25 May 2010 - 17:18
رمز الخبر: 2265
پ
رسا/تحلیل سیاسی - تحل علینا الیوم الذکرى العاشرة لتحریر جنوب لبنان، وهی المناسبة التی یجدر بنا أن نخلّدها احتفالا من باب التمکین لثقافة المقاومة فی نسیجنا الثقافی، وأن نعید فی ضوء حقائقها ومعطیاتها قراءة أوضاعنا السیاسیة واتجاهات الصراع فی أفق التحریر الشامل والکامل لفلسطین ولکل أرض عربیة محتلة./بقلم عبدالرحیم التهامی.
25أیار..التاریخ، وبدایة الجغرافیا السیاسیة الجدیدة فی المنطقة.


لم یکن تاریخ 25من أیار عام 2000، یوما مفصولا عن تاریخ طویل من المقاومة والتضحیة، بل هو فی الواقع لحظة التحول النوعی فی سیرورة الفعل المقاوم المتراکم عطاءًا وتضحیة، وتجربة فی العمل المسلح وتطویرا فی التکتیک السیاسی المتناغم معه.
باعتراف قادة المقاومة الإسلامیة، شکل "حزب الله" فی نشأته التاریخیة امتدادا نوعیا لتجارب المقاومة التی عرفها لبنان، فالعدید من کوادره العسکریة مرّوا من مدرسة حرکة التحرر الوطنی الفلسطینی، مع الإلفات إلى أنّ معنى الإمتداد یستبطن التجاوز ولا یعنی بحال تماثلا فی المنطلقات والرؤیة الإستراتیجیة، فالقیمة المضافة للمقاومة الإسلامیة إن جاز هذا التعبیر؛ تکمن فی خصوصیة النظرة إلى الصراع، بل إنّ "حزب الله" وتحدیدا فی سیاق نشأته وفی مشروعه الإسلامی والتحرّری شکّل مدرسة جدیدة فی الساحة اللبنانیة لا یمثل مبدأ ولایة الفقیه الذی تأسس علیه الحزب؛ إلا أحد مفرداتها الممیّزة.
انطلق "حزب الله" عملیا بعد الاجتیاح الإسرائیلی للبنان عام1982 والذی حقق أهدافه بإجلاء قوات منظمة التحریر الفلسطینیة عن بیروت، واحتلال ثانی عاصمة عربیة. هذه الانطلاقة لم تکن سهلة، بل یمکن القول أنّها انطلاقة عسیرة وتمت فی شروط معاکسة على أکثر من صعید، حیث تفشّت واستشرت ثقافة الهزیمة، وهی المرحلة التی عرفت تداولا واسع النطاق لمقولة "الزمن العربی الردیء"، وللإشارة فکل قادة "حزب الله" یؤکدون أن مشروعهم المقاوم کان موضع تندّر، وکان یُقال لهم کیف للعین أن تقاوم المخرز؟ᴉ
حصار بیروت، التواطؤ العربی، ربط مشروع التحرّر الوطنی الفلسطینی بالنظام العربی الرسمی، سقوط المراهنة على الحلیف الاستراتیجی ممثلا آنذاک فی الاتحاد السوفیتی.. کلها عوامل أسهمت فی انبثاق ثقافة الواقعیة السیاسیة، وتحجیم الطموحات الثوریة والتحرریة بما یتناسب وموازین القوى على الأرض.
"حزب الله" فی المقابل وبإزاء کلّ هذه المعطیات، والتی کان مدرکا لها، استمد قوّة الدفع الرئیسیة من ارتباطه بالولیّ الفقیه، ومن کون الثورة الإسلامیة تمثّل عمقا استراتیجیا لمشروعه السیاسی والمقاوم، ومن حیثیّته الشیعیّة التی تمجّد الاستشهاد وتجعل من الإمام الشهید الحسین بن علی(ع) نهجا ومشروعا فی المواجهة.
لا یمکن لکل متابع حصیف لتجربة "حزب الله" أن یفصل بین نموذج القیادة کما تجسدت مع الشهید عبّاس الموسوی ثمّ مع خلیفته فی الأمانة العامة السید حسن نصرالله حفظه الله، والخصوصیة التنظیمیة للحزب من جهة، وبین الإدارة الخلاّقة للمقاومة وما اقتضته من تفعیل لشرطها السیاسی من خلال المشارکة السیاسة وتحوّل الحزب إلى فاعل فی الحیاة السیاسیة اللبنانیة، من جهة ثانیة، وتفاعل کل ذلک فی تظهیر تجربة مقاومة فی الأمة صنعت النصر، وهاهی تحشر العدو فی مأزق وجودی لن یتجاوزه إلا إلى العدم، ای بتصحیح الجغرافیا والتاریخ.
وبتفصیل القول فإنّ المنجز التاریخی الذی حققه "حزب الله" فی25 أیار2000 والمتمثل فی تحریر الأرض، وفرض الانکفاء على المشروع الصهیونی القائم على التمدد والتوسع والاستیطان وفرض الوقائع على الأرض بمنطق القوة القاهرة وسلطة الردع، لا یمکن فصله عن نموذج القیادة بکل خصائصها الفکریة والثقافیة والعقائدیة والمسلکیة، کما لا یمکن عزله عن الرؤیة الإستراتجیة للصراع، والقدرة على اجتراح التفصیل التکتیکی العسکری والسیاسی، سواء فی منعطفات الصراع أو فی مسالکه العادیة.
عندما انطلق "حزب الله" مقاومًا لم یقف عند حدود الاستفادة من التجربة العسکریة للمقاومة الفلسطینیة، والتی طوّرها بشکل ملحوظ، بل استفاد من أخطائها ومظاهر قصورها أیضا، فاهتم ببعد آخر فی الصراع وهو ما یمکن أن نسمّیه بصراع العقول، وهو صراع شامل للأداء العسکری وتکتیکاته، وللجانب الأمنی والاستخباراتی، وللحرب النفسیة المستندة على معرفة دقیقة وتراکمیة بالعدو، ومستثمرة للتشریح السیکولوجی الذی أورده القرآن عن الیهود.
اللافت أنه عند الحدیث عن تجربة "حزب الله" فی السیاق العربی باعتباره تجربة مقاومة نموذجیة، أو کمشروع سیاسی؛ على قاعدة الملامح التی عکستها وثیقته السیاسیة الأخیرة؛ فإن المفارقة تبدو محیّرة لأنها تتقوّم بتفاوت مدهش بین الموقف الجماهیری المتفاعل مع الحزب والناظر إلیه کطلیعة فی الأمّة على صعید قضایا التحرر والمقاومة، وهذا ما تؤکده استطلاعات الرأی التی منحت قائده السید حسن نصر الله مرتبة متقدمة بین الشخصیات الأکثر شعبیة فی العالم العربی، فی مقابل ذلک، وعلى صعید موقف الأحزاب الوطنیة والحرکات الإسلامیة؛ فإن الخلل یتبدّى عظیما لجهة عدم قدرة هذه الأحزاب والحرکات فی الارتقاء إلى مستوى المتغیّر السیاسی والثقافی الذی فتح علیه الإنجاز المقاوم لـ"حزب الله"، بل لا نبالغ إذا قلنا أن بعض هذه التیارات الوطنیة والإسلامیة قد استشعرت الحرج -أمام قواعدها- من نمط ومستوى القیادة التی قدمها "حزب الله" للعالمین العربی والإسلامی، فراحت توظف التمایز المذهبی وتضخّمه وتسوّقه داخلیا لتقویض النموذجیة، ولتنأى بنفسها عن استحقاقات العلاقة الموضوعیة فی الصراع بینها وبین الحزب الطلیعی، فی إطار جبهة مقاومة واسعة وعریضة، مع الاستدراک بأن کلا من "حماس" و"الجهاد" قد شکلتا استثناءا على هذا الصعید، بل إن الکثیر من الأطراف الحزبیة فی العالم العربی، وخاصة منها تلک التی تؤسس لهویتها القومیة والنضالیة بموقع متقدم للقضیة الفلسطینیة فی برامجها، لم تمد جسور حوار مع الحزب، ولا هی احتفت أو تحتفی بانتصاراته التی هی فی المحصلة النهائیة انتصارات للأمة، ولا هی التفتت لوثیقته السیاسیة المنبثقة عن مؤتمره الأخیر، والتی یسمح مضمونها- بحسب تقدیرنا المتواضع- ببلورة إطار نضالی مشترک، بل وبقیام خارطة تحالفات تسهم فی الحد الأدنى على إشاعة ثقافة المقاومة فی الأمة، وقطع الطریق على محاولات تشویه صورة الحزب بتوظیف الترسبات المذهبیة فی الوعی، وتعزیز مشروع مقاومة التطبیع الذی تدعمه بعض الأنظمة، فضلا على تغطیة الحزب ومقاومته سیاسیا کرد على الحملة الممنهجة التی تقودها أطرافا إقلیمیة.
نشعر بالأسى ونحن نشهد هذا التبخیس للانجاز المقاوم الذی افتتح عصر الانتصارات ونسخ زمن الهزائم، فی حین لازال التفجّع وجلد الذات واستحضار تواریخ الهزیمة دیدن النخب والمثقفین، وکأن 25أیارالذی سفّه أوهام الواقعیة السیاسیة، وکشف عن زیف وأباطیل خرائط الطریق التسوویة، وأسّس لانتصار2006 المجید، غیر کاف لیشکّل رافعة لأمّة مقاوِمة تمزج بین مشروعی التحریر والوحدة على سبیل استعادة المکانة الحضاریة وفی خط النهوض بالأدوار الرسالیة.
للذین صنعوا أمجاد25أیار وما بعده وفی مقدمهم سماحة السید حسن نصر الله، والشهید عماد مغنیة کل التحیة والتقدیر.
کل 25 أیار و(إسرائیل) أوهن من بیت العنکبوت.
وکل 25أیار والمقاومة شامخة فی زمنها، وشامخة فی الأنفس الأبیة.

ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.