17 August 2018 - 20:00
رمز الخبر: 445122
پ
السيد جعفر فضل الله:
ألقى السيد جعفر فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين.
 السيد جعفر فضل الله:

ومما جاء في خطبته السياسية:

"فيما تستمر معاناة اللبنانيين بسبب تفاقم الأوضاع المعيشية وتدهور الأوضاع الاقتصادية من دون أن يلقى هذا الواقع الضاغط أي عناية من المسؤولين يدفعهم إلى الإسراع بتشكيل الحكومة والبدء بورشة الإصلاحات ومواجهة الفاسدين، لا بد من التأكيد وحتى لا يحبط اللبنانيون أن تحقيق ذلك مرهون ببناء الدولة، وكأنه إلى الآن لا قرار بقيام دولة بالمعنى الحقيقي، فالبلد لا يزال عبارة عن تجمعات طائفية التقى زعماؤها على مسرح صراع من دون أن يكون للبنانيين رؤية مشتركة تجمعهم، تجاه وطنهم وعلاقاته وأوضاعه، ولذلك كان التوافق هو القاعدة التي شكلت توازنات هشة أخضعت الوطن لتسويات ومحاصصات على أكثر من صعيد. 
والأنكى من ذلك، أن اللبنانيين لم يتوافقوا حتى على إدارة البعد الحياتي المرتبط بأدنى شروط العيش؛ من ماء وكهرباء وإدارة السير والنفايات والتلوث وكيفية الحد من البطالة والتنمية المحلية وما إلى ذلك.. من دون أي معالجة للفساد لأنه بات جزءا من منظومة عمل الدولة؛ لأن النظام الطائفي أصبح نظام محاصصة، والمحاصصة هي الوجه الآخر للفساد. 
مع الأسف، ذهنية المنفعة الشخصية، وتسخير العام لمصلحة الخاص، ما تزال متحكمة بالكثير من المواقع، وهو الذي جعل الكثيرين يخافون من أي حالة تلبس بالقوة، ولذلك حتى النصر العسكري يسعى كثيرون لتصويره على أنه هزيمة! وهذا أنكى ما يمكن أن يتنازل إليه منطق!".

أضاف: "يجب أن نعرف كأبناء لهذا البلد، وفي ضوء هذا المشهد، أن الانتخابات التي وعد اللبنانيون بأنها سوف تفتح باب الخلاص، لم تحقق لهم ذلك، لأن الانتخابات وحدها لا يمكن أن تحل المشكلة؛ لأنه غالبا ما تجري الانتخابات على أساس خوف الطوائف والجماعات على نفسها وهويتها وعلى خيارات استراتيجية هنا وهناك، كما أن الانتخاب في ظل نظام فاسد يعيد إنتاج نظام المحاصصة. والصالحون في ظل هذا النظام إذا حافظوا على استقامتهم فإنهم لا يستطيعون خرق التوازن الذي يفرضه نظام المحاصصة بين الطوائف. 
فمن يستطيع أن يغير هو الشعب، وذلك عندما لا يدخل بعد الانتخابات في غيبوبة تجاه متابعة من صوت له.. ولا بد لهذه المتابعة من أن لا تتم عبر الفوضى، أو عبر الكلمات غير المسؤولة التي قد تدخل البلد في أتون فتن اجتماعية وأمنية. 
ثمة إمكانات كبيرة لدى فئات اجتماعية وازنة، لا بد من أن تسعى لتشكيل حركات اجتماعية فاعلة تتجاوز رفع الشعارات، تعرف ما تريد، وكيف تحرك الواقع بناء على خطط وبرامج وأهداف، وهو ما يمكن أن يشكل ضغطا حقيقيا على جميع المسؤولين، وخصوصا حين تنجح مثل هذه الحركات في أن تكون مستقلة وملتزمة بالمبادئ والمصالح الحقيقية للشعب".

وتابع فضل الله: "نطرح هنا مثالين لتأثير الوعي: 
كلنا نتذكر عندما نزل الناس إلى الشارع للضغط في سبيل حل مشكلة النفايات.. يعرف الناس ما يريدون نظريا، ولكنهم لم يستطيعوا أن ينسقوا الخطوات في سبيل الضغط اتجاه هذه المشكلة، فتعددت الشعارات، واختلطت الأوراق، واستطاع الفاسدون أن يلعبوا على التناقضات بما جعل المجتمعين يتفرقون لانعدام رؤية موحدة لنيل الحقوق، ولا تزال النفايات في الشوارع حتى اليوم. 
إن المطلوب حراك شعبي مؤثر يشكل نوعا من حكومة الظل الشعبية، والتي تدرس المشاريع كما لو كانت هي الدولة، وتسعى لتحريك الرأي العام بشكل منهجي ومدروس، وهذا هو الذي يحمي أي مشروع إصلاحي في البلد. 
إن مواجهة الفساد ليست ملفا من الملفات، وإنما هي حركة وعي عملي، وإرادة بين الشعب وقياداته التي تريد أن تندرج في المشروع الإصلاحي، وإذا ما بقي الشعب اتكاليا، فإن تحقيق الغايات لا يأتي من وراء الغيب، وإنما تتحرك أدواته ضمن شروط الواقع، وبذلك يثبت أنه شعب حي يمكنه أن يغير نسبيا إن لم يغير كليا". 

وختم: "إننا أمام الواقع الإقليمي المهتز والمليء بالصراعات، والذي يهدد مصالح الجميع، فإنه لا بد من توفير مقومات الحد الأدنى لوقف التدهور، بالإصرار على وحدة الوطن الداخلية، وأن يصوغ علاقاته الخارجية من موقع مصالحه الواقعية، سواء ما يرتبط بحماية حدوده تجاه الاعتداءات الخارجية، أو من جهة علاقاته بالمحيط والجوار العربي والإسلامي، ومع الأسف فإن الحاصل اليوم هو ربط كل شيء بالنزاع الإقليمي، حتى في الأمور الدستورية الطبيعية التي أصبحنا معتادين على المماطلة فيها تحت ذرائع لا تثبت أمام الواقع. 
وأخيرا، تمر علينا ذكرى انتصار آب 2006، وهي المناسبة التي تؤكد أن البلد قادر على أن يكون بلدا عزيزا ومستقلا، في الوقت الذي يسخر علاقاته في سبيل مصلحته، وهذا الأمر كان ينبغي أن ينسحب على الواقع السياسي الرسمي، بحيث يصاغ النظام والأداء السياسيين انطلاقا من هذه الروحية التي تضحي المنافع الشخصية لمصلحة الوطن إلى مستوى بذل الدماء والشهادة، فكيف بما هو أقل من ذلك بكثير". (۹۸۶/ع۹۴۰)

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.