قال البیان: شاء الله ان یکون عید الشهداء قریبا من نهایة العام المیلادی من کل عام، لیودع الثوار عامهم وهم فی اقصى درجات التأهب لمواصلة الزحف الثوری نحو النظام العادل الذی یمنح الشعب حریته وحقوقه. ولم یخیب المواطنون شهداءهم، فقد أحیوا المناسبة بأفضل ما یمکن عمله فی ظروف القمع الخلیفی الشرس. فنظموا المسیرات والوقفات والندوات، وکتبوا الشعارات وهتفوا بسقوط الحکم الخلیفی، وعاهدوا الله والشهداء على تصعید المقاومة المدنیة حتى یسقط الحکم التوارثی الاستبدادی. واضاف البیان : استذکر الثوار ما جرى للهانیین قبل عشرین عاما، وکیف ان رصاص الغدر الخلیفی قتل اکثر من اربعین مواطنا فی انتفاضة التسعینات المبارکة. واستحضروا کذلک الخدعة التاریخیة التی فرضها الطاغیة الحالی على الشعب بعد وفاة ابیه فی مارس 1999، والتفافه على المطلب الرئیس آنذاک، اعادة العمل بدستور1973 واستبداله بمیثاقه الذی ما ان استدرج المواطنون لاقراره حتى تخلى عن بنوده. ثوار البحرین لا ینسون ما فعله الدیکتاتور الحالی من جرائم لم یجرؤ أسلافه على ارتکابها وفی مقدمتها البدء بتنفیذ مشروع إبادة السکان الاصلیین واستبدالهم بالاجانب.
وتابع البیان : شعب البحرین ما برح یعارض الاستبداد ویتصدى للاحتلال کما فعل منذ اکثر من تسعة عقود. وطوال تلک الحقب کان یقف صفا متماسکا بشیعته وسنته، بعلمانییه واسلامییه، ضد الهیمنة العائلیة واسالیبها القمعیة. ویسجل التاریخ ان التحالف بین الاسلامیین واللیبرالیین فی 1974 افشل مشروع قانون امن الدولة الذی سعت العصابة الخلیفیة لفرضه على البلاد. یومها کان السنی یقف بجانب الشیعی، والعلمانی مع الاسلامی، کمواطنین متساوین فی الحقوق والواجبات، لمنع تقنین القمع. فما کان من الخلیفیین الا ان حلوا المجلس الوطنی وعلقوا العمل بدستور البلاد، ویکفی ذلک لتحمیل رئیس الوزراء الخلیفی مسؤولیة ما وصلت البلاد الیه من اضطراب امنی وسیاسی طوال العقود الاربعة الماضیة.
واضاف : ثقافة الثورة تختلف عن الفکر الجامد او المعلومات المیتة التی لا تدفع حاملها لأداء الشهادة وحمل الامانة وتبلیغ الرسالة التوحیدیة التی یتصدر اهدافها اقامة العدل وإزالة الظلم. ومن ثمرات الثورات المتعاقبة والتجربة السیاسیة التراکمیة توفر مناعة لدى الجیل الحالی ضد محاولات التهمیش او التجهیل او الاستغباء او الاستغشام او الاستحمار. ویتمیز الثوریون بامتلاکهم بصیرة نافذة تکسر نصال الطاغیة واسالیبه وتکتشف خدعه بسرعة فائقة. ولذلک استمرت ثورة البحرین المظفرة برغم کافة المعوقات ومنها الاحتلال السعودی والقاعدة الامیرکیة والتدخل الامنی البریطانی. بینما لم تتوفر ثورات الربیع العربی الاخرى على ذلک الوعی، فأمکن استدراج رموزها لانصاف الحلول والقبول بتغییرات فی رأس الهرم مع الابقاء على النظام السابق الذی کان اسقاطه هدف کافة الثورات. وکادت ثورة البحرین تقع ضحیة الخداع والوعود الکاذبة ومظاهر التغییر السطحیة، لولا الرحمة الالهیة. وما حدث فی تونس مؤخرا من عودة ارکان النظام السابق الى مواقع النفوذ فی السلطة کرئاسة الدولة وعضویة البرلمان الا تأکید لمقولة ان قوى الثورة المضادة تمکنت من احتواء الثورات ونتائجها باسالیب بعیدة عن الاخلاق والقیم. لقد شنت هذه القوى عدوانا وحشیا على امة العرب والمسلمین فاحدثت فیها القتل والسلب بایدی مجموعات ترفع رایة الاسلام وتمارس اعمالا مشینة تسیء للاسلام. وبذلک اصبحت الحرب ضد الثورات ومحاولات التغییر تستهدف الامة فی وجودها وتماسکها ووحدتها من جهة، والاسلام کدین یدعو للرحمة والرأفة والحب والتآخی والتواصل من جهة اخرى. الامر المؤسف ان تغیب هذه الحقائق عن النخبة القیادیة للحرکات الاسلامیة التی کان علیها ان تقف موقفین ثابتین: دعم کافة الثورات السلمیة التی انطلقت بهدف التغییر، ورفض المشروع الطائفی جملة وتفصیلا. وهذا ما لم یحدث. فسرعان ما سقطت تلک النخب فی حبائل قوى الثورة المضادة واصبحت سیفا لها على الثورات ومحاولات التغییر والاصلاح.
وصرح البیان : شعب البحرین کان الاکثر ثباتا على خط التغییر، والاکثر تحضرا وسلمیة وحضورا فی المیادین، والاوعى لخطط قوى الثورة المضادة، فدعم کافة الثورات التی سعت للتغییر باسالیب سلمیة وبدون الاعتماد على الخارج، وأصرت على وحدة الامة ورفضت الطائفیة بشکل مطلق، وواصلت المشوار حتى هذه اللحظة. ولذلک تلاشت کافة الثورات وبقیت ثورة البحرین متحرکة لا تلین ولا تهین ولا تتراجع. فکان اعداء التغییر لها بالمرصاد. کان حریا بقیادات الحرکة الاسلامیة دعم شعب البحرین فی ثورته اولا، وفی صموده ضد الاحتلال السعودی ثانیا. وحیث لم تفعل تلک النخب والحرکات ذلک فقد ساعدت اعداءها على نفسها، وشجعت السعودیة وحلفاءها على مواصلة مشروعها المضاد للثورات، فدعمت الانقلاب العسکری فی مصر واسقطت حکم الاخوان المسلمین، وتدخلت فی لیبیا لاعادتها الى منظومة الحکم المنسجمة مع ما هو سائد فی بلدان الاستبداد، وتهدیدها بالعنف الذی تمارسه مجموعات التطرف والارهاب المدعومة بالمال النفطی. واخیرا تدخلت فی تونس بعد ان ساهمت فی تمییع سیاسات الاسلامیین ومواقفهم، فاستطاعت بذلک احداث انقلاب "سلمی" اسقط حرکة النهضة واعاد ارکان النظام السابق الى مواقع النفوذ والسلطة. نقطة البدء کانت فی منتصف مارس 2011 حین شنت السعودیة والامارات عدوانهما على شعب البحرین وارسلتا قواتهما، بموافقة ودعم ضمنیین من قوى الغرب، لقمع ثورة الشعب، وساهمتا فی الجرائم التی ارتکبها الخلیفیون کقتل الابریاء وهدم المساجد وسجن الاطباء والریاضیین والمعلمین والنساء. وخلال العام الماضی واصلت تلک القوى دعمها غیر المحدود مالیا وعسکریا وسیاسیا وامنیا للعصابة الخلیفیة التی احتلت البحرین بالقوة واستقدمت الاجانب لدعم وجودها. بل ان دیکتاتور البلاد استدعى بشکل وقح الاستعمار البریطانی بعد 43 عاما من رحیله. فقررت الحکومة البریطانیة بناء قاعدة بحریة فی البلاد، بعد ان اظهرت الولایات المتحدة رغبتها فی البحث عن قاعدة اخرى لاسطولها الخامس.
واضاف البیان : وما کاد العام ینتهی حتى أصدر الدیکتاتور اوامره باعتقال سماحة الشیخ علی سلمان، الامین العام لجمعیة الوفاق. واعتبر ذلک القرار محاولة یائسة لکسر شوکة المعارضة والتظاهر بالسیطرة على الامور. کان یرید ان یقول ان اعتقال الشیخ فی دیسمبر 1994 ادى لحدوث الانتفاضة المبارکة التی استمرت خمسة اعوام، وان اعتقاله هذه المرة سیکون له أثر عکسی، وان الثورة القائمة ستتلاشى وتنتهی. وما ابعده عن الحقیقة والصواب. فما ان اعتقل سماحة الشیخ حتى تصاعد الحراک الثوری فی کافة مناطق البحرین، واصبح الخلیفیون محاصرین بقرار سیطاردهم حتى یسقط حکمهم بعون الله تعالى. ثوار البحرین اصبحوا محکومین بمعادلة اخرى: فکلما ازداد القمع ازداد موقفهم رسوخا، وتصاعد حراکهم وتلاشى خوفهم. لقد بلغ الوضع فی البلاد مستوى غیر مسبوق من القمع والاضطهاد والاستبداد، واصبح المواطن یشعر بالضیم والالم والاستضعاف، الامر الذی دفع الکثیر من شبابه لتحدی فرق الموت الخلیفیة وقوات المرتزقة الاجنبیة، بالخروج فی التظاهر والاحتجاج. وقد امعن الطاغیة وعصابته فی استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرین وفی مقدمة ذلک الاستخدام الکثیف للغازات الکیماویة ومسیلات الدموع. وبالاضافة لذلک حول القضاء الى اداة قمع اجرامیة، فامره باصدار الاحکام القاسیة بحق ابطال البلاد، مستخدما "الاعترافات" المسحوبة تحت التعذیب. واصدر احکام الاعدام بسبب وبدونه، فکأن حیاة البشر الذین کرمهم الله لا تساوی شیئا.
هذا الطاغیة ولغ فی دماء المؤمنین بعد ان طوع القانون لما یرید. ثم دفعته "عبقریته" لاکتشاف سلاح آخر، یتمثل بسحب جنسیة المعارضین. ولیس مستبعدا ان یسحب جنسیة الشیخ علی سلمان، لیتفرغ الى رموز الشعب المعتقلة لیطبق القرار علیهم کذلک. الهدف افراغ البلاد من الاصوات المعارضة والقادة الروحیین والسیاسیین والمیدانیین، واستبدالهم بالمرتزقة والمجنسین الذین استقدمهم من اصقاع الارض ضمن مشروع الابادة الذی مارسه منذ صعوده الى الحکم بعد موت والده فی 1999.
واکدت حرکة احرار البحرین الاسلامیة فی ختام بیانها ان : شعب البحرین یودع العام الحالی على انغام الثورة والسجن والتعذیب والاعدام، ویستقبل عاما جدیدا بآمال عریضة وروح ثوریة لیس لها نظیر. انه یتطلع لحسم الموقف لغیر صالح الاستبداد ویعمل لانهاء الاحتلال مستفیدا من تجارب الآخرین خصوصا فی مجال المقاومة المدنیة. سیواصل الشعب ثباته على خط الثورة فی العام الجدید، بعون الله تعالى، وسیصبر على الشدائد والمحن، ولن یهین او یستکین حتى یتحقق النصر الالهی الموعود، ولا مبدل لوعد الله، انه لا یخلف المیعاد.