شهد مؤتمر الکفیل الدولی الأول مشارکة واسعة لعددٍ من الشخصیات المختصّة فی هذا المجال من داخل وخارج العراق، واستُهِلّ حفلُ الافتتاح بتلاوة آیات من الذکر الحکیم بصوت القارئ حسنین الحلو، بعدها جاءت کلمةُ الأمین العام للعتبة العباسیة المقدّسة.
بعدها جاءت کلمةُ وزارة الثقافة والسیاحة والآثار التی ألقاها الأستاذ قیس رشید حسین والتی جاء فیها: "إنّه لشرفٌ کبیر أن نکون من الوافدین لمدینة کربلاء المقدّسة للمشارکة فی هذا المؤتمر العلمیّ، ومن دواعی السرور أن تحتضن العتبةُ العباسیةُ المقدّسة مثل هکذا مؤتمرات علمیّة متخصّصة ومن بینها علم المتحف، ولعلّ إقامة هذا المؤتمر هی خیر دلیلٍ على عزم وهمّة العتبة المقدّسة فی خوض غمار هذه التجربة التی أثبتت نجاحها".
وأوضح أنّ "مؤتمر الکفیل هو خطوةٌ مبارکةٌ وسدیدة تستدعی منّا تقدیم آیات الشکر والتقدیر للقائمین علیه سیّما وأنّه یُعقد فی فترةٍ تتعرّض فیها آثارنا وتراثنا لعملیاتٍ إرهابیة من عصابات داعش، وما مشهد تحطیم متحف الموصل إلّا دلیلٌ على بشاعة هذه الهجمة، وإنّ التوجّه لتسمیة المؤتمر موفّقٌ جداً فقد تلاشى فیه مصطلح المتحف الشامل وأخذت المراکز العلمیة والعالمیة بفتح متاحف متخصّصة ومتحف العتبة المقدّسة أحدها، ونحن نشید بالعمل المتحفیّ المتخصّص الذی أقامته العتبة العباسیة المقدّسة، ومنذ افتتاحه عام 2009 وهو من المتاحف الرائدة التی أُنشئت خارج السلطة المتحفیة، وهناک علاقة وثیقة بین المتحف والجهات المتحفیة".
ثم جاءت کلمةُ رئیس قسم المتحف الأستاذ صادق لازم جاسم التی تحدّث فیها عن مراحل تأسیس المتحف، وأضاف أن "الهدف من إقامة هذا المؤتمر وغیره من الندوات العلمیة المختصّة هو لفتح باب التواصل ما بین المتاحف والمؤسّسات والمراکز العاملة بالآثار والتراث وفتح باب تبادل المعلومات والخبرات، ولغرض حفظ تراث الأمم وصیانته وإظهاره بما یلیق بها".
وأکد إنّ "متحف الکفیل فی العتبة العباسیة المقدّسة هو نتاجُ عملٍ دؤوب من قبل العاملین فی العتبة المقدّسة، ودعمٍ لا محدود من قبل إدارتها لهذا المتحف، لیکون حافزاً للجمیع وخصوصاً المسؤولین فی دولة العراق الجدید لغرض التحرّک بجدّ للمساعدة فی بناء متحف العتبة العباسیة المقدّسة لیضمّ هذا الکمّ الهائل من النفائس والآثار".
بعدها تمّ عرضُ فلمٍ وثائقیّ استعرض مقتنیات متحف العتبة العباسیة المقدّسة، لیتوجّه بعدها الحضور لإزالة الستار عن واجهات مداخل ثلاثة أبواب من سور الصحن الشریف.
ومن جهته أکّد ممثل المرجعیة العلیا الأمینُ العام للعتبة العباسیّة المقدّسة السید أحمد الصافی خلال کلمته إنّ "الخزین من التحف والنفائس والمخطوطات أضعاف ما هو معروض فی متحف الکفیل للنفائس والمخطوطات ومن حقّ الناس أن تراها".
وأضاف أن "الأممَ تفخر بما لدیها من تراث وتحاول أن تُثبت أنّها أمّة قدیمة، وتحاول أن تستدلّ على ذلک بما فَعَل وکتب وعمّر وترک الأجداد، والعراق من البلدان التی شهد لها الآخرون بأنّه بلدٌ عریق فی حضارته ومرّت به أطوارٌ کثیرة، لذا کان بلداً حضاریّاً قدیماً یکتب ویقرأ وهو الذی کتب وغیره قرأ".
وبیّن أن "بیدنا مجموعةٌ کبیرةٌ من الآثار نحتاج إلى أن نطلّ علیها لأکثر من سببٍ لکن تجتمع فی مسألتین:
المسألةُ الأولى: نرید أن نتعلّم من الحیاة المشرقة من حیاة السابقین، ونعرف ماذا خلّف وترک وعمل أسلافنا، حتى لا نقف وقفة المتأمّل فقط، بل نقف حتى نُکمل مسیرة الأجداد، فماذا علینا أن نفعل؟، نحتاج إلى أن نقف على آثارهم ونکمل مسیرتهم ونخلّف ترکةً للأجیال القادمة.
المسألة الثانیة: هناک بعض الآثار خلّفت ظلماً على هذه الکرة الأرضیة، نحتاج أن نقف عندها ونستخلص منها العبرة ونبتعد عنها".
وأوضح أن "العتبة العباسیة المقدّسة لها موقعٌ فی نفوس المسلمین وهذا جعلها محطّ أنظار، وخلال قرونٍ زمنیة تجمّعت فیها الکثیر من النفائس والمخطوطات الثمینة، وللأسف الشدید لم یحالفها الحظّ أن تُعرض، بل کانت على شکل خزانةٍ لا یطّلع علیها إلّا من کان ذا حظٍّ عظیم، والأدوار السیاسیة فی العراق کانت جاهلة لم ترحم هذا التراث الحضاریّ والفکری، ففی تسعینیات القرن الماضی وأبّان الهجمة الشرسة على عتبات کربلاء المقدّسة کانت تُحرق المخطوطات والکتب من قبل الجنود لأجل صناعة الشای وأمثال ذلک".
وأضاف السید الصافی "الآن نمرّ بأزمةٍ إنسانیة فی العالم من خلال فعل أوباشٍ لا علاقة لهم بالإنسانیة والدین، أخذوا یدمّرون الآثار التی تصل إلیها أیدیهم، لذا لابُدّ لأهل الحضارة أن یدافعوا باستماتة عن الجوانب الأثریة فی مدنهم".
وتابع إن "العراق نصیبه من الاهتمام قلیلٌ جداً، وهو یملک قرابة 20 ألف موقع أثریّ، وهذا رقمٌ ملفت للنظر ویُمکن الاستفادة منها، وقد تعرّضت العتبةُ المقدّسة إلى إهمال نفائسها، ولم تطلها ید العنایة إلّا فی الفترة الأخیرة، وقد أظهرت هذه النفائس بعد ترمیمها وصیانتها وفق طرقٍ علمیةٍ بالتعاون مع المتحف العراقیّ إیماناً منّا بخبراتهم، وکان النتاج افتتاح هذا المتحف المتواضع فی قلّة المساحة، لکن الهدف هو إخراج هذه النفائس من الخزائن وان نُریها للناس".
وأکد السید الصافی إن "هناک مشروعٌ مستقبلیّ وهو إنشاء بنایةٍ خاصّة بالمتحف خارج أسوار العتبة العباسیة المقدّسة، وقدّم عددٌ من الإخوة المهندسین خمس تصامیم لهذه البنایة تتناسب مع طبیعة المتحف، على أن تحتوی على منائر لسببین، الأوّل: لتکون شاهداً یُرى من بعید بعد أن غطّى العمرانُ الحالی العتبتین المقدّستین، والثانی: لیؤرّخ للحدود أو لمسألة الحدود العمرانیة التی تمرّ بها المدینة فی الوقت الحالی".