وفي مقال له بعنوان "اكتساب القوة؛ استراتيجية ايران الثابتة في إدارة تحديات الامن القومي"، كتب علي شمخاني:
في 9 آذار/ مارس 2014، إجتمعتُ بكاثرين أشتون، كبيرة مسؤولي السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي وكبيرة المفاوضين بشأن الملف النووي لدى زيارتها ايران. وخلال هذا الاجتماع الذي تم في اجواء كانت المفاوضات النووية بين ايران ومجموعة (5+1) تواجه تحديات ومطبات داخلية وخارجية ولم يكن قد تم الاتفاق على خطة العمل المشترك (الاتفاق النووي)، كما تزامن الاجتماع مع مواصلة المباحثات والاتفاق على برنامج للإفراج عن الارصدة الايرانية المجمدة من خلال دفع وجبة اولى بـ (400) مليون دولار، وتزامن الاجتماع أيضاً مع تنفيذ الحكومة آنذاك لبرنامج الأمن الغذائي عبر توزيع سلة المواد الغذائية على المواطنين الذي تخلله اضطرابات وهوامش نتيجة لطوابير المواطنين امام المحال التجارية بسبب عدم التنسيق بين بعض المؤسسات المعنية، فإن وندي شيرمن، كبيرة المفاوضين الاميركيين في المفاوضات النووية والتي لعبت دوراً كبيراً في قيادة الحرب النفسية للفريق الاميركي خلال المفاوضات إستغلت ذلك وقالت في احدى تصريحاتها آنذاك، ان تزامن دفع (400) مليون دولار (مع العلم ان ايران لم تكن قد تسلّمت هذا المبلغ بعد) مع توزيع سلة المواد الغذائية والطوابير الطويلة للمواطنين الايرانيين امام المحال التجارية لهو دليل على ان ايران باستلامها (400) مليون دولار قامت بتوفير سلال من الطعام امام سيل من الجياع!
وأضاف شمخاني في مقاله: ان مجمل الاحداث المذكورة كان محور المفاوضات التي أجريتها مع كاثرين اشتون بالتفصيل والتي كانت سبباً في تدوين هذا المقال. ففي بداية اللقاء أبلغت اشتون بأن هذه الايام تتزامن مع اعياد النيروز، رأس السنة الايرانية الجديدة، والمواطنون الايرانيون مقبلون على الشراء استعدادا للسنة الجديدة، فهل شاهدتي أي مظهر او مشهد من مظاهر الجياع وهم يقفون في طوابير طويلة لشراء احتياجاتهم مثلما تنقلها وسائل الاعلام الغربية التي تحاول تصوير ايران بأنها تعاني نفس ظروف كوريا الشمالية؟ وعندما قابلتني بإبتسامة العاجز، أشرت الى أكاذيب شيرمن الاعلامية التي حاولت الإيحاء بأن ايران قد دخلت المفاوضات النووية بسبب اوضاعها الاقتصادية الداخلية المضطربة. وأبلغت اشتون بأن الغرب دخل الى المفاوضات مع ايران من باب الإضطرار لعدة أسباب، اولها، وصول ايران الى مستوى من القوة وثانيها، فشل الحظر على ايران وأي توجه عسكري ضد ايران.. وبعد اكثر من 3 سنوات على ذلك اللقاء، أذعنت شيرمن في مقابلة لها الاسبوع الماضي: ان التقنية النووية لا يمكن قصفها بالقنابل، حيث ان الهجوم العسكري قد يدمر المنشآت النووية، لكن ايران بإمكانها بناء هذه المنشآت مرة أخرى في غضون عامين بصورة سرية. وحتى الحظر لا يمكنه منع تطوير البرنامج النووي الايراني.
واضافت شيرمن بالقول: قبل ان ندخل في مفاوضات مع ايران، كانت الدول الاوروبية قد دخلت في مفاوضات معها وآنذاك كانت ايران تمتلك بضع مئات من أجهزة الطرد المركزي، ولكننا عندما بدأنا المفاوضات معها بالتزامن مع أقسى الحظر المفروض عليها فإنها اصبحت تمتلك (19000) جهاز طرد مركزي.
وتابع شمخاني في المقال: ان اكتساب القوة بالاعتماد على الطاقات المحلية والوطنية هو استراتيجية مفيدة لجعل العدو في موقف انهزامي لا يستطيع معه التطاول على مصالحنا الوطنية. ان القوة والقدرة الوطنية هي مجموعة من عوامل القوة الناعمة والصلبة والتي يجب إستخدامها بذكاء لخدمة المصالح والأمن الوطنيين. وان القرار كان صائباً عندما قررنا مواصلة البرنامج النووي السلمي رغم الضغوط الخارجية والعقوبات والتهديدات و... وتحول هذا الملف الى ساحة لمواجهة نظام الهيمنة ومن اجل تأمين المصالح الوطنية.. ان استراتيجية الاعتماد على القدرات الوطنية والطاقات المحلية في مجال السياسة الداخلية (الانتخابات الحماسية، شرعية النظام، والانسجام الداخلي و...) والسياسة الخارجية (السياسة الاقليمية الواعية وايجاد تحالفات حقيقية لاستقرار الامن والاستقلال الوطني والنشاط في المجال الدولي والدبلوماسي)، كل ذلك وفر ظروفاً جعلت العدو يقبل الخيار الوحيد المتوفر لديه وهو المفاوضات معنا بشروطنا وهي (استمرار التخصيب والاعتراف رسمياً بذلك، واستمرار البرنامج النووي السلمي وإلغاء الحظر المفروض). وذلك لأن الخيارات الأخرى مثل الحظر أو الهجوم العسكري قد فشلت عملياً في مواجهة القوة الوطنية للجمهورية الاسلامية (القوة الناعمة والصلبة.(
وأكمل: ان الحديث بلغة التهديد والعقوبات لا يمكنهما ردع ايران الاسلامية من إستيفاء حقوقها المشروعة، ولابد لذلك ان يكون عبرة لنا في اتخاذ القرارات المستقبلية واختيار الطريق الصحيح، ولتعزيز قوتنا وطاقاتنا الوطنية وتوفير المساحة اللازمة لاستيفاء حقوقنا وتحقيق مصالحنا الوطنية. وإن الانسجام الداخلي والوحدة الوطنية والاستغلال الأمثل للطاقات الوطنية لتعزيز القدرات في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والامنية، هي الطريقة الافضل للمحافظة وتعزيز القدرة الثابتة للبلاد من أجل مواصلة مسيرة التنمية الشاملة.
ولفت المقال الى ان الحكومة الاميركية الجديدة، التي اتخذت توجهاً تجارياً، تسعى مرة أخرى لاختبار مسارها الفاشل السابق بفرضها حظر جديد. ومع ان البعض يعتقد بأن هذا الاجراء هو خطوة اعلامية واستعراضية يراد بها ابتزاز واستغلال بلدان المنطقة أو تخويف بعض القادة الاوروبيين، لكن مع الأخذ بنظر الاعتبار التأثيرات النفسية والتنفيذية لمثل هذه الاجراءات على تطبيق كافة التزامات الاطراف الأخرى (5+1) في المباحثات النووية، فان تنفيذ السياسة الاستراتيجية لسماحة قائد الثورة الاسلامية الذي اكد عليها في لقاءاته الأخيرة بأنها (حساسيات الاتفاقية النووية)، هو امر لا يمكن تجنبه وعامل لفتح الطريق بالكامل. كما ان تأكيده ضرورة مواجهة الاطماع الاميركية بما فيها موضوع مصادقة مجلس الشيوخ على قانون العقوبات الجديدة (القانون في طريقه للمصادقة عليه)، هذه المواجهة هي اجراء لا بديل له ويجب العمل به بالإعتماد على الطاقات الهائلة الداخلية وتفعيل سياسات (الاقتصاد المقاوم) والاسراع في معالجة مسألة الانتاج والعمل. وبدون شك ان تجاوز هذه المرحلة بنجاح من شأنه ان يعزز البنى التحتية للإقتدار الوطني وتثبيت البنية الداخلية للنظام كخيار وحيد للمجابهة الفاعلة للعدو، مضيفا: لا ريب في ان اي كلام او عمل أو فكرة او حركة من قبل الافراد والجهات والمنابر ازاء تحقيق هذه النقاط سيكون بمثابة إعطاء العنوان الخطأ للعدو وعامل رادع امام الارادة الوطنية للتغلب على المشاكل وتبوُّء قمم التطور والعزة والكرامة المتواصلة التي يدعو لها على الدوام سماحة قائد الثورة. وفي هذا السياق، وبما يتعلق بتحديات السياسة الداخلية على برامج وخطط التحول الاقتصادي كأهم أولويات النظام، هناك حديث ذو اهمية بالغة سنخوض فيه في المستقبل.(۹۸۶۳/ع۹۴۰)