26 September 2017 - 17:24
رمز الخبر: 434997
پ
أبي المنى في مجلس عاشورائي في المجلس الشيعي:
أحيا المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الليلة الخامسة من محرم في قاعة الوحدة الوطنية في مقره، برعاية رئيسه الشيخ عبد الأمير قبلان وحضوره، وفي حضور حشد من علماء الدين وشخصيات سياسية وقضائية وعسكرية وتربوية وثقافية واجتماعية ومواطنين.
الشيخ علي الغول

عرف بالمناسبة الشيخ علي الغول وتلا المقرئ أنور مهدي آيات من الذكر الحكيم.

أبي المنى
وألقى رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز وأمين عام مؤسسة العرفان التوحيدية الشيخ الدكتور سامي أبي المنى كلمة باسم شيخ عقل الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن التي قال فيها: "أنقل إليكم بداية مباركة سماحة شيخ العقل الشيخ نعيم حسن بحلول السنة الهجرية الجديدة، راجيا معه أن تحمل معها بشائر الأمل بمستقبل أفضل لكم وللوطن وللأمة الإسلامية ولمنطقتنا العربية وللعالم بأسره، مقدما لكم التعازي باستشهاد الإمام الحسين وراجيا أن تبقى ذكرى عاشوراء دائما محطة لجمع الشمل وإصلاح الحال وانتصار إرادة الحياة على الموت، تماما كما انتصر دم الحسين على سيف يزيد ومن معه من الظالمين".

اضاف: "إن إحياء هذه الذكرى في مجلسكم الكريم، كما في غيره من الأماكن والمنتديات والحسينيات، لهو أبلغ دليل على التعلق بنهج الحسين وسيرته العطرة، تعلقا بالحق الذي يمثله، والدين الذي استشهد من أجله، وهو من خرج في سبيله صادعا بالحق، مواجها سيوف الباطل بثقة المؤمن بالقضية، ماضيا إلى شهادة التاريخ دون خوف أو تردد، فبقيت ذكراه حية في الضمائر والقلوب، وأضحت عصية على الموت والنسيان".

وتابع: "لقد حمل الحسين كل القيم الإنسانية التي أرسل لأجلها جده الرسول هدى ورحمة للعالمين، قيم الهدى والرحمة والإنابة من ظلمة الأنا الدنيوية إلى النور الذي يجمع أهل الخير ليكونوا دائما كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا. حمل بأمانة أمانة القيم القرآنية بأسمى تجلياتها، سالكا مسلك الأنبياء في مسيرته السنية القانية من المدينة إلى كربلاء، ومن اليقين إلى الشهادة، وهو ما اندفع إلا إلى مرضاة الله تعالى، تاركا خلفه عرض الدنيا الزائل، منطلقا بروحه الرسالية إلى رحاب الإنسانية والكونية، وكأن تلك الروح الحسينية، بمعناها القرباني الأسمى، كانت ولم تزل عابرة للزمان وللظروف والانقسامات".

واشار الى انه كتب الكثير عن الحسين وقيل عنه الكثير، منهم من كتب بدافع الولاء والمحبة، ومنهم من أفصح عن إعجابه وتقديره بتجرد إنساني محض، وهم عشرات بل مئات ممن وقفوا على سيرته وتفهموا دوره ومنطلقاته وأهمية حركته. أحد أولئك المعجبين المستشرق الألماني ماربين الذي قال: "قدم الحسين للعالم درسا في التضحية وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما. لقد أثبت لجميع البشر أن الظلم والجور لا دوام لهما، وأن صرح الظلم مهما بدا راسخا وهائلا في الظاهر إلا أنه لا يعدو أن يكون أمام الحق والحقيقة إلا كريشة في مهب الريح". وقال المفكر المسيحي أنطوان بارا: "لو كان الحسين مسيحيا لأقمنا له في كل أرض منبرا، ولدعونا الناس إلى المسيحية باسم الحسين". أما الزعيم الهندي المهاتما غاندي فقال: "لقد طالعت بدقة حياة الإمام الحسين، شهيد الإسلام الكبير، ودققت النظر في صفحات كربلاء، فاتضح لي أن الهند إذا أرادت إحراز النصر، فلا بد لها من اقتفاء سيرة الحسين... لقد تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر".

وقال: "هذا غيض من فيض مما قيل صدقا وشهادة، من الغريب قبل القريب، ولا عجب، فالإمام الحسين مدرسة ونهج لمن أراد الصلاح والإصلاح، وهو "ليس شخصا وحسب، بل هو مشروع إنساني... وهو ليس فردا عاديا وكلمة تقال، بل هو منهج وراية...". وما قيل في الحسين يصح أن يقال مثله في رفاق الحسين الذين أطاعوه وساندوه ومشوا معه في درب الحق والجهاد والشهادة، فهذا هو العباس سند الحسين الأول الذي ظل رأسه شامخا ولم ينحن إلا لله... وتلك هي زينب القلب النابض دفئا والعقل الراجح فهما، وقد لبست عباءة أمها فاطمة... ووقفت إلى جانبه، كما لبس الحسين رداء أبيه علي في مواجهة الباطل، وحملت آلام أهل البيت جميعا كما حملت مريم الآم السيد المسيح".

وتابع: "لقد كان قدر الحسين وزينب والعباس وسواهم من شهداء أهل البيت أن يواجهوا الصعاب والتحديات حفاظا على جوهر الإسلام، وأن يتوجوا بالشهادة، بالرغم من أن الحسين انتهج نهج المسالمة وما تفوه إلا بالكلمة الطيبة في دعوته، مستعملا لغة العقل والحكمة، ناصحا، موجها، وثابتا في مواجهة التحدي، داعيا للقبول بالحق وللتوحد ضد الظلم والفساد، وللارتقاء بالجهاد إلى معناه الأسمى، وبالإسلام إلى مستوى الرسالة، ولم تكن ثورته ثورة شيعية على السنة، ولا دعوة لإشعال الحرب بينهما، كما يروج الحاقدون المفترون على الأمة، بل كانت صرخة مدوية في وجوه الظالمين وفي مواجهة الحالة المرضية التي لم يعدْ جائزا التغاضي عنها، حتى ولو أدى الأمر إلى الاستشهاد في سبيل بقاء الرسالة وحياة الأمة".

اضاف: "صحيح أن المواجهة انتهت بمأساة تاريخية، وسالت معها الدماء الزكية، وحلت الفاجعة الكبرى بآل بيت الرسول، ولكن تلك المأساة الثقيلة أنبتت شعلة النور التي لم تنطفىء، بل ازدادت نورا على نور في مسيرة الإسلام والتوحيد، "... نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الامثال للناس والله بكل شيء عليم" (سورة النور الآية 35‏).

واكد "ان الرسالة التي استشهد من أجلها الحسين كانت تقتضي إضاءة زيت الشهادة لينتشر نور الحقيقة، وغاية الحسين لم تكن شخصية أو سطحية، بل كانت الإصلاح الحقيقي في المجتمع وفي الأمة، بدءا بإصلاح الذات، لأن المؤمن الحق هو من "خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى"، وهو من أدرك أن الثورة الحقيقية تكون بامتشاق سلاح التقوى وبالثبات على الإيمان أولا، ثم بالوقوف في وجه الظلم. وعلى هذا الأساس انطلق الإمام الحسين في حمل الرسالة، كمسلم مؤمن وكإمام قدوة، فلم يعبر عن حالة يأس، ولكنه عبر عن حالة رفض، معتبرا أن الموت في خط الجهاد سعادة، ومقتنعا أن الإنسان بذلك يؤكد انتماءه وعبوديته لربه، أما القبول بالحياة مع الظالمين دون مواجهة فإنها تمثل الحياة التي لا حيوية فيها. ولذا، كان الحسين يعيش تلك الرسالة ويعمل على تعميقها في نفوس الناس من حوله، محاولا حثهم لمواجهة الدنيا، وهو الذي خاطبهم بقوله غداة يوم عاشوراء: "عباد الله، اتقوا الله، وكونوا من الدنيا على حذر، فإن الدنيا لو بقيت لأحد أو بقي عليها أحد، لكان الأنبياء أحق بالبقاء... غير أن الله خلق الدنيا للبلاء، وخلق أهلها للفناء... فتزودوا فإن خير الزاد التقوى...".

وقال: "إذا تمعنا بواقعية ونظرنا بعين الإيجابية في هذه المناسبة يمكننا أن نرى في الإمام الحسين رمزا للوحدة الإسلامية، فكيف لنا أن نقول بالثأر كيفما كان، وأن نوجه التعبير القائل: "يا لثارات الحسين" إلى فئة من المسلمين؟ بينما المقصود هو كل طاغية ومستكبر ومنحرف عن خط الرسالة، وكل سلطان جائر مخالف لسنة رسول الله، وكل متعامل مع الناس بالإثم والعدوان، فهؤلاء هم الذين يجب أن نثأر للحسين منهم، سواء كانوا من المسلمين أو من غيرهم، وبذلك تبقى الروح الرسالية قائمة ولا تتوقف عند حقد كامن أو ثأر في غير محله، ولا يعاش الحسين في الإطار الشيعي وحسب، ولكن في الإطار الإسلامي الأشمل وفي الإطار الإنساني الأوسع".

وتابع: "إننا إذ نقف أمام الذكرى ونشارك في إحيائها، فلكي نستمد منها العبر والدروس، وأول درس يجب أن نتعلمه هو الانتصار للحق وعدم الرضوخ للباطل، والاستعداد الدائم للمواجهة، بما في ذلك من انتصار لكرامة الإنسان والأمة، فإذا كان عنوان الإسلام الرضى والتسليم، فإنه حتما لا يعني الاستسلام والجمود، وإذا كان الرضى يعني القبول والركون إلى القدر والواقع، فالتسليم يعني المبادرة والعمل والمواجهة من أجل تحقيق غاية الإسلام". 


وقال: "ها هو الإسلام يتعرض اليوم لأبشع أنواع الاعتداء على رسالته وقيمه، فكيف يجوز الرضى والقبول، بينما العدو يكيد للعرب والمسلمين كيدا عظيما، والقوى العظمى تتنافس على حساب حقوق الشعوب وأحلامها، والعالم الإسلامي غارق في العجز والتفكك والصراع، وكأن أولي الأمر لا يدركون أن في المنازعة ذهاب ريح الكرامة، وضربا لوحدة الأمة، ومخالفة للعقيدة القرآنية ولأمر رسول الله، فيما الأعداء الحاقدون يترقبون أبناء العروبة والإسلام وهم يفتكون بعضهم ببعض، ومعظم المسؤولين في بلداننا يغلبون مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن، ويتبارون في خصوماتهم وتعنتهم، وهم عاجزون عن استنباط الحلول للأزمات، ومشتتون غارقون في أوهامهم وخلافاتهم، لا يقيمون وزنا لكرامة الإنسان، ولا يقفون سدا منيعا في وجه المتطرفين المتعصبين التكفيريين، وفي مواجهة الحكام المتسلطين، وكأن هناك مرضا عضالا يفتك بجسد الأوطان والأمة، أو مخططا جهنميا يقود البلدان والشعوب نحو الهاوية، أو كلمة سر خبيثة تسقط كل محاولات الإصلاح وكل التسويات".

واضاف: "اما ما يحصل في بلدنا اليوم فأمر غير مقبول، على صعيد ما تتخبط به الدولة من تناقضات وما يثار من مشاكل، بدءا بموضوع الرواتب والضرائب والهدر والفساد، وصولا إلى الموضوع الانتخابي وإشكالياته، وإلى ما يشكو منه المواطن من تجاوزات ومحسوبيات وبطالة وفوضى، وما يتراكم في ملفات الدولة من قضايا عالقة مرمية في الأدراج، وما يتكدس في الشوارع والبلدات من نفايات ومخالفات... صحيح أن الجيش اللبناني أنجز بجدارة ما يستحقه الإرهاب من هزيمة، ولكن الإشكاليات التي تبرز عند كل مفترق ومحطة، وفي علاقات الدولة الخارجية وفي العلاقات الداخلية بين مكوناتها، كلها تثير القلق على المصير، ونحن ننتظر قيام الدولة القوية القادرة والعادلة والمطمئنة كل أبنائها إلى مستقبلهم وعيشهم الآمن والكريم، وقد طال الانتظار".

وتابع: "لكننا، أيها الأخوة، وعلى عادتنا، وبكل صدق وواقعية، نستغل كل مناسبة أو ذكرى دينية، أو عيد أو محطة وطنية، لنعيد إيقاد شعلة الأمل في النفوس، وهذا ما يجب أن يفعله الحسينيون دائما، إلى أي طائفة أو مذهب انتموا، لنتجاوز في كربلاء حالة البكاء وذرف الدموع وإراقة الدماء، ولتكون المناسبة محطة للتوبة والسعي الحثيث لتطهير النفوس والارتقاء بالمجتمعات، وحافزا للإصلاح والصلاح، وسبيلا للانتصار على الفرقة والكراهية، ومناسبة لتأكيد معاني الوحدة والإنسانية، ولمجابهة كل محاولات استيلاد عوامل التفرقة والشقاق والاقتتال، وعملا دؤوبا ممنهجا لتعزيز ثقافة المواطنة واحتضان التنوع وبناء السلام، وثورة دائمة من أجل تحقيق الأمان والسلام".

وختم ابي المنى كلمته بقصيدة من وحي المناسبة. ثم تلا السيد نصرات قشاقش السيرة الحسينية، والشيخ موسى الغول زيارة الامام الحسين.(۹۸۶۳/ع۹۴۰)

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.