17 August 2009 - 15:47
رمز الخبر: 289
پ
الشیخ عبد الرؤوف حسن الربیع
ضعف الإقبال على قراءة الکتب الدینیة.. الأسباب والحلول

تمـهـیـــد
رغم وضوح أهمیّة الکتب الدینیّة والبحوث الإسلامیّة فی رفد عقائد الناس وتقویم سلوکهم وبناء أخلاقهم، وکونها من الدعائم التی لا غنى عنها فی التعریف بالإسلام وکیفیّة عبادة الله سبحانه وتعالى والتقرّب منه، وبملاحظة التطوّر الهائل فی وسائل النشر والطبع وسهولة اقتناء الکتاب إلا أن حجم الإقبال والقراءة علیها لا یزال خجولاً وتحت المستوى المأمول کثیرًا، حتى باتت ظاهرة ضعف الإطلاع وقراءة الکتب الإسلامیّة سمة من سمات مجتمعاتنا الممتحنة والمتعبة، وهذا لیس فی الصالح إطلاقًا، فالأمّة التی تضعف فیها روح القراءة الدینیّة الجادّة هی عرضة لا محالة إلى تسرّب الضلالات والخرافات والأفکار المنحرفة، وبالتالی انتشار الرذائل وتضعضع القیم، ممّا یعنی ضیاع هویّتها الإسلامیّة وتلاشیها بالتدریج.
وحیال ذلک لا ینبغی التراخی والفتور أمام الأسباب الحقیقیّة المراکمة لهذا الضعف، والتغافل عن أبرز العوامل التی تغذّیه وتضاعفه، إضافة إلى ضرورة البحث عن الحلول الناجعة للتخلّص منها، والوثوب بالمجتمع نحو الإحساس بعظمة القراءة الدینیّة وقیمة المواظبة علیها، وبالتأکید أن إنجاز مثل هذا لا یکفیه کتابة مقال أو بحث، من دون أن تتظافر فیه الجهود الأخرى وتجتمع فیه سائر الأیادی، فتکون هذه المحاولة مساهمة فی تحقیق هذا الهدف، وخطوة فی سبیل تذلیل بعض عقباته، وسنبدأ إن شاء الله تعالى بذکر الأسباب أولاً ثم نعقّبها بمجموعة من الحلول.

أسباب ضعف الإقبال على قراءة الکتب الدینیّة
یمکن إرجاع هذه الأسباب بترتیب ما إلى قسمین رئیسیّین، الأسباب الشخصیّة الذاتیّة، وإن شئت قلت: الداخلیّة، والأسباب الخارجیّة المحیطة.
أ- الأسباب الشخصیّة: ونقصد منها تلک التی تنبع من نفس الفرد أو من مشکلة أو نقص فیه، ولربما کان للمحیط والأسباب الخارجیّة دورٌ فی نشوئها أو بروزها، وهی:
1- عدم الإحساس بالمسؤولیّة، أو عدم التوجّه والالتفات لها: وذلک لضعف فی القابلیّة والاستعداد فی هضم مطالب الکتب، أو الشعور بأن القراءة مقصورة على أنماط وشرائح معیّنة من الناس، هی المخاطبة بها وهو مستثنى منها، أو لعدم الإدراک والوعی لمدى قدرته فی الاستفادة من الکتب الدینیّة ومقدار التأثّر بقراءتها، وما شابه ذلک.
2- الخمول والکسل وضعف الإرادة: وهذا یحصل غالبًا للذی هو على درایة ولو إجمالاً بحاجته وحاجة أسرته ومجتمعه للاطلاع على الدین والتثقّف بمسائلة ولکن یفتقر إلى قوّة العزم والصبر التی تعینه فی الوصول لهذا المبتغى، فقد یبدأ بدایة جیّدة فی قراءة کتاب، ولکن سرعان ما یتململ ویتعب فیکسل عن إتمامه فیترکه إلى غیره وهکذا، وقد یستولی علیه الخمول وقلّة الدافع إلى ترک القراءة من رأس، والنماذج من هذا الصنف کثیرة جدًا.
3- الأسلوب الخاطئ فی القراءة: ونجده عادةً فی الأفراد التی لا تلجأ للاستشارة والرجوع إلى من له خبرة فی هذا الباب، فتقوم باقتناء الکتب الغیر مناسبة، من حیث النوع، أو المستوى والصعوبة، أو من حیث الحجم مثلاً، کأن یقرأ شاب حدیث العهد بقراءة الکتب الدینیّة الکتب الفلسفیّة العمیقة، أو أن یقرأ کتابًا ضخمًا یسبّب له العناء والکلفة فی إنهائه، فیتولّد له الصد والنفور من القراءة، کما أن لعدم مراعاة بعض المشوّقات والفنون فی القراءة بشکل عام - کاختیار الزمان والمکان المناسبین، وطریقة الجلوس والإضاءة و.. وإلخ – دور أیضاً فی المسألة.
ب- الأسباب الخارجیّة: ونعنی بها تلک الأمور المحیطة بالإنسان، والتی لها ارتباط وتأثیر متبادل بحیاته، ومن أهمّها:
1- قلّة الوقت، وکثرة المشاکل والانشغالات: وذلک بحکم کون القراءة تستدعی مقدارًا جیّدًا من الوقت، وتحتاج لشیء من التوجّه والإمعان، ومع تشتّت البال وانشغاله بالهموم والارتباطات والتی یزداد إلحاحها وثقلها بمرور الزمن وتعقّد الأیّام لا یبقى له مجال وسعة کی یتفرّغ للقراءة.
2- وجود المصادر المعرفیّة الأسهل: مثل الفضائیّات والتلفاز، وبرامج الکمبیوتر والإنترنت، والجرائد والمجلات وغیرها، وهی بلا شک مادّتها أخفّ وزنًا على النفس من القراءة، وجاذبیّتها لها أکبر، ونتیجة طبیعیّة لشیاع مثل هذه المصادر أن تتراجع حصّة القراءة وأن یعتبرها البعض بدیلاً عن الکتاب الدینی.
3- سیاسات الدولة الخاطئة: للدولة نصیب کبیر وفاعل فی تشجیع أو تثبیط حرکة القراءة فی رعیّتها، لامتلاکها السیطرة فی الغالب على المدارس والمناهج التعلیمیّة، وبیدها زمام الإعلام المسموع والمرئی، وبمقدورها لو أرادت انتشار القراءة الدینیّة أن تشجّع علیها وترصد لها الحوافز، وتبنی المکاتب، وتسهّل عمل المطابع ودور النشر، وتنأى عن کل ما یحول ویقف حیال انجاز ذلک، وفی المقابل بإمکانها خلق سیاسات تحارب جوّ المطالعة وشیاع القراءة، خاصّة إذا کانت السلطة فیها تسعى لبقاء نفوذها وسیطرتها، وتخشى أن یکون لقراءة الکتب الدینیّة وتنوّر عقول الناس تهدید لبقائها ووجودها، وحینئذ سیصبح شغل هذه الدولة والحکومة هو تطویع کل ما لدیها من إمکانیّات فی صرف الناس عن القراءة الدینیّة، ولو بتضییق المعیشة والخناق علیهم حتى ینهمکوا فی شؤون المعاش فیتشاغلوا عنها.
4- الغزو الثقافی ومؤامرات الاستکبار: وهی تشبه إلى حدّ ما السبب السابق فی بعض مفاصله، فالاستکبار فطن أن أحد الروافد الرئیسة فی تقدّمنا وتحرّرنا من ربقة العبودیّة له وللفکر الغربی هو فی التمسّک بالثقافة الدینیّة الأصیلة والتراث المصون من التشویه، فبادر إلى تدبیر مؤامرات تستهدف قطع الصلة بیننا وبین تراثنا وثقافتنا، ومنها محاولة إلهاء أجیالنا عن التفرّغ لقراءة الکتب الإسلامیّة، سیّما الأصیلة منها، ویکفی أن نلحظ مقدار تغلغله السیاسی والعسکری فی الأنظمة وتحکّمه فی وسائل الإعلام العالمیّة.
5- نوع البیئة والأصدقاء: ممّا لا شک فیه هو أن الذی یتربّى فی عائلة محبّة للقراءة أو یحتک بجماعة أو أصدقاء یعشقون القراءة یکون أکثر تهیؤًا للإقبال علیها ممّن هو ناشٍ فی محیط خلو من هذا کلّه، فالجو الملامس للفرد یؤثّر فی طبیعته کثیرًا، وینقل عن بعض السجناء الذین لم یسبق لهم قراءة کتاب دینی قط قبل دخولهم السجن أنهم لمّا وجدوا الأجواء العامّة فی السجن تدعوا إلى القراءة، وأن الجمیع کان یقرأ لم یمض وقت حتى انضمّوا مع جملة القرّاء بصورة تلقائیّة، وقد أنهوا مجموعة من الکتب، والخلاصة من هذا أن الجلوس مع الجماعات أو الأصحاب الذین لا یعبأون بالکتاب والقراءة یعدّ من أسباب الضعف أیضًا.

أبرز الحلول الناجعة
من المناسب فی تنظیم وذکر الحلول للأسباب والعوامل المتقدّمة هو اللجوء لنفس التقسیم السابق، فیکون لدینا حلول للأسباب الشخصیّة، وأخرى للأسباب الخارجیّة. ولکن لابد قبل ذلک من التنبیه إلى أن الحلول بعضها فی عهدة الفرد أو المکلّف وبیده سبیل التحرّک نحو تحقیقها، والبعض الآخر هو خارج عن نطاقه وداخل فی مسؤولیة المجتمع أو علماء الدین والمثقفین، أو یقع على عاتق الدولة، وما سیذکر إن شاء الله هنا من حلول هو ما یخص الفرد، فهو الأوفق لهذا المقال.

أ- حلول الأسباب الشخصیّة:
1- الرجوع إلى أحد العلماء أو المربّین الفاضلین الذین لهم خبرة جیدة فی معرفة القابلیّات ولدیهم إلمام کاف بأسرار القراءة وشؤونها من أجل عرض المشکلة علیه، فکل حالة یناسبها علاج خاص، وهذا العالم أو المربّی هو من بیده تشخیص الحالة والعلاج.
2- الشعور بالخمول وضعف الإرادة والصبر فی مزاولة القراءة إذا کان بسبب طبیعة فی الفرد تلازمه فی کل شیء، فمن الجید مراجعة ما ذکره علماء الأخلاق وما ورد من روایات شریفة فی تقویة عزم الإنسان ورفع همّته، أما إذا کان منشؤها هو نفس القراءة والکتب الدینیّة فمن الممکن اللجوء إلى ما یلی:
أ- محاولة تجدید روحیّة النفس باستشعار عظمة القراءة، ودورها فی نصرة الدین والتقرّب من الله تعالى، وتذکّر الثواب الجزیل المذخور لها، فکأنّها مثل الصلاة المأجور علیها، وأکبر معین وباعث للزخم والتشجیع على ذلک هو المستفاد من الروایات ومن قصص وتجارب العلماء، ویمتاز أسلوب القصّة أنه محبّب وأخّاد ویأسر القلب ویوجّهه من دون أن یشعر صاحبه أن أحدًا یأمره، وهذا الأمر مجرّب کثیرًا.
ب- القراءة الجماعیّة، أی بین شخصین أو أکثر، فقد یورث هذا نوعًا من النشاط فی النفس ویرفع الضجر والملل.
ج- محاولة تلخیص ما یقرأ للآخرین وللأصدقاء، وبالخصوص الفئة التی تقدّر مسائل الدین وتحترم ذخائر الکتب، فإصغاؤهم له وتفاعلهم معه هو أکبر حافز له لمواصلة القراءة، لأنه یشاهد ثمرة ما یقرأ بأمّ عینیه، وبالوقت نفسه یسعى للتزوّد برصید آخر من المعلومات کی یحدّثهم به لاحقًا وهکذا.
د- استخدام طریقة المشارطة والمراقبة والمحاسبة التی یذکرها علماء الأخلاق، فقد أُثبت مدى جدواها فی العدید من المسائل، أو استخدام أسلوب التأدیب والزجر کما فی النذر، من أجل لجم النفس التی کثیرًا ما تتقاعس عمّا ینفعها وتتجاوب مع ما یضرّها بسبب إملاءات الشیطان، وذلک بأن ینذر بالاستمرار على القراءة بالصورة التی تناسبه وإذا ما تخلّف فیعمل العمل الکذائی أو یدفع الغرامة الفلانیّة، والنفس تعتاد مع ذلک بالتدریج خاصة إذا کان ما یقابل التخلّف عن النذر صعبًا.
3- علاج التخبّط فی التعامل مع القراءة هو بمراعاة أمرین:
الأول: الرجوع إلى مرشد فی اختیار نوع الکتاب، من حیث فائدته، وتناسبه مع مستوى القارئ وحاجته ووقت فراغه وما شابه ذلک.
الثانی: اللجوء إلى أسالیب وفنون القراءة العامّة التی تعین فی تهیئة أفضل مناخ صحی ونفسی للاستفادة من القراءة ودوامها، من قبیل:
أ- الابتداء بالکتب السهلة والمحبّبة والصغیرة فی البدایة، وهذا أمر منطقی فحتى أبطال ریاضة حمل الأثقال لم یحملوا وزن المائتین کیلو أو أکثر منذ الأیام الأولى لشروعهم فی هذه اللعبة.
ب- التناغم مع نوعیّة الکتاب من حیث احتیاجه للتدقیق أو القراءة البطیئة أو السریعة وما شاکل ذلک.
ج- الأکل الجید والریاضة ومراعاة الصحّة الجسدیّة والنفسیّة.
د- مراعاة ظرف المکان من جهة راحة النفس، والهدوء، والإضاءة الجیّدة، وأن یکون محصورًا کی لا یتشتّت الفکر، وألا یکون فی غرفة النوم حتى لا ینعس القارئ سریعًا.
هـ - اختیار الزمان المناسب، خاصة فی الأوقات التی یکون فیها الذهن صافیًا ومتوقّدًا کعقیب صلاة الفجر، أو السحر وأمثال ذلک.
و- الجلوس المعتدل وعدم القراءة بهیئة الاستلقاء، وأن تکون المسافة بین الکتاب والعین متوسّطة.

ب- حلول الأسباب الخارجیّة:
1- التنظیم وترتیب الأولویّات یحلّ معظم مشکلات قلّة الوقت والانشغال، ثم لابد أن نعرف أن الحیاة لیست مقتصرة على إیجاد الرزق فقط، وإذا أوهمنا الأعداء أو الحکومات المستغلّة هذا الکلام فمن أجل تمریر مآربهم لا من جهة کونه صوابًا.
2- زیادة الوعی والبصیرة والارتباط بعلمائنا ومراجعنا الأبرار، والتعرّف منهم على التکلیف یبدّد العدید من المحاولات والدعایات المحاکة نحو فصل الأمة عن تراثها وکتبها، ویقوّم الأفکار الباطلة المتسرّبة إلینا.
3- اختیار الأصدقاء والأصحاب الصالحین والأجواء البیئیّة التی تشجّع على قراءة کتب الدین، وتجنب أصحاب العقائد الفارغة والمثبّطین لعزائم الناس.
4- فهم طبیعة ما یکنّه المستکبرون والغرب وسیاسات السلطات المستغلّة من عداء وضغینة بالإسلام والمسلمین، وأن دورنا حیال مخطّطاتهم هو عدم الانغماس فیها، ومحاولة التصدّی والکشف لزیفها ما استطعنا، إضافة إلى اعتبار تحمّل عناء ذلک أحد أنواع المجاهدة والصبر الذی نحن ملتزمون به بکوننا أصحاب مبدأ ورسالة، لا نستکین ولا نستسلم أمام هکذا ظروف ونعلم بأن نهایة المطاف: {وَالَّذِینَ جَاهَدُوا فِینَا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِینَ}(1)، و{وَلَنَبْلُوَنَّکُمْ بِشَیْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِینَ}(2).

الخــاتمــة
فی نهایة المطاف نتوصّل للنتائج التالیة:
أ- أنه لا یکاد یوجد سبب یؤدّی إلى ضعف الإقبال على قراءة الکتب الدینیة من غیر أن یوجد بإزاءه حلّ یرفعه أو لا أقل یذلّل من تفاقمه.
ب- لعلّ الخطوة الأولى والمهمّة لکل من یفکّر فی تنمیة روح القراءة فی نفسه هی الرجوع للعلماء الخبراء فی ذلک، فإن ملازمتهم وأخذ النصیحة منهم أخصر الطرق للوصول إلى النتائج المرجوّة.
ج- مجاهدة النفس وإلزامها العناء والصبر لتغییر ضعف الإقبال فیها إلى قوّة واندفاع نحو القراءة هو بحد ذاته مبدأ سام ورفیع ینبع من صلب الدین، وخاتمته الفوز والظفر لا محالة. والحمد لله رب العالمین.
-------------------
(1) سورة العنکبوت المبارکة: 69.
(2) سورة البقرة المبارکة: 155.

 

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.