أما التقوى فتعني القيام بهذه المهمة وتحقيقها، والتي جعلها سبحانه ميزان التفاضل بين الناس "ان اكرمكم عند الله اتقاكم"، واكرمكم هنا تعني المفاضلة، وما هي هذه المهمة التي كلف القيام بها؟ وما معنى ان يكون الانسان خليفة الله؟ الجواب هو ما نفهمه من قوله تعالى: يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه، والكدح هو بذل الجهد في سبيل الارتقاء بنفسه في سلم الصفات الالهية، كمخلوق محدود القدرات- الى ارقى الدرجات الممكنة في التربية النفسية، وان يعكسها في الممارسة السلوكية والعملية، فالله تعالى اسمه عادل لا يظلم احدا وهو رحمن رحيم، وغيرها من صفاته التي يتصف بها. وبمقدار ما يحقق الانسان لنفسه من درجات في هذا المضمار ويسلكها في سلوكه في الحياة ومع الاخرين يكون قربه الى الله تعالى. ولقد وضع سبحانه وتعالى القواعد الاخلاقية والشرائع للانسان ليدله على طريق الوصول الى بلوغ هذه الصفات".
وأشار الى ان "السلوك انعكاس لما يتمتع به الانسان من مواصفات اخلاقية، والقيم الاخلاقية هي الاساس الذي تبنى عليه الشرائع وكلما كانت متجذرة في الفرد والمجتمع امكن التمسك بهذه الشرائع وتطبيقها، فالشريعة مرتبطة بالاخلاق والقيم الاخلاقية وهي بدورها مرتبطة بالايمان، وهناك ثلاث مراتب: الاولى هي مرتبة الايمان، وهي ما يصطلح عليه بالعقيدة، والثانية القيم الاخلاقية، والثالثة الشريعة أو الدستور، وما يتفرع عنها من قوانين، لقد اسلفنا ان القيم الاخلاقية هي اساس في امكان تطبيق النظام المصطلح عليه بالشريعة وحينما تتعرض هذه القيم لاي اختلال يتعرض النظام للسقوط والزوال، وهو يعني شيوع الفوضى الذي يؤدي حتما الى سقوط العدالة وموازين القسط، وعلى الظلم والعدوان وشيوع شريعة الغاب وسقوط المجتمعات وهو ما نشهده في عالم اليوم".
ولفت الخطيب الى ان "المشكلة التي تعانيها الانسانية اليوم، سواء على مستوى مجتمعاتنا الوطنية أو على المستوى الدولي وما نشهده من حروب ظالمة وعدوانية وارتكابات فظيعة، قد تكرر الفظائع التي حدثت في التاريخ الانساني. إن المشكلة الانسانية في ذلك هي السقوط الاخلاقي واختلال نظام القيم الذي يجب ان يحكم السلوك الفردي والجماعي للامم، وهو ما حدثنا الله عنه في كتابه العزيز عن أسباب هلاك الامم السابقة في قصص الانبياء واقوامهم، وهو في ما يحدثنا عن الطغاة الذين واجهوا الانبياء والرسل، ليوجه النظر الى اقوامهم فيقول سبحانه عن فرعون وقومه: فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين". وما كان لظالم سواء اكان فردا او نظاما عالميا ان يتمكن من الحكم والظلم لو لم يستخف بمن يظلم، فهم الذين اعطوه القدرة على الاستخفاف بهم، وباستخفافه بهم اطاعوه ومكنوه من رقابهم، وما كان له ان يستخف بهم الا بانحطاطهم الاخلاقي ونزوعهم الى السكينة والجبن وسكوتهم عن قول كلمة الحق وفقدانهم الشجاعة".
وتطرق الى الاوضاع الداخلية في لبنان فقال: "ان المشكلة اليوم في لبنان ليست نابعة من طبيعة النظام كما يزعم البعض، ولو كانت كذلك لكان الخروج منها اسهل مما نتصور، ولكن في الواقع المشكلة اخلاقية اكثر منها سياسية، ولا ننكر ان هناك مشكلة نظام، وهذه المشكلة تولد الازمات على كل الصعد، ولكن مشكلة النظام وليدة العقلية السياسية والاخلاقية التي تتحكم بالمجتمع اللبناني، وهي اخلاقية الاستئثار والنظرة الدونية التي ينظر بها البعض الى البعض الآخر. انه نظام قائم على اساس لااخلاقي ولا انساني، وعلى اساس الخوف والتخويف من الاخر، وادت الى ما ادت اليه من حروب وخراب وقتل ودمار للبشر قبل الحجر وانتهاك لكل المحرمات، استغلت في الطوائف ايما استغلال في سبيل مشاريع خطيرة، وتحولت بعد ذلك الى حروب داخل الطوائف، ووقفنا مع بعض المخلصين في هذا الوطن ضد نشوبها واهدافها وكان موقف الامام موسى الصدر واضحا لا لبس فيه على هذا الصعيد وجهوده المخلصة من اجل وقفها والتي بسببها دفع ثمنا غاليا من مصيره واهله ومحبيه، وخطف من ساحة جهاده. واخيرا قبلنا باتفاق الطائف الذي اسماه الامام محمد مهدي شمس الدين اتفاق الضرورة، لان مصير لبنان ووجوده اصبح في خطر، فكان همنا السلم الاهلي والحفاظ على لبنان المهدد من العدو الاسرائيلي وبالاخص على جنوبه".
وتابع الخطيب: "لقد كان الثمن الذي دفعه اللبنانيون للوصول الى اتفاق الطائف كبيرا جدا، وابقي هذا الاتفاق مفتوحا على الاصلاحات وبالاخص في ما يتعلق بالغاء الطائفية السياسية التي يعمل البعض على منع حصولها للحفاظ على امتيازات لا اساس اخلاقيا او انسانيا لها. انها مشكلة اخلاقية ايها السادة والا لانتهت مشكلة النظام كما انها ليست مشكلة انتخابية فقط، فلا مواثيق ولا عهود يلتزمها ونقطة على السطر كما يقال. ونحن اذ ندعو الى الحفاظ على السلم الاهلي باعتباره خطا احمر لا نسمح لاحد بتجاوزه، فاننا نطالب الجميع بأن يبذلوا الجهد للحفاظ على استقرار لبنان وحفظ امنه وعيشه المشترك".
ورأى أن "تهديدات العدو الصهيوني ضد لبنان تكشف عن نياته العدوانية وأطماعه التاريخية في ثروات لبنان، ولا سيما ان كيانه الشيطاني قائم على الظلم والعدوان واغتصاب الارض وتشريد الشعوب وانتهاك المواثيق والاعراف، ولبنان المنتصر بجيشه وشعبه ومقاومته على احتلال اسرائيل وعدوانها قادر اليوم على احباط مؤامرات وتهديدات العدو وإسقاط أحلامه وأوهامه في تحقيق نصر في عدوان جديد على لبنان". (۹۸۶/ع۹۴۰)