هذا الاعلان لا يعني بطبيعة الحال عدم السعي السابق في اكثر من ميدان لمواجهة الهدر والفساد، كما ان توقيت هذا الموقف لم يكن متعلقا بأن المرحلة مرحلة تنافس انتخابي بل لأن الامور الاقتصادية والادارية وصلت الى خطورة كبرى، وسيسعى حزب الله سواء في الحكومة المقبلة او في الندوة البرلمانية الى ترجمة ذلك بخطوات ومواقف عملية اشار الى بعضها السيد نصر الله بالخطوط العريضة.
أولوية مكافحة الفساد.. أيا تكن الصعوبات
والحزب عازم على تأدية هذه المهمة على الرغم من خطورتها المعلنة بحسب ما أكد السيد نصر الله باعتبارها حساسة وقد تجلب عداوات اضافية لحزب الله والمقاومة، حيث قال “نعرف اننا سنواجه صعوبات، ستحصل لنا عداوات جديدة، ونحن بغنى عن العداوات، لان اليوم اميركا وبعض الدول الاقليمية تنفق اموالا لتجلب لنا عداوات، ونعرف ان الدخول الى هذا الملف سيجلب لنا عداوات وحساسيات داخلية.. لكن يبدو ان البلد وصل الى مرحلة لم يعد بامكاننا ولا بامكان غيرنا الصبر على معالجة هذا المرض الخطير الذي قد يودي بجسد الدولة والمجتمع..”، وهذه العداوات قد تظهر انطلاقا ان العديد من الجهات لا يهما محاربة الفساد فعلا بل هي تهدف للمتاجرة بهذا الشعار وغيره من العبارات الرنانة بينما الواقع انها تتعايش وتدعم تياراتها وأحزابها من مال الدولة والبعض يؤسس امبراطورياته المالية والسياسية من حساب وجيوب اللبنانيين، حتى اننا نشهد الكثير من الوعود التي يطلقها البعض في زمن الانتخابات حول مئات آلاف فرص العمل والمشاريع علما انها لو صدقت فهي ستقدم من الدولة اللبنانية ومؤسساتها وليس من هذا الزعيم او ذاك.
وإعلان السيد نصر الله عن أولوية مكافحة الفساد بكل أشكاله وبشتى الطرق لاقى صدى مهما لدى العديد من القوى والجهات السياسية وغير السياسية اللبنانية سواء ممن يتحالفون مع حزب الله ويتفقون معه في السياسة الداخلية والقضايا الاستراتيجية او حتى ممن يصنفون من خصوم الحزب السياسيين، فالامر كما اكد السيد لم يعد يحتمل، ولذلك هو يحتاج الى وقوف جهة وازنة وصادقة كحزب الله لتكون في طليعة القوى المقاومة والمكافحة للآفات التي تنخر في جسد الدولة اللبنانية وصولا لصيانتها والحفاظ عليها وتحقيق المزيد من الانتصارات لصالح الوطن والمؤسسات فيه وتقوية منعته وسيادته الداخلية، لان الفساد اليوم يهدد سيادة لبنان على مؤسساته واقتصاده وماليته العامة، وجميع الجهات باتت تحذر بشكل صريح من خطر الافلاس والانهيارات الاقتصادية المحتملة، على الرغم من وجود بعض التطمينات في هذا المجال من قبل الجهات الاقتصادية والمالية الرسمية وغير الرسمية.
والحقيقة ان الردود الايجابية التي اكد بعضها ملاقاة حزب الله في منتصف الطريق في محاربة الفساد والتفرغ معه لهذا الامر خاصة بعد الانتهاء من غمار الانتخابات النيابية، جاءت لتذكرنا بما حصل خلال وبعد عدوان تموز 2006 عندما أعلن السيد نصر الله في احدى كلماته وقبل انتهاء الاعتداءات الاسرائيلية ان حزب الله سيقوم باعادة الاعمار وسيتم وضع آلية لذلك عبر ضخ المال النظيف والطاهر في هذه العملية وان ذلك سيؤدي الى جلب اموال اخرى من جهات متعددة فقط لان حزب الله قام او سيقوم بعملية اعادة الاعمار، وفعلا بمجرد اعلان الحزب عن رغبته بدفع تعويضات والبدء بمستلزمات إعادة الإعمار للمناطق المتضررة، بدأت النيات تعلن وأطلقت الكثير من الوعود بالمشاركة والمساهمة في اعادة بناء ما هدمه العدوان ودفعت تعويصات بنسب معينة، وقد أدى ذلك الى مزيد من الدعم للشعب اللبناني الذي واجه الاحتلال والعدوان.
الملاقاة في منتصف الطريق.. ماذا عن “سيدر”؟!
واليوم يكفي ان يكون حزب الله هو حامل لواء محاربة الفساد لكي نشاهد العديد ممن سيهتمون بمكافحة الفساد سواء من منطلق الرغبة الحقيقة لمكافحته او من منطلق المزايدة فقط على حزب الله وكي لا تصيبهم لاحقا سهام مكافحة هذه الآفة التي يغرقون بها بنسب متفاوتة، وبكل الاحوال سينعكس الامر ايجابا وخيرا ان شاءالله على الواقع اللبناني وعليه يجب ان نجد ونبحث عن الآثار الحسنة التي تتحق في دنيا الواقع.
على الرغم من كل ذلك نجد بعض الجهات دفعت باتجاه الاستدانة من جديد عبر مؤتمر “سيدر” لدعم الاقتصاد اللبناني او ما يمكن تسميته بـ”مؤتمر باريس4″ حيث شاركت فيه جهات دولية وعربية عديدة، والغريب ان البعض يروج لهذا المؤتمر وكأن الهدف منه الانقاذ وتحسين الوضع الاقتصادي مع وجود مخاوف حقيقية لدى شريحة كبيرة من اللبنانيين من ان يكون الهدف هو الاستغلال السياسي والانتخابي لنتائج هذا المؤتمر، بالاضافة الى المخاوف من تكرار ما حصل في المؤتمرات السابقة التي عقدت ايضا في باريس واستدانت فيها الدولة اللبنانية من الخارج وركبت ضرائب اضافية على اللبنانيين بينما النتيجة كانت فشل الكثير من المشاريع نتيجة الفساد المستشري والاختلاس والسرقة التي حصلت لكثير من الاموال التي دخلت الى البلد تحت عنوان الاقتراض، والسيد نصر الله سبق ان حذر من تكرار هذا الامر وانه لا يجب ايهام الناس اننا سنجلب لهم الاموال بينما الواقع اننا سنركب عليهم المزيد من الديون التي ستتحمل تبعاتها الاجيال القادمة.
وبهذا السياق، قال السيد نصر الله “.. إذا كانت قروض طبعاً سيحصل نقاش بالحكومة، بمجلس النواب.. لأن هذه سيحملها الشعب اللبناني، ديون إضافية وفوائد الدين.. إذا قروض لحاجات أساسية للجيش والأجهزة الأمنية هذا طبيعي، لكن إذا لكماليات فيحتاج الأمر إلى نقاش”، وتابع “بيستاهل أن نحمل الشعب اللبناني ديون لنفرض بعد ذلك ضرائب عليه، هذا يحتاج لنقاش..”.
بالخلاصة فإن أي قروض جديدة بحاجة الى نقاش جاد حول ماهيتها ونتائجها المالية على الدولة والمواطن وكيفية الاستفادة الصحيحة من الاموال وإن كان الافضل هو الهبات لا القروض، لا سيما اذا كان هناك تجارب سيئة سابقة متعلقة بالقروض ولا سيما في ظل سياسات مالية مرت على لبنان لم تكن بالمستوى المنشود، ومن هنا ايضا تبرز أهمية مكافحة الفساد التي تحدث عنها السيد نصر الله كأولوية مقبلة. (۹۸۶/ع۹۴۰)