15 December 2009 - 17:45
رمز الخبر: 1357
پ
التحلیل السیاسی:
رسا/التحلیل السیاسی- فی مجال السیاسیة یختلف الأمر عن المختبر، فلا یمکن لک عند الخطأ أن تعید التجربة، بل علیک أن تتحمل نتیجة الخطأ، وعلى معارضی النظام تحمل مسؤولیة ما حصل بجامعة طهران./ بقلم عبدالرحیم التهامی
المس برمزیة الإمام الخمینی..وبدایة النهایة لخطوط الانحراف.


لم یحبذ الکثیرون بأن یقوم التلفزیون الإیرانی ببث مشهد الاعتداء الآثم على صورة الإمام الخمینی(رض)، لیس بسبب أن الجریمة معزولة؛ اقترفتها ثلة من الضالین والمغرر بهم فی جامعة طهران، بل لأن المشهد وإذ یبث إعلامیا فإن دلالته تتجاوز بکثیر حجمه الحقیقی، وتوظفه وتستثمره القوى المتربصة شرا بالنظام الإسلامی ومسیرته فی حربها الدعائیة ضد الجمهوریة الإسلامیة.
ولأن المحذور قد وقع، والخطأ الإعلامی بالبث حوّل الحدث المعزول إلى مادة فی التداول الإعلامی المرئی والمکتوب، وأثار على الصعید الداخلی وخارجه حالة من ردود الفعل السیاسیة والشعبیة، کان لزاما على القیادة من أن تتخذ الموقف المناسب وهذا ما عبرت عنه کلمة قائد الثورة الإسلامیة السید علی الخامنئی أمام جموع الطلبة فی طهران أول أمس، حیث وضع الحدث المفجع فی سیاقه السیاسی وربطه بمجمل التطورات التی عاشتها إیران منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسیة فی یونیو الماضی، فأمام طلاب جامعیین فی طهران، کان قائد الثورة فی منتهى الوضوح حیث قال: "الذین انتهکوا حرمة الإمام الخمینی، إنما ارتکبوا هذه الجریمة النکراء بسبب الموقف الذی اتخذه البعض من النظام الإسلامی، ولولا ذلک لما قامت حفنة من هؤلاء الذین لا جذور لهم بمثل هذا العمل"، فالمسؤولیة السیاسیة تقع بموجب هذا القول على عاتق زعماء المعارضة، الذین تصرفوا خارج کل منطق سیاسی، ولم یخضعوا مواقفهم حتى لحسابات الربح والخسارة بالمعنى البراغماتی الضیق بما یخصهم کفریق، ناهیک عن معناها المتعلق بالنظام الإسلامی وبمجمل المکتسبات التی حققتها إیران منذ ثلاثة عقود من نهضتها الإسلامیة.
فإصرار هذا الفریق على إرباک الحیاة السیاسیة والخدش فی الصورة الأخلاقیة التی یمثلها النظام الإسلامی، والدفع بالأمور فی اتجاه التصعید، وکیل التهم الثقیلة المشوِّهة للجمهوریة الإسلامیة ومکانتها فی العالم؛ من قبیل ما تطوع به الشیخ کروبی فیما سُمی بانتهاکات السجون.. هیأ المزارع لنشاط أعداء الثورة وللجریمة غیر المسبوقة التی اقترفها الیائسون فی جامعة طهران.
الذی قرأناه فی الأدبیات السیاسیة، وعشناه فی التجربة؛ أنه حتى النقد الذاتی فی إطار التنظیمات والحرکات لا یصیر کذلک - أی نقدا- إلا بتوفر شروطه، فلا نقد ذاتی فی المفاصل الحساسة والدقیقة، أو فی أجواء الصراع المحتدمة مع هذه السلطة أو تلک، فالذی یرفع عقیرته بالنقد فی هکذا شروط حتى وإن کانت أطروحته النقدیة سلیمة ومدفوعة بنوایا حسنة، فإن التوقیت الخطأ وغیر المناسب یجره إلى دائرة الشبهة، بل وقد یُتهم بالخیانة، هذا على صعید الحرکات والتنظیمات السیاسیة.
فکیف یکون الحال، وبالنتیجة التوصیف؛ حینما تتقاطع موضوعیا إرادة فریق سیاسی مع مصالح الأعداء التاریخیین للثورة، وحینما یکون عائد المعارضة السیاسیة من مواقف وتحرکات صِرف مکاسب تصب فی الحساب الاستراتیجی للأعداء الدولیین والإقلیمیین؟
هذه المعارضة الإیرانیة والتی نظرنا إلیها فی بادئ الأمر على أنها تنویع من داخل الأسرة الثوریة، وأن وجودها لا یشذ عن ثوابت الثورة وقیمها وتوجهاتها الإستراتیجیة، وأن ممارستها لحق الاختلاف یندرج فی إطار تعدد الرؤى والمشاریع التی کفلتها الثورة لکل شخص أو تیار، تبدت ومن خلال کل أدائها السیاسی فاقدة للبصیرة والبوصلة والمشروع وللحساب السیاسی، إننا أمام مفارقة تاریخیة؛ إذ کیف تنشا من رحم نظام إسلامی ثوری ومقتدر؛ معارضة معوقَّة لا یرى فیها المراقب المنصف إلا ما یشبه حالة من المراهقة السیاسیة یتحکم فیها العناد، وتستغرق فی لحظتها السیاسیة من دون تشوّف للمستقبل وللفرص التی یتیحها لکل فاعل سیاسی واع وناضج، وکأن الزمن السیاسی بالنسبة لقادتها قد توقف مع انتخابات الرئاسة قبل ستة أشهرᴉ
إنّ منشأ الخطیئة السیاسیة الکبرى لهذا التیار "الإصلاحی" لا تنحصر فی إدراکه أنه یمثل مصلحة خارجیة إلى جنب کونه حاجة داخلیة فقط، بل وفی ضبط إیقاع حرکته وممارسته على هذا الأساس، وقد بدا ذلک جلیا منذ مرحلة الرئیس خاتمی، وقد کان لافتا کیف اجتهد هذا التیار خلال حملته الانتخابیة على رفع مؤشر الحملة إلى حدود الطاقة القصوى؛ لأجل تسویق مشهد انتخابی - للخارج قبل الداخل- فیه من إیحاءات الفوز والغلبة والاستئثار بالقاعدة الشبابیة والنسائیة بوجه أخص؛ أکثر مما فیه من مظاهر التباری الدیمقراطی الحر والنزیه.
کنا نعتقد أن انبثاق تیار إصلاحی من داخل تجربة النظام الإسلامی، وتبلور أطروحته وفق منسوبٍ عالٍ من النقد للکثیر من مظاهر الحیاة السیاسیة والثقافیة فی إیران؛ وهی لیست فی غنًى عن ذلک؛ یعدّ مظهرا من مظاهر الحِراک القوی فی هذا البلد، وهو الحراک الذی أنتج خصوصیة تجربته الإسلامیة و فرادتها، وذلک على خلاف الدول العقائدیة التی تکون بطبیعتها نزّاعة إلى التنمیط، وتهّب بدافع من غریزة التمرکز فیها إلى قضم کل هامش ثقافی أو سیاسی، سواء نشأ بالعرَض على هامش دینامیة الحیاة، أو افتتحته خِلسة نزوعات التبرم من کل قبضة حدیدیة، فجاء الخیار بعد انتصار الثورة، لیس لدسترة - من التنصیص الدستوری- احترام الإرادة الشعبیة فحسب بل وبتنمیتها، وإفساح الهوامش أمام تجلیاتها على کل أنواع المبادرات بعیدا عن الوصایة أو التسلط.
من هذا المنطلق کان التقدیر أن التیار الإصلاحی وعلى اختلاف تعبیراته یمثل حاجةً لنموّ وتطوّر الحیاة السیاسیة فی إیران، لیس فقط لأنه یشکّل قوة استیعابیة لشرائح من المجتمع الإیرانی تتجاوب مع شعاراته وأطروحاته، بل لأنه أیضا وعلى المستوى الموضوعی، یعدّ شرطا لتهذیب التوترات السیاسیة والاجتماعیة واستیعابها ضمن أطر وقنوات جدل الأفکار والمشاریع؛ وتصریفها کمصدر طاقة متجددة فی هذه التجربة الإسلامیة الممیزة، بما یقربها من کمالها الممکن والمنشود.
لکن بعد کل الذی حصل فلیس من المبالغة القول أن التیار الإصلاحی قد اقتحم فی مجازفة غیر محسوبة النتائج والعواقب مربع الأمن القومی، غیر عابئ بالمخاطر المحدقة بالجمهوریة الإسلامیة، وغیر متحسّب للتداعیات الدولیة والإقلیمیة التی یمکن أن تنشأ من افتعال أزمات داخلیة یلتقطها العدو على أنها من مظاهر الهشاشة فی النظام، ولن یتردد فی استغلالها وتوظیفها فی مسعاه المتواصل لتقویض نظام الجمهوریة الإسلامیة.
وللأسف فقد استمرأ هذا التیار لعبة التشویش على کل المناسبات الثوریة وعمل على تمییعها فی تحد سافر لرمزیتها ودلالتها الثوریة ووظیفتها التعبویة، وسمح لقاطرته الإعتراضیة؛ و دون اعتراض واضح منه؛ بأن تسع کل مناهضی الثورة؛ من بقایا فلول النظام البائد بالخارج، وما یسمى بـ"مجاهدی خلق"، والأعداء العقائدیین للنظام الإسلامی.. فی تجییر سیاسی انتهازی مفضوح لکل المعارضات الموتورة لزیادة الضغط على السلطات، وهذا ما قاد للجریمة الکبرى فی إهانة الإمام الخمینی (رض)، وهی الجریمة التی سیدفع ثمنها من وجوده ومستقبله.
وإذا لم یکن أحد یزعم بأن التجربة الإسلامیة قد أدرکت کمالها، بل هی بحاجة دوما لمن ینظر إلى أداء مؤسساتها من خارج الصورة، ولمن یلتقط انتظارات جمهورها التی قد لا ینتبه إلیها - سهوا- من هم فی موقع القرار، ولأن السیاسیة تقتضی المخالف، فستنتج الثورة مختلفها؛ لکنه المختلف الأصیل من داخل نفس المدرسة وعلى قاعدة الالتزام بثوابتها، فثورة فی مثل مقام الثورة الإسلامیة جدیرة بثوریین ملتزمین وبإصلاحیین راشدین ومتبصرین.
وختاما نقول..قد تقتضی المصلحة أحیانا الصبر على عدیمی البصیرة، والمصلحة هنا بمعناها الاستراتیجی، لکن حینما یصل الأمر إلى الشروع فی تقویض الثورة، بهتک کل مقدساتها، وکشفها من الداخل أمام العدو، فإن الواجب الثوری قد یملی خیارات أخرى، والرب الذی حمى هذه الثورة فی أشد الامتحانات، سیحمیها وهی فی معرکة أشد الابتلاءات دفاعا عن هویتها ورموزها، وقادتها ودماء شهداءها.

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.