ومما جاء في خطبته السياسية: "بالأمس القريب والمنطقة لا تزال تعيش في حالة من الترقب جراء الحادثة الخطيرة التي حصلت في القنصلية السعودية في تركيا في الآونة الأخيرة والتي لا تزال ارتداداتها السياسية والإعلامية متواصلة على قدم وساق... وبمعزل عن طبيعة ما جرى، فإننا نريد للملفات التي تفتحها الدول على هذا الصعيد أن تكون محكومة بقيم حقوق الإنسان وحماية الديموقراطية وحرية التعبير، لا ملفات للتوظيف السياسي؛ تدار فيها المحاكمة على طريقة المفاوضات غير المعلنة، لتعزيز المواقع، أو تصفية الحسابات أو ممارسة الابتزاز السياسي، وإن كنا لا نعدم وجود قوى وازنة في الرأي العام الدولي تقارب الأمور من ناحية حقوقية وقانونية".
اضاف: "إننا وإن كنا نستنكر ما حدث، وندعو إلى المحاسبة النزيهة، إلا إنه لا يسعنا إلا أن نشير إلى المعايير المزدوجة التي تحكم السياسة الدولية في التعاطي مع مثل هذه القضايا ولا يملك الإنسان هنا إلا أن يستحضر قول الشاعر:
"قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر"، وهذا كله يدل على فساد منظومة القيم في السياسة العالمية".
وتابع: "وعلى أية حال، فلا بد لنا كمسلمين من أن نعتبر ونتعظ من طريقة الإدارات الغربية في التعاطي معنا، دولا وشعوبا وحتى حكاما وأفرادا، عند حصول أي حدث قد يمثل حرجا لهم في ما يتصل بعلاقات هذه الدول، أو بعناوين حقوق الإنسان التي تدعي الإدارة الأميركية وغيرها الحرص عليها".
وقال فضل الله: "ان هذه الإدارة وفي ضوء مواقفها من هذه الحادثة تعمل على معالجتها بعين المصالح التجارية ومصالح الكيان الصهيوني، ولا تستنكف من أن تعبر علنا عما تريده من نهب ثرواتنا عيانا وجهارا، أو النظر إلينا بلا مبالاة، إلا أن نكون البقرة الحلوب لمصالحهم، والزبون المناسب لشراء الأسلحة، شرط أن لا نستخدمها إلا في الصراعات الداخلية".
اضاف: "إننا في هذه الظروف ندعو إلى مراجعة وطنية وعربية وإسلامية لكل سياسات المرحلة السابقة، فبلادنا لن تقوم لها قائمة إذا استمرت في سياسات التبعية للدول الكبرى، وأن يحاول كل بلد أن يعزز حضوره ونفوذه على حساب إخوانه من دول الجوار، وهو ما لا ينسجم مع تطلعاتنا الإسلامية والتحررية، وخصوصا بعد أن أثبتت التجارب المرة أنه لا يمكن لدولة أن تستأثر بالمنطقة دون الآخرين، إن من خلال الدخول في صراعات التدمير الذاتي أو الإبادة الجماعية أو التآمر على بعضنا البعض أو الاستنزاف لطاقاتنا المتنوعة، وهو ما يخدم القوى الدولية المسيطرة".
وشدد على "ضرورة التعاون المشترك بين دول المنطقة، وتسخير مقدراتنا من أجل حماية مصالح بلداننا، والعمل على تعزيز الحضور الإسلامي والعربي المشترك في مساحة قضايا المنطقة، والاعتماد على الرمزية الإسلامية العالية التي تمتاز بها بعض الدول من أجل تحقيق التقارب والوحدة في ما بيننا". وقال: "إن هذا يستدعي إيقاف الحروب في المنطقة، بدءا من اليمن وسوريا، والعمل على إعادة السلم الأهلي إلى أكثر من بلد يعيش القلق الداخلي، ولا سيما في البحرين، والعمل على إعادة الاستقرار إلى ليبيا وحمايتها من النهب والسلب الذي يجري على طرف وساق، ووقف الانخراط في سياسة الحصار الممارس على إيران؛ فلن يستطيع أحد أن يلغي أحدا مهما طال الزمن".
ورأى "ان اتباع سياسة المصالحة بين دول المنطقة لتعزيز السلم الأهلي في كل دولة من دولها على قاعدة استيفاء كل مكونات البلد حقوقها، هذا الأمر هو يحفظ بلادنا ويبعدها عن الانسياق وراء خدمة المصالح الدولية التي لا تريدنا إلا على هامش سياساتها واقتصادها وفي موقع الدونية والخضوع. ولا شك أن العودة إلى التضامن العربي والإسلامي هو أثقل في الميزان عند الله إن كنا حقا ندين بالمعاد، وهو أقرب إلى كل معاني العروبة إذا رجعنا إلى قيم عروبتنا".
وأمل "أن يكون لهذا المخاض في لبنان فرصة للتفكر في الطريقة التي تدار بها أموره السياسية، والذي يكاد يصير عرفا أن يتأخر تشكيل الحكومات، بما يشعر المرء بأن التفاوض على الحكومة بين كثير من القوى السياسية يجري على قاعدة التفاوض التجاري أكثر مما هو التفاوض من أجل مصلحة الشعب، مما لا يصل بالبلد إلى شاطئ الأمان، والذي نريد من الجميع العمل في هذا السبيل، بعد أن تذللت اكثر العقد. فلا يجوز بعد ذلك لاعتراض هنا أو هناك أن يجمد تشكيل الحكومة".
وختم: "الناس تنتظر قياداتها لتباشر بإنهاء ملف التشكيل لمواجهة مشكلات البلد الاقتصادية بدءا من المديونية العامة، وأزماتها المعيشية من الماء والكهرباء والتلوث؛ وتأمين كل الوسائل التي تقي الشعب من السيول أو البرد، وتضيء عتمة الليل اليائس، وتسمح له بالتسبب إلى الرزق الكريم والتفكير بمستقبل آمن له ولأولاده، فضلا عن تحصين البلد في مواجهة العدو الذي لا يزال يبعث برسائله التهديدية، وليس آخرها بناء تلال اصطناعية على الحدود مع فلسطين المحتلة؛ والذي يبقى هو التهديد الاستراتيجي لكل المنطقة، مهما هرول المعترفون، وطبع المطبعون".