العید فی کلام الإمام الخمینی (ره)
ـ 1 ـ
بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِیِمِ
أبارک.. للشعب الإیرانی المسلم وکل المحرومین فی العالم هذا العید المبارک. یوجد لدینا فی الإسلام عیدان نعترف بهما رسمیا کأعیاد للمسلمین وهما: عید الفطر الشریف الذی هو عید فی ضیافة الله، وعید الأضحى المبارک الذی هو عید لقاء الله. ویعد عید ضیافة الله مقدمة للقاء الله، وان الأمر الموجَّه لنبینا إبراهیم أن {أَذِّن فِی النَّاسِ بِالْحَجِّ یَأْتُوک..َ مِن کُلِّ فَجٍّ عَمِیقٍ} هو لان هذا الطریق یجب طیَّه من خلال ولی الله، ویجب عبوره عبر أولیاء الله، والنبی إبراهیم علیه السلام کان ولی الله فی زمانه وهو الولی لکل الأجیال. والرسول الأکرم هو الولی الأعظم للعالم بأسره، ومن خلال سلوک طریق هؤلاء الأولیاء یمکننا الوصول إلى غایتنا.
فبعد طیه کل هذه المراحل قال سیدنا إبراهیم علیه السلام: {وَجَّهْتُ وَجْهِیَ لِلَّذِی فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} فی حین کان الخطاب للرسول الأکرم صلى الله علیه وآله: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَکَانَ قَابَ قَوْسَیْنِ أَوْ أَدْنَى}. وهناک فارق بین هذین الخطابین رغم أن کلا المخطابین وصلا إلى ذروة الکمال.
ـ 2 ـ
بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الْرَّحِیِمِ
مبارک عید الأضحى الکبیر السعید لمسلمی العالم وللشعب الإیرانی المجاهد العظیم الذی قارع بثورته الکبرى أیدی الناهبین العالمیین عن النهب والاعتداء على وطنهم الإسلامی، وبإرادة الله تعالى ومساندة حضرة بقیة الله ـ أرواحنا لمقدمه الفداء ـ قد حررّوا أنفسهم من سلطة الظالمین من الشرق والغرب. ولإیصال ثورتهم الکبرى إلى هدفها المنشود فقد واصلوا تقدیم تضحیاتهم بما یفوق طاقاتهم بالنهوض والفداء حتى یحقق هدفهم الأسمى بإقامة أحکام الإسلام النیّرة فی البلاد.
العید السعید والمبارک فی الحقیقة هو الیوم الذی یفیق فیه المسلمون من رقدتهم ویؤدی علماء الإسلام فی أنحاء العالم واجباتهم بإنقاذ مسلمی العالم من سطوة الظالمین ولناهبین لخیرات البلدان المختلفة وثرواتها. ولا یتحقق هذا الهدف الکبیر إلاّ حین یعرضون أحکام الإسلام بکل أبعادها المختلفة على الشعوب المستضعفة ویعرفونها بالإسلام الحقیقی، ویغتنمون فرص هذا الأمر المصیری الکبیر ولایتها ونون فیه. وأیة فرصة أهم وأسمى من تجمع الحج العظیم الذی وفّره الباری عزّوجل للمسلمین! ومع الأسف فإن الأبعاد المختلفة لهذه الفریضة العظمى والمصیریة بقیت یلفها الغموض بسبب انحراف حکومات الجور فی البلدان الإسلامیة وعلماء البلاطات غیر الأسویاء وبعض ذوی العمائم المتحّجرین والأدعیاء الذین یفهمون الأمور على غیر حقیقتها. هؤلاء المتحجرون الذین یعارضون حتى تشکیل حکومة إسلامیة ویعتبرونها أسوأ من حکومة الطاغوت! هم أصحاب الأفکار المنحرفة الذین جعلوا فریضة الحج محدودة بمظاهر خالیة من المحتوى، واعتبروا ذکر مشاکل الدول الإسلامیة ومصائبها مخالفاً للشرع وأوصلوه إلى حد الکفر. عملاء الحکومات الجبابرة المنحرفون اعتبروا صرخات المظلومین الذین تجمعوا من کل أنحاء العالم فی هذه المرکز الإسلامی، زندقة ومخالفة للإسلام. المتلاعبون الذین حصروا الإسلام فی زوایا المساجد والمعابد من أجل أن یبقوا المسلمین متخلفین ویمهدوا السبل للغزاة والمتسلّطین، واعتبروا الاهتمام بأمر المسلمین مخالفاً للإسلام واجبات المسلمین والعلماء.
ومع الأسف فإن نطاق الدعایات المضلّلة قد امتد واتسع إلى الحد الذی اعتبر التدخل فی أیّ أمر اجتماعی وسیاسی للمجتمع الإسلامی من قبل الروحانیین وعلماء الدین خارجاً عن مسؤولیاتهم وواجباتهم، وأن التدخل فی السیاسة ذنب لا یغتفر وابقوا على فریضة صلاة الجمعة فی الصورة ومظهر جاف. وان من یتجاوز ذلک فقد تجاوز حد الإسلام. ویجب القول: إنَّ الإسلام أصبح غریباً وأنّ الشعوب الإسلامیة منزویة ولا علم لها بحقائق الإسلام.
والآن، فإن على علماء الإسلام والکتّاب والمفکرین والفنانین والفلاسفة والمحققین والعرفاء والمثقفین الذین یعانون من هذه المسائل ویأسفون لحال الإسلام والمسلمین فی أیة نقطة من العالم ومن أیة فرقة ومذهب، أن یحدوا من انتشار هذا الخطر العظیم الذی ابتلی به الإسلام والمسلمون بکل ما أوتوا من قوة وبأیة وسیلة ممکنة، فی المساجد والمحافل والمجالس العامة، وأن یحذروا المسلمین منه وینبهوهم ویهیئوهم لنهضة عامة شاملة. ولیعلموا أن هذا أمر ممکن وعملی ولکنه یحتاج إلى السعی والتضحیة.
ـ 3 ـ
الفرق بین أعمال الأنبیاء وأعمال الناس
إننی بدوری أبارک للسادة الحاضرین، ولکل الشعوب الإسلامیة والمستضعفین فی العالم هذا العید السعید. وأسأل الله تعالى ببرکة هذا العید وسائر الأعیاد الشریفة أن یهدینا وسائر الشعوب الإسلامیة للسیر على الصراط المستقیم والتفکیر بالأهداف الإسلامیة والتمکین من إقامة الصلح والاتحاد بین المسلمین وتوحیدهم.
إنَّ سیدنا إبراهیم (ع) الذی ینسب إلیه هذا العید هو مؤسس الإیثار، فصورة العمل شیء، ومعناه ومحتواه شیء آخر، صورة العمل هنا مشکلة تحتاج إلى حل وهو أمر فوق طاقة البشر، ولکن الذی جعل من إبراهیم شخصیة عظیمة هو السیر والسلوک الذی تفضّل به والذی انتهى إلى هذه الأمور.
إبراهیم الذی بحسب روایاتنا الشریفة حین کان یتوجه صوب النار، سألته الملائکة عما إذا کان فی حاجة إلى شیء قال: أمّا إلیکم فلا. کانت لدیه وجهة أخرى من العلم والمعرفة، ونحن نرى ظاهر هذا العمل ونعجب له وهو أمر عجیب حقاً، أمّا أهل المعارف الإلهیة فیرون باطنه، الأصل فی أعمال الأنبیاء على الإطلاق هو الجوهر. الصورة والشکل تتفق مع أعمالنا بحسب النوع. أولئک یصّلون ونحن نصلی، أولئک یصومون ونحن نصوم کذلک، أولئک یحجّون ونحن نحجّ أیضاً، أولئک یضحّون ونحن نضحّی کذلک، یقفون فی المواقف ونحن نقف کذلک، هذه صورة مشترکة بیننا وبینهم. لکن الشیء الذی یجعل أعمالنا تختلف عن أعمالهم ـ کما تختلف أعمال بعضهم عن بعض ـ هو جوهر العمل الذی یستلهمونه من المبدأ، وأعمالهم هذه مستمدّة من ذلک الإلهام.
مسألة الوحی الذی لدى الأنبیاء ـ وهذا متفاوت بینهم أیضاً ـ واحدة من الأمور المهمة التی لا یتمکن الإنسان من تصوّر ماهیّتها فالوسیط هو جبرائیل، ولکن أی وساطة وواسطة کان ینجزها جبرائیل؟ هل أنزله للنبّی وبولایته نزل؟ هل نزل الوحی مع جبرائیل وقام جبرائیل بإبلاغه؟ هذه هی المسائل التی یدور الحدیث حولها.
ـ 4 ـ
معنى العید من منظار الأنبیاء
إنَّ قضیة التضحیة بالولد تمثل إحدى الأبواب التی ترتبط برؤیة النوع البشری، وهی قضیة مهمة لکن الشیء الذی یکون مبدأ هذا العمل هو الذی یحقق المقابلة بین الأب والابن. هذه هی أمور قلبیة وروحیة ومعنویة وهی فوق الأمور التی نفهمها نحن. إننا نقول: إنه آثرَ وضحّی وقد حصل هذا حقّاً وهو أمر مهم ولکن هل کان هذا فی نظر إبراهیم (ع) إیثاراً؟ وهل کان یرى أنه یقدم شیئاً عظیماً إلى الله؟
هل کان إسماعیل (سلام الله علیه)، یری أنه یقدم نفسه فداءً لله؟ أم أن الأمر لیس کذلک. فما دامت الإنسانیة موجودة والإنسان نفسه موجوداً فالإیثار موجود باسمه. أنا أضحّی بابنی فی سبیل الله، أضحّی بنفسی فی سبیل الله. هذا هو المهم بالنسبة لنا ومهم جدّاً، أما بالنسبة لإبراهیم (ع) فلیس هذا بالأمر المهم ولا یعتبره إیثاراً. إبراهیم لم یجد نفسه شیئاً لیعتبر عمله تضحیة. إسماعیل لم یعتبر نفسه شیئاً لیرى عمله إیثاراً وتضحیة. الإیثار معناه أنی موجود وأنت موجود وعملی من أجلک ومن أجل الإیثار. هذا فی نظر العظماء وأهل المعرفة وأولیاء الله شرک، وفی نظرنا نحن ـ فی الوقت نفسه ـ کمال کبیر وإیثار عظیم.
العید بالنسبة لنا له معنى، لکنه بالنسبة لإبراهیم وللأنبیاء له معنى آخر. نحن نعیّد أمّا أولئک فیعیدون عید اللقاء. أولئک یعودون إلى المکان الذی ظهروا منه ویعیّدون لهذا الأمر، طبعاً بعد إعادة اسمه- معنى السیر والسلوک الإلهی ـ یکون عیداً، وأبعاده المعنویة کثیرة جداً لا تصل أیدینا إلیها، وأبعاده السیاسیة والاجتماعیة کانت وما تزال کثیرة أیضاً ونتمنى ازدیادها.
آمل أن یعود المسلمون إلى رشدهم، ویکسبوا من هذه العبارات التی قرّرها الله تعالى لهم سیراً معنویاً واستنباطات سیاسیة وعملیة.
ـ 5 ـ
دمج العبادة والسیاسة فی الإسلام
کما أن للشعائر الموجودة فی الإسلام مثل عید الفطر وعید الأضحى والحج وصلاة الجمعة والجماعة أبعاداً عبادیة، فلها أبعاد سیاسیة واجتماعیة أیضاً، أی إن أبعادها العبادیة قد أدمجت بأبعادها السیاسیة.
والإسلام لیس دین عبادة فقط یعیّن الواجب بین العبد والله تبارک وتعالى، کما أنه لیس سیاسیاً فقط، إنه عبادی وسیاسی قد أدمجت سیاسته بعبادته وعبادته بسیاسته، أی أن البعد العبادی له بعد سیاسی أیضاً. فمثلا اجتماع المسلمین فی الأعیاد للصلاة هو عبادة، ولکن الاجتماع له بعد سیاسی. ویجب على المسلمین أن یستفیدوا کثیراً من هذه الاجتماعات.
وما کانت المساجد فی صدر الإسلام بهذه الصورة التی أوجدها الأفراد المنحرفون، کان المسجد مکاناً تنطلق منه الجیوش للحرب، کما کان یُخطب فی المسجد ویدعى الناس للتصدی مثلاً للشخص الفلانی المعتدی فی المکان الفلانی الذی قام ضد المسلمین أو ینهب أموال الناس أو یسطو على الناس أو له انحرافات، فکانوا یخرجون من ذلک المسجد نحو العدو، کما کانت المعاهدات تعقد فیه.
یجب تبیان القضایا المرتبطة بمصیر البلد والتحرکات السیاسیة والاجتماعیة التی ینبغی القیام بها فی خطبة صلاة الجمعة، کما یجب أن تتناول هذه الخطب مشاکل المسلمین واختلافاتهم وسبل حلها وإزالتها.
صحیفة الإمام: ج4، ص321.