی هو وسلیمان الجعفری ، وحیثمة ، فاستأذن الإمام منهم ودخل الدار ثم خرج ، وَرَدَّ الباب ، وخرج من أعلى الباب ، وقال ( علیه السلام ) : ( أین الخراسانی ) .
فقام إلیه فقال ( علیه السلام ) له : ( خذ هذه المائتی دینار واستعِن بها فی مؤنتک ونفقتک ، ولا تتصدق بها عنی ) .
فانصرف الرجل مسروراً قد غمرته نعمة الإمام ( علیه السلام ) ، والتفت إلیه سلیمان فقال له : جُعلت فداک ، لقد أجزلت ورَحِمت ، فلماذا سَترتَ وجهک عنه .
فَأجابهُ ( علیه السلام ) : ( إِنَّما صنعتُ ذلک ، مخافة أن أرى ذُلَّ السؤال فی وَجهِهِ لِقضَائِی حاجتَهُ ، أما سمعت حدیث رسول الله ( صلى الله علیه وآله ) : المُستَتِرُ بالحسنة تعدل سبعین حجة ، والمُذِیعُ بالسیِّئةِ مَخذُول .
أما سمعت قول الشاعر : مَتى آَتِهِ یَوماً لأَطلبَ حَاجَةً ** رَجِعتُ إِلَى أَهلِی وَوَجهِی بِمَائِهِ ) .
علم الإمام الرضا ( علیه السلام )
إن الشیء البارز فی شخصیة الإمام الرضا ( علیه السلام ) هو إحاطته التامة بجمیع أنواع العلوم والمعارف .
فقد کان ( علیه السلام ) – بإجماع المؤرخین والرواة – أعلمَ أهلِ زمانه ، وأفضلَهُم ، وأدراهُم بأحکام الدین ، وعلوم الفلسفة ، والطب ، وغیرها من سائر العلوم .
وقد تحدث أبو الصلت الهروی عن سعة علومه ( علیه السلام ) ، وکان مرافقاً له یقول : ما رأیت أعلم من علی بن موسى الرضا ( علیه السلام ) ، ما رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتی .
وقد جمع المأمون فی مجالس له عدداً من علماء الأدیان ، وفقهاء الشریعة ، والمتکلمین ، فَغَلَبَهُم ( علیه السلام ) عن آخرهم ، حتى ما بقی منهم أحد إلا أقرَّ له بالفضل ، وأقرَّ له على نفسه بالقصور .
إذن ، فإن الإمام الرضا ( علیه السلام ) کان أعلم أهل زمانه ، کما کان المرجع الأعلى فی العالم الإسلامی ، الذی یرجع إلیه العلماء والفقهاء فیما خفی علیهم من أحکام الشریعة ، والفروع الفقهیة .
ویقول إبراهیم بن العباس : ما رأیت الرضا ( علیه السلام ) یسأل عن شیء قَطّ إلا علم ، ولا رأیت أعلم منه بما کان فی الزمان الأول إلى وقته وعصره ، وکان المأمون یمتحنه بالسؤال عن کل شیء ، فیجیب ( علیه السلام ) .
وقد دلت مناظراته ( علیه السلام ) فی خراسان والبصرة والکوفة حیث سُئِل عن أعقد المسائل ، فأجاب ( علیه السلام ) عنها جواب العالم الخبیر المتخصص .
وقد أذعنت له جمیع علماء الدنیا - فی عصره - وأقروا له بالفضل والتفوق علیهم .
وظاهرة أخرى له ( علیه السلام ) وهی إحاطته الشاملة بجمیع اللغات ، ویَدلُّ على ذلک ما رواه أبو إسماعیل السندی قال :
سمعت بالهند أن لله فی العرب حجة ، فخرجت فی طلبه ، فَدُلِّلْتُ على الرضا ( علیه السلام ) .
فقصدته وأنا لا أحسن العربیة ، فَسَلَّمتُ علیه بالسندیة ، فَردَّ علیَّ بِلُغَتِی ، فجعلت أُکلِّمه بالسندیة وهو یردُّ علیّ بها .
وقلت له : إنی سمعت أن لله حجة فی العرب فخرجت فی طلبه ، فقال ( علیه السلام ) : ( أنا هو ) .
ثم قال ( علیه السلام ) لی : ( سَلْ عما أردته ) .
فسألته عن مسائل فأجابنی عنها بِلُغَتِی ، وقد أکد هذه الظاهرة الکثیرون ممن اتصلوا بالإمام ( علیه السلام ) .
یقول أبو الصلت الهروی : کان الرضا ( علیه السلام ) یکلم الناس بلغاتهم ، فقلت له : فی ذلک فقال : ( یا أبا الصلت أنا حجة الله على خلقه ، وما إن الله لیتخذ حجة على قوم وهو لا یعرف لغاتهم ، أَوَ مَا بلغَکَ قول أمیر المؤمنین ( علیه السلام ) : أوتِینَا فَصلَ الخطاب ، وهل هو إلا معرفته اللغات ) .
وقد أخبر الإمام الرضا ( علیه السلام ) عن کثیر من الملاحم والأحداث قبل وقوعها ، وتحققت بعد ذلک على الوجه الأکمل الذی أخبر ( علیه السلام ) به .
وهذا یؤکد - بصورة واضحة - أصالة ما تذهب إلیه الشیعة من أن الله تعالى قد منح أئمة أهل البیت ( علیهم السلام ) المزید من الفضل والعلم ، کما منح رُسله ( صلوات الله علیهم أجمعین ) ، ومن بین ما أخبر ( علیه السلام ) به ما یلی :
أولاً :روى الحسن بن بشار قال : قال الرضا ( علیه السلام ) : ( إن عبد الله - یعنی المأمون - یقتل محمداً - یعنی الأمین - ) .
فقلت له : عبد الله بن هارون یقتل محمد بن هارون .
قال ( علیه السلام ) : ( نعم ، عبد الله الذی بخراسان یقتل محمد بن زبیدة الذی هو ببغداد ) .
وکان یتمثل بهذا البیت :
وإن الضغن بعد الضغن یفشو علیک ویخرج الداء الدَّفینا
ولم تمضِ الأیام حتى قتل المأمون أخاه الأمین .
ثانیاً :ومن بین الأحداث التی أخبر ( علیه السلام ) عنها : أنه لما خرج محمد بن الإمام الصادق ( علیه السلام ) بِمَکَّة ودعا الناس إلى نفسه ، وخلع بیعة المأمون ، قصده الإمام الرضا ( علیه السلام ) .
فقال له : یا عَم ، لا تُکَذِّب أباک ، ولا أخاک - یعنی الإمام الکاظم ( علیه السلام ) - فان هذا الأمر لا یتم .
ثم خرج ولم یلبث محمد إلا قلیلاً حتى لاحقته جیوش المأمون بقیادة الجلودی ، فانهزم محمد ومن معه ، ثم طلب الأمان ، فآمنه الجلودی .
ثم صعد المنبر وَخَلَع نفسه وقال : إن هذا الأمر للمأمون ولیس لی فیه حق .
ثالثاً :روى الحسین نجل الإمام الکاظم ( علیه السلام ) قال : کُنَّا حول أبی الحسن الرضا ( علیه السلام ) ونحن شبان من بنی هاشم ، إذ مَرَّ علینا جعفر بن عمر العلوی وهو رَثُّ الهیئة ، فنظر بعضنا إلى بعض وضحکنا من هیئته .
فقال الرضا ( علیه السلام ) : ( لَتَرَوُنَّهُ عن قریبٍ کثیر المال ، کثیر التبَع ) .
فما مضى إلا شهر ونحوه حتى وَلِیَ المدینة ، وَحَسُنَتْ حَالُه .
عبادة الإمام الرضا ( علیه السلام )
من أبرز خصوصیات الإمام الرضا ( علیه السلام ) انقطاعه إلى الله تعالى ، وتمسکه به .
وقد ظهر ذلک فی عبادته التی مثلت جانباً کبیراً من حیاته الروحیة التی هی نور وتقوى وورع .
یقول بعض جماعته ( علیه السلام ) : ما رأیته قط إلا ذکرتُ قوله تعالى : ( کَانُوا قَلِیلاً فِی اللَّیلِ مَا یَهجَعُونَ ) الذاریات : 17 .
ویقول الشبراوی عن عبادته ( علیه السلام ) : إنه کان صاحب وضوء وصلاة ، وکان ( علیه السلام ) فی لیله کُلِّهِ یتوضأ ویصلی ویرقد ، وهکذا إلى الصباح .
وقد کان الإمام ( علیه السلام ) أتقى أهل زمانه ، وأکثرهم طاعة لله تعالى .
فیروی رجاء بن أبی الضحَّاک عن عبادة الإمام ( علیه السلام ) – وکان المأمون قد بعثه إلى الإمام ( علیه السلام ) لیأتی به إلى خُراسان ، فکان معه من المدینة المنورة إلى مرو – یقول : ( والله ما رأیت رجلاً کان أتقى لله منه ( علیه السلام ) ، ولا أکثر ذِکراً له فی جمیع أوقاته منه ، ولا أشد خوفا لله عزَّ وجلَّ .
کان ( علیه السلام ) إذا أصبح صلَّى الغداة ، فإذا سلَّم جلس فی مُصَلاَّه یُسَبِّح الله ، ویحمده ، ویُکبِّره ، وَیُهَلِّله ، ویصلی على النبی وآله ( صلى الله علیه وآله ) حتى تطلع الشمس .
ثم یسجد ( علیه السلام ) سجدةً یبقى فیها حتى یتعالى النهار ، ثم یقبل على الناس یحدثهم ، ویعظهم إلى قُرب الزوال ، ثم جدد وضوءه ، وعاد إلى مُصَلاَّه .
فإذا زالت الشمس قام ( علیه السلام ) وصلى ست رکعات ، ثم یؤذّن ، ثم یصلی رکعتین ، ثم یقیم ویصلی الظهر ، فإذا سَلَّم سَبَّح الله وحمده ، وکبره ، وهَلَّله ما شاء الله .
ثم یسجد ( علیه السلام ) سجدة الشکر ویقول فیها مائة مرة : شکراً لله ، فإذا رفع رأسه قام فصلى ست رکعات ، ثم یؤذن .
ثم یصلی ( علیه السلام ) رکعتین فإذا سلم قام وصلى العصر ، فإذا سَلَّم جلس فی مُصَلاَّه یسبح الله ، ویحمده ، ویکبِّره ، ویُهَلِّله ، ثم یسجد سجدة یقول فیها مائة مرة : حَمْداً لله .
فإذا غابت الشمس توضأ ( علیه السلام ) وصلَّى المغرب ثلاثاً بأذان وإقامة ، فإذا سلَّم جلس فی مُصلاَّه یُسبِّح الله ، ویحمده ، ویُکبِّره ، ویُهَلِّله ما شاء الله ، ثم یسجد سجدة الشکر ، ثم یرفع رأسه ولا یتکلم حتى یقوم ویصلی أربع رکعات بِتَسلِیمَتَین ، ثم یجلس بعد التسلیم فی التعقیب ما شاء الله حتى یُمسِی .
ثم یفطر ( علیه السلام ) ، ثم یَلبث حتى یَمضی من اللیل قریب من الثـلث ، ثم یقوم فیصلی العشاء والآخرة أربع رکعات ، فإذا سَلَّم جلس فی مُصَلاَّه یذکر الله عزَّ وجلَّ ، ویُسبِّحه ، ویحمده ، ویُکبِّره ، ویُهَلِّله ما شاء الله ، ویسجد بعد التعقیب سجدة الشکر ثم یأوی إلى فراشه .
وإذا کان الثلث الأخیر من اللیل قام ( علیه السلام ) من فراشه بالتسبیح ، والتحمید ، والتکبیر ، والتهلیل ، والاستغفار ، فَاسْتَاکَ ثم توضأ ، ثم قام إلى صلاة اللیل ، ویصلی صلاة جعفر بن أبی طالب ، ویحتسب بها من صلاة اللیل ، ثم یصلی الرکعتین الباقیتین .
ثم یقوم ( علیه السلام ) فیصلی رکعتَی الشفع ، ثم یقوم فیصلی الوَتْر ، ویقول فی قنوته : ( اللَّهم صَلِّ على محمد وآل محمد ، اللَّهم اهدِنَا فیمن هدیت ، وعَافِنَا فیمن عافیت ) .
ثم یقول ( علیه السلام ) : ( أستغفرُ الله وأسألُه التوبة ) ، سبعین مرة ، وإذا قرب الفجر قام فَصلَّى رکعتَی الفجر ، فإذا طلع الفجر أَذَّن وأقامَ وصَلَّى الغداة رکعتین ، فإذا سَلَّم جلس فی التعقیب حتى تطلع الشمس ، ثم سجد سجدة الشکر حتى یتعالى النهار .
فهذه هی صلاة الإمام الرضا ( علیه السلام ) المفروضة ونوافلها ، وما یقرأ فیها من سور القرآن الکریم ، والتعقیبات التی یؤدیها .
ومعنى ذلک أنه ( علیه السلام ) کان فی أغلب أوقاته مشغولاً بعبادة الله ، فإنه ( علیه السلام ) قد سَرى حُبُّ الله فی قلبه ، وتفاعل فی عواطفه ومشاعره حتى صار عنصراً من عناصره ، وخصوصیة من خصوصیاته ( علیه السلام ) .
زهد الإمام الرضا ( علیه السلام )
من ذاتیات الإمام الرضا ( علیه السلام ) وعناصره هو الزهد فی الدنیا ، والإعراض عن مباهجها وزینتها .
وقد تحدَّث عن زهده محمد بن عباد قال : کان جلوس الرضا ( علیه السلام ) على حصیرة فی الصیف ، وعلى مسح فی الشتاء ، ولباسه الغلیظ من الثیاب حتى إذا برز الناس تزیأ .
ویقول الرواة : إنه التقى به سفیان الثوری ، وکان الإمام ( علیه السلام ) قد لبس ثوبا من خز ، فأنکر علیه ذلک وقال له : لو لبست ثوبا أدنى من هذا ؟
فأخذ الإمام ( علیه السلام ) یده برفق ، وادخلها فی کمه ، فإذا تحت ذلک الثوب مسح ، وقال ( علیه السلام ) له : ( یا سفیان : الخِزُّ للخلق ، والمسح للحق ) .
فقد کان الزهد من أبرز الذاتیات فی خلق الإمام الرضا ( علیه السلام ) ومن أظهر مُکوّناته النفسیة .
ویجمع الرواة أنه ( علیه السلام ) حینما تقلَّد ولایة العهد لم یحفل بأی مظهر من مظاهر السلطة ، ولم یُقِم لها أیَّ وزنٍ ، ولم یرغب فی أی موکبٍ رسمی ، وَکَرِه ( علیه السلام ) مظاهر العَظَمة التی یقیمها الناس لملوکهم .
شهادته(علیه السلام)
استشهد الإمام الرضا (ع) یوم 17 صفر 203ﻫ، وقیل: الیوم الأخیر من صفر فی مدینة طوس فی خراسان نتیجة للصراع الدائر بین أهل البیت(علیهم السلام) وأنصارهم، وبین بنی العباس ـ بالإضافة إلى بروز شخصیة الإمام الرضا(علیه السلام) وتفوّقها على شخصیة المأمون ـ دفع المأمون إلى التفکیر بشکلٍ جدِّی بتصفیة الإمام(علیه السلام) واغتیاله، وتمّ له ذلک عن طریق دسِّ السم للإمام(علیه السلام).
فضل زیارة الإمام الرضا ( علیه السلام )
أثرت عن الإمام الجواد ( علیه السلام ) عدّة روایات تحدّث بها عن فضل الزیارة لمرقد أبیه الرضا ( علیه السلام ) ، وما أعدّه الله للزائر من الأجر والثواب ، وهذه بعضها :
1- روى عبد العظیم بن عبد الله الحسنی قال : سمعت محمّد بن علی الرضا ( علیهما السلام ) یقول : ( ما زار أبی أحد فأصابه أذى من مطر أو برد أو حرّ إلاّ حرّم الله جسده على النار ... ) .
2- روى علی بن أسباط قال : سألت أبا جعفر ( علیه السلام ) : ما لمن زار أباک بخراسان ؟ فقال ( علیه السلام ) : ( الجنّة والله الجنّة).
3- روى عبد العظیم بن عبد الله الحسنی قال : قلت لأبی جعفر : قد تحیّرت بین زیارة أبی عبد الله الحسین ( علیه السلام ) وبین زیارة قبر أبیک بطوس فما ترى ؟ فقال لی : ( مکانک ) ، ثمّ دخل وخرج ودموعه تسیل على خدّیه ، فقال : ( زوّار أبی عبد الله کثیرون ، وزوّار قبر أبی بطوس قلیلون ) .
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.