ولكم فيما يلي نص المقال:
(یا بَنيَّ اذهَبُوا فَتَحَسَّوُا مِن یُوسُفَ و أخیهِ وَ لَاتَیأَ سُوا مِن رَّوحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا یَیْأَس مِن رَّوحِ اللَّهِ إِلا القَومُ الکافِرونَ) (یوسف/ 87)
قال النَّبيُّ یعقوبُ لأولاِدِه: إِذهَبُوا وَ ابحَثُوا عَن یُوسُفَ و أخیهِ و یُوصیهِم بالتَّحَسُّس و لا تَجَسُّس!
ما الفرق بین التَّجَسُّسِ وَ التَّحَسُّس؟
اولا: الفرقُ الواضح بینهما «نقطة»، ثانیا: التَّجَسُّس یعنی حبٌّ لِلْاِستطلاعِ و النَّمیمةُ و الوِشایةُ بینَ الناسِ و کشفِ أسرارِهم، و هذا من وُجُهَةِ نظرِ الاخلاقِ الاسلامیة أمرٌ قبیحٌ و مذمومٌ کما جاءَ في سورةِ الحُجُراتِ: (و لا تَّجَسَّسُوا وَ لَا یَغْتَب بَّعضُکم بَعْضاً) (الحجرات/12)
إذَنْ مِن مِنظارِ القرآنِ الکریمِ تُسْتَخدَم کلمةُ التَّجَسُّسِ في الامورِ السَّلبِیَّةِ والقَبیحَةِ و لکنَّ التَّحَسُّسَ یَسْتَخدِمُها النّاسُ في الأمورِ الایجابیةِ والمفیدةِ، کما رأینا نبيَّ اللهِ یعقوب (ع) یأمُر أولادَهُ أنْ یَذهبوا ویَجِدُوا یوسفَ وأخاهُ حَیثُ کانَا شَریفَیْنِ وطاهِرَیْنِ وطَیّبَیْنِ فلا یقولُ لهم تجسّسوا بل یقولُ تحَسَّسُوا لِوجودِ المعنیَ الایجابيِّ في «التَّحسُّسِ».
کان یعقوبُ (ع) یَنتَظِرُ مَجيءَ یوسفَ (ع) و کما نَعلَمُ طالَتْ مدّةُ غیابِ یوسفَ عَنْ أبیهِ و إثْرَ ذلكَ (ابیَضّتْ عَینَاهُ مِنَ الحُزنِ فَهُوَ کَظیمٌ) (یوسف/84)
حَصیلَةُ الکلامِ أنَّني أقولُ أیها الناسُ أیها الاعزّاءُ ویا أیُّها الکِرامُ! إِعْلَمُوا أنَّ لَنا وللعالم الاسلامی بل للبشریة جمعاء یوسف آخر وهو غائبٌ عَنِ الأَنظارِ، وواجِبُنا أن نُذَکِّرَ بَعضَنَا البعضَ لیلَ نَهارَ بِأنَّ المنجيَ الحقیقيَّ سَیَظهَرُ یومًا و یُنیرُ العالَمَ بِظهورِهِ فعَلَینا الدُّعَاءُ والاستغاثَةُ عَلَی اللهِ ونطْلُبُ إِلَیهِ بِإِلحاحٍ وإِصْرارٍ لِکَيْ یُعَجِّل اللهُ في ظُهورِ سَیِّدنَا وَمَولَانَا الإمامِ المهديِّ (ع).
اُهمِّیَّةُ الدُّعاءِ في أمرِ الفَرَجِ
کلٌّ یَعرِفُ إذا أرادَ اللهُ ظهورَا الحُجةِ (ع) فَیکونُ ذَلِكَ وَ لَا شَكَّ فیهِ، وَلکنْ لَنا کَمُنتَظِرینَ لِظُهورِ الامامِ (ع) أیضاً واجِبٌ وتکلیفٌ وهو الإعلانُ بِأمسِّ الحاجةِ الی حَضْرَتِهِ عِنْدَ اللهِ، ونَدْعُوهُ بِکُلِّ اخلاصٍ أنْ یُعَجِّلَ في ظهورِهِ، ولَو کُنَّا عدیْمَ الإنْتباهِ وغَیر مُکْتَرِثٍ بِالدُّعاءِ لَمَا تَحَّقَقَ الأمرُ، قَولُهُ تعالی: (قُلْ ما یَعبَأُ بِکُم رِبّي لَو لَا دُعاؤُکُم) (الفرقان/77) أَنَّهُ سبحانَهُ و تَعالی یُحَرِّضُ المؤمنینَ عَلَی الدُّعاءِ وَیشجعهم عَلَی ذَلكَ کَیْلَا یکونوا غافلینَ عَنهُ کما یقولُ: (أُدْعُوني أسْتَجِبْ لَکُم) (الغافر/60) إِذَنْ في حیاة الانسان لِلدُّعاءِ دَوْرٌ عَظیمٌ في الحُصُولِ عَلَی مَقاصِدِهِ وَ أَهْدافِهِ المَنْشُودَةِ.
نَظَراً اِلَی المَشاکِل والصُّعوبات الَّتي وَاجَهَتْهَا البَشَریّةُ الیومَ خاصَّةً المُسلِمینَ والشّعیة، إذن بِالنسبةِ لهذه المشکلة هَناكَ سؤالٌ یَطرح نَفْسَهُ وهُو: أَلَیسَ لَنَا واجِبٌ تِجاهَ أمْرِ الفَرَجِ؟ بَلی وهو الدُّعاءُ، ألَمْ یَمْلأ العالَمَ الظُّلمُ والجَورُ والفَسادُ؟! ألَا یَحکُمُ العالَمَ الطُّغاة الظَّلمَةُ المُستَکبِرونَ؟! وهَل یَرحم الحُکّامُ الفَسَقَةُ الضُّعَفاءَ والمُستَضْعفینَ وَالمحرومینَ؟ ألَا یفکر أنْصارُ الفِراماسُونِ وأمثالُ کیسینجر وزیر الخارجیة الامر بکی الاسبق بِتقلیلِ نفوسِ الکرةِ الارضیَّةِ؟ بَلَی وَاللهِ، وَلذلكَ یُشِیعُونَ وَباءَ الکُرونَا والأَمْراض المُعْدِیَة في القارّاتِ الخَمسِ کَحَربٍ بیولوجِیَّةٍ لِإِماتَةِ وَإِزالَةِ الشُّعوب في العالَمِ تقلیلاً لِنُفوسِهِم!! وُمُکافَحَةً لِاِزْدیادِ السُّکّانِ في العالَمِ ویَجِبُ أَنْ یُقْتَلَ ثُلْثُ نُفوسِ العالَمِ! وَهَذا رأيُ کیسینجر الَّذي لا یُفکّر الّا بِقَتْلِ الخَلْقِ وَ إِبادَتِهِمِ! و اللهُ سبحانه و تعالی البارِیءُ الخالِقُ لَمْ یَکْتُبْ هکذا وَصْفَةً مُراقَبةً لازدیادِ النفوسِ فی العالمِ!
ولکنْ مَعَ الأَسَفِ الشَّدیدِ هَذا هُو نَفْسُ الإنسانِ الَّذی لَایَعْرِفُ حَدّاً لِطُمُوحاتِهِ الشَّخصِیَّةِ وأهُوائِهِ الشَّیطانِیَّةِ وَمَقاصِدِهِ الجُنونِیَّةِ فَیَقُلُ الآخَرینَ بَقاءً لِنَفْسِهِ وَحِفاظاً لِحُکْمِهِ وَسَیْطَرتِهِ الإسْتِکبارِیَّةِ. سَتَمضي هَذِهِ الأیامُ المُرَّةُ وبِالتّالي ستجيءُ أیَّامٌ أُخَرَ وسَتُفْشَی الأسرارُ. وسَیَطَّلعُ الرأيُ العامُّ علی مُستَوَی الْعالَمِ ما کانَ یَجْری خَلفَ الکَوالِیسِ؟ وسیُدرِكُ البشرُ فی العاجِل القریب باذن الله، أنه مَن هو الّذی قامَ بِانْتاجِ وتَولید فیروس کرونا وأشاعَهُ کَمَرضٍ مُعْدٍ لِاِبادَةِ بَنی نَوعِ الإنسانِ عَلَى مُستَوَی الکُرَةِ الأرضیَّةِ؟
في هذا الأَثناءِ أَلایَجبُ أنْ نُقَّدرَ بعضنا الآخَرَ؟ وفي هذه الظروف ألایجب أن نحافظ علی الوحدة الاسلامیة التی یخاف منها أعداءنا؟ فیجب علینا أن نکون شاکرین قبال نعمات ربنا العظیم وقبال شهداء الثورة الاسلامیة المبارکة وکذلك علینا أن نکون خاضعین أمام إخلاص شعبنا المؤمن المضحیّ و شاکرین تجاه مفجر الثورة الاسلامیة ومؤسسها الامام الخمینی (رضوان الله تعالی علیه) الذي مهّد أرضیة ظهور حضرة الامام المهدی (عج).
سیدنا القائد سماحة آیة الله العظمی الخامنهاي عند تبیین الخطوة الثانیة للثورة الاسلامیة یُرینا حضارة فیها مقدمات ظهور الإمام الحجة (عج)، ویرشدنا سماحته استقبالا للفرج والقائد المعظم یَری عادةً مستقبل ایران الاسلامیة وشعبها زاهرا منیرا نحو التقدم والتطور المتواصل ویصفه بمستقبل ساطع لامع ویقول إننا في هذا المنهج نسیر نحو الذروة وبما أننا نخطو خطواتنا نحو الأعلی فبالطبع نواجه مشاکل وصعوبات فط هذا الطریق والقائد یبشرنا بالنجاح والانتصار دائما وهذا یدل علی اتکا له علی الله سبحانه وتعالی ونحن کشعب خاضع لمنویاته واهدافه المبارکة نشکر الله علی قیادته الداهیة کقائد للشعب الایراني ومستضعفي العالم، لأن السید الخامنهای حفظه الله ورعاه من اولاد سیدة نساء العالمین زهراء البتول سلام الله علیها و هو قائد فقیه مهذب و متعبد و عارف و صاحب التضرع و الخشیة و متوکل علی الله، یقود هذا الشعب و نتمنی أن تکون الجمهوریة الاسلامیة فی ایران، تحت اشراف و عنایات سیدنا و مولانا الامام المهدی صاحب العصر و الزمان اروحنا فداه و ترتقی و تتقوی یوما بعد یوم و تکون فی أهبة الاستعداد لظهور الامام المهدی ناشر العدل و القسط فی العالم.
قضیة الانتظار عند الشیعة
النکة الثانیة التي أنا بصدد طرحها، هی أصل الانتظار عند الشیعة، إن الانتظار لدی الشیعة قضیة اساسیة هامة جدا، لایُعتبر شیعي من لا یعتقد و لا یلتزم باصل الانتظار و ظهور الحجة (عج)، نحن الشیعة نقرأ فی زیارة حضرة الامام المهدی صاحب الزمان (عج) و نخاطب حضرته و نقول له: «السلام علیك یا مولاي، أتقرب الی الله تعالی بِك و بآل بیتك و انتظر ظهورك و ظهور الحق علی یدیك و أسأل الله أن یصلي علی محمد و آل محمد و أن یجعلنی من المنتظرین لك و التابعین و الناصرین لك علی اعدائك و المستشهدین بین یدیك في جملة اولیائك.»
أحد الأدعیة التی یجب علینا الاهتمام بها هو أن تطلب من إمامنا أن یجعلنا من منتظریه، طبعا الانسان الذی یَعتبر نفسه من المنتظرین لظهوره، یُعد نفسه لتلك الفترة المنیرة المبارکة مادیا و معنویا، و الکلام عن مقدمات هذه الاستعدادات لفترة ما قبل الظهور بحث طویل یحتاج الی فرصة سانحة سنتحدث عنه ان شاء الله
هل الظهور أمر قریب أو بعید؟
المهم أننا نری امر الظهور قریباً أو بعیدا؟ ما جاء فی تراثنا الدینی فی هذا الصعید، یجب أن نری أمر الظهور قریباً کما جاء في دعاء الندبة الذی نقرأه أیام الجمعه صباحاً، نخاطب الامام الحجة (عج) و نقول له: «هذا یوم الجمة و هو یومك المتوقع فیه ظهورك». أي یُقرأ هذا الدعاء في الجمعات و معناه یجب أن ننتظر ظهوره فی یوم الجمعة من الصباح الی المساء، لعله یحدث!
أن ننتظر ظهور الام (عج) کل جمعة، ألیس معناه أن الظهور قریب؟ أُریدَ منا هکذا منتظرا! و لو لم ننتظر بهذا الاسلوب لما حدث امر الظهور!
و لو افترضنا أن الظهور أمر بعید، فلیس هذا اعتقاد بناء، و إذا قیل سیظهر الامام بعد ألف سنة! هل من فائدة فیه؟! إذَنْ یفقدُ الانتظار مکانته و أصالته و فائدته و جاء فی القرآن (إنَّهُم یَرَوْنَهُ بعیدًا و نَراهُ قریباً) (المعارج/6 و 7)
الظهورُ مِنْ وُجُهةِ نَظَرِ القُرآنِ
تُشبة المسأَلَةُ بِیَومِ القیامَةِ مِن حَیثُ الزَّمانِ، لِأَنَّ الکُفّارَ کانوا یَعْتَقِدونُ أنَّ عَذابَ القیامَةِ أمرٌ بَعیدٌ ولکنَّ المؤمنینَ یَرَونَهُ قَریباً و لِذلكَ یقول (إنَّهُم یَرَونَهُ بَعیداً وَ نَراهُ قریباً) (المعارج/6 و 7) و نحنُ نَراهُ قریباً، أو مثلاً، القرآنُ بِشأنِ الموتِ یقولُ: (فَإنَّه مُلاقیکم)(الجمعة/8) و لایقولُ (یُلَاقیکُم)و القرآن لا یُحوّلُ القیامَةَ إلی مُستَقْبلٍ بعیدٍ جِدًّا بل یُریها قریبا و یمکن حدوثُها في کل لحظة،
هکذا قضیة الظُّهور، فعامّة الناس یرونه بعیداً و المؤمنون الملتزمون یرونه قریباً لأنه یمکن وقوعه و حدوثه في کل لحظة و لمسألة الظهور میزات خاصة، منها أن الإنسان یری نفسه دائماً فی الساحة و یُعد وجوده لذلك الیوم البهیج أي ظهور ولی الأمر (عج).
بشارة العلماء لظهور الام الحجة الثاني عشر علیه السلام
المرحوم آیة الله بهجة من المراجع العظام استناد علی الآیة الشریفة التی تقول:(إنَّهُمْ یَرَونَهُ بَعیداً وَ نَراهُ قریباً)یری أن الظهور قریب.
ألّف آیة الله المرحوم السید حسن میرجهاني (ره) کتاباً بشأن الظّهور في ثلاثة مجلّدات یحمل عنوان: (نوائب الدُّهورِ في عَلاماتِ الظّهور) و یُعتبر السِید میرجهانی من الأصدقاء و الزّملاء الملازمین للمرجع العظیم المرحوم آیة العظمی السید ابوالحسن الاصفهاني (ره).
السید میرجهاني في کتابه القیم جدا ، یروي روایات و اخباراً تتعلق بقضیّة الظهور و یطرح في کتابه نکات هامة جدیرة بالتدبر و التامل، و هو نفسه کان من الذین یبشّر ظهور سیدنا و مولانا الحجة الثانی عشر (عج) و لیس معنی کلام سماحته توقیت، بل هدفه تقریب ظهور الامام کي یستعد الناس لظهور ولي الأمر (عج).
نقل ذِکري من الاستاذ المرحوم پرورش
کاتب المقال الأستاذ مرتضی نجفي قدسي، یحکي حکایة جرت بینه و بین الأستاذ السید علياکبر پرورش (الذي کان أحد أنصارٍ للثورة الاسلامیة)، أنه عندما کنّا نتحدّث حول المهدویة و قضایا عصر الظهور قال لي: یا سید نجفي! هل رأیتني حتی الآن أن أدعي فی أمرما! قلت له: لا، ثم قال السید پرورش: نعم و لم أکن مِنَ المدّعین في أیة مسألة و لکن القضیة التي أقولها الآن، أُشهد اللهَ أنه حق، ثم قَسَمَ بالله و قال: (و اللهِ أشم رائحة مجيء حضرة الحجة، کما کان یشم نبي الله یعقوب رائحة یوسف !!
الاستاذ پرورش کان یری امرا الظهور قریبا، ثم بعد ذلك ارتحل الی جوار ربه في سنة 1392ش، و نظرا الی أن الشخص یقول: أری امر الظهور قریبا و بعد مدة قصیره یموت ، و هو نفسه و لم یدرك فترة الظهور، لیس هناك تناقض بل هذا یدل علی قوّة ایمانه و تفکیره الصحیح الذی کان یری امر الظهور قریباً.
الاستاذ نجفی قدسی یقول: بعد سماعِ هذه البشاره من الاستاذ المرحوم پرورش، نقلتُ کلامه لأحد أصدقائه فضحك ضحکة شدیدة ثم قال: یا سید نجفی لایطهر الامام العصر و لو بعد ألفي سنة! تعجبت من کلامه فخطر ببالي أن أقرأ له هذه الآیه الشریفة: (إنَّهُم یَرَونَهُ بَعیدًا و نَراهُ قریباً) ثم سألته: فلماذا هکذا یقول القرآن؟! هو بعد أن انسحب من موقفه قبال ما قاله آنفا، قال: ما زحتک ، طبعا ما قاله الاستاذ المرحوم پرورش هوا الصحیح.
و في الختام ، علی العموم یجب ألّا نعیب علی العلماء الکبار الّذین یبشّرون بظهور ولّي الامر (عج) ، بل علینا تصحیح افکارنا و آرائنا و وجهات نظرنا، و لِنعلم أنه بناء علی تعالیم القرآن الکریم، امرا الظهور قریب و لیس ببعید.