تحلیل سیاسی:
رسا/تحلیل سیاسی- لا یمکن فهم التفجیر الإرهابی المزدوج فی زاهدان إلاّ باعتباره حلقة تسخین فی المحافظات الحدودیة، فبعد فشل الرهان على التغییر السیاسی، جاء المتغیر فی الاستراتجیة الأمنیة الأمریکیة تجاه إیران من خلال انحصار الرهان على الفتن المذهبیة والإثنیة لإرباک الداخل الإیرانی.
بقلم عبدالرحیــــم التهامــی.

سیاسیا لا یمکن فصل التفجیر الإرهابی الذی استهدف المسجد الجامع فی زاهدان لیلة الجمعة الأخیرة عن سیاق الاشتباک الذی تتعرض له الجمهوریة الإسلامیة فی إیران على الواجهات الدولیة والإقلیمیة والإسرائیلیة، وللمفارقة فإن التنظیم الإرهابی الذی أعلن مسؤولیته عن التفجیرین الجبانین تقاطعت فیه وعلیه رهانات هذه الإطراف جمیعها، فاعترافات المدعو قید حیاته بعبد المالک ریغی أکدت الرعایة الأمریکیة الخاصة لجماعته الضالة عن صراط الله المستقیم، فضلا على الدعم الإسرائیلی ومعه تمویل بعض الأطراف الإقلیمیة؛ لها مصلحة فی أن تمسک ببعض الأوراق الإیرانیة لتساوم بها على الدور الإقلیمی المتنامی لإیران فی المنطقة.
فی التوقیت، لست ممن یرى بأنّ قرار التنفیذ له علاقة مباشرة أو جاء کرد على الانفضاح الأمنی والاستخباری الذی منیت به أمریکا فی قضیة الباحث الإیرانی شهرام أمیری، وإن کان التزامن یُستثمر أمنیا لجهة الإیحاء بهذا الربط، بل إنّ التقدیر هو فی کون العملیة تندرج فی إطار مشروع أکبر و یندرج فی سیاق الرد على الانجاز الأمنی والنوعی الذی حققه جهاز المخابرات الإیرانی باعتقال زعیم العصابة عبد المالک ریغی، ومن ثم إعدامه بعد محاکمته. فقد أُرید من رسالة تفجیری زاهدان التأکید على إعادة التأهیل العملیاتی لهذه الزمر الإرهابیة وجاهزیّتها لتنفیذ أهداف ورهانات الجهات التی لها مصلحة فی ضرب الاستقرار فی بعض المحافظات الحدودیة لخلق توترات اثنیة ومذهبیة تربک صانع القرار الاستراتجی فی طهران.
ما یعزّز هذا التقدیر هو رمزیة المکان والمناسبة، فالاستهداف الجبان اختار المسجد الجامع لزاهدان وهو رمز للتلاقی الشیعی السنی فی محافظة سیستان وبلوشستان، کما أن المناسبة کانت هی الاحتفال بذکرى مولد الإمام الحسین علیه السلام حیث یکون الحضور نوعیا فی مثل هذه المناسبات، ولعل انتخاب الهدف ومعه الإعداد اللوجستی قد تطلب الکثیر من الوقت حتى جاء الرد على عملیة الصید الثمین (اعتقال ریغی وإعدامه). ولعلّ المعطى المهم الذی لا ینبغی أن یغیب عن مشهد الجریمة هو ما أعقب عملیة التفجیر المزدوج، من محاولة لإثارة الاضطرابات فی زاهدان کسیناریو لتوفیر غطاء سیاسی للجریمة الإرهابیة، وإدراج الأمر فی إطار صراع سنّی ضد الهیمنة الشیعیة فی هذه المناطق، وهذا ما عملت بعض وسائل الإعلام على ترویجه.
لیس ثمة شک فی أن الرهان –وهو هنا أمریکی إقلیمی صهیونی- على المجموعات الإرهابیة قد تزاید بشکل کبیر خاصة مع انتهاء المخاض الحرکی المعارض إلى مجرد حالة تشویش بئیسة تنفّس عن إحباطاتها وهامشیتها ببیانات تتوسل بها الخارج کی لا یسقطها من حسابات المستقبل. وقد جاءت اعترافات ریغی لافتة لجهة تعاظم الاهتمام ونوعیة عروض الدعم التی قدمت لمجوعته الإرهابیة، بحیث جاءت الطفرة فی علاقة ریغی بمشغلیه فی أجهزة المخابرات الأمریکیة وغیرها متزامنة مع خیبة الرهان على الموجة الخضراء التی تکسرت على صخرة الحقائق الصلبة فی الوضع الإیرانی. ففی سیاق هذا الاهتمام والدعم المتزاید جرى تفجیر "ملتقى الوحدة" فی تشرین الأول (أکتوبر) 2009 بمدینة سرباز الذی استهدف اجتماعاً لقادة الحرس مع رؤساء قبائل، سنّیة وشیعیة، فی محافظة سیستان بلوشستان (جنوب شرق إیران)، أدت إلى استشهاد 42 شخصاً من بینهم زعماء عشائر من السنة والشیعة، وقادة فی الحرس على رأسهم نائب قائد القوات البریة فی الحرس الثوری نور علی شوشتاری.
هناک استراتجیة أمریکیة منحصرة الآن ولعلها أخذت الصدارة بعد أن حُسمت ورقة المعارضة السیاسیة، وهی ورقة الإرهاب ودعمه بموازاة إثارة الفتن والاضطرابات تحت عنوان الحقوق والمطالب المذهبیة والإثنیة فی المحافظات الحدودیة والتی تعتبر بحسب التصنیف الأمریکی مناطق رخوة.
ولعل أخطر ورقة یراد بها استنزاف إیران داخلیا وإحراجها إسلامیا هی ورقة الفتنة السنیة الشیعیة، ففضلا على وظیفة الاستنزاف هذه هناک التشویه الذی یراد له أن یطال صورة المشروع الإسلامی وإظهاره بصورة النموذج الطائفی المتعسف على حقوق الأقلیة من الإخوة أهل السنة.
فعندما تعمد أمریکا إلى إعادة ترمیم بنیة تنظیم ما یسمى بـ(جند الله) بعد إعدام زعیمه، ودفعه إلى المسرح العملیاتی مجددا فهذا یؤکد حیویة الورقة المذهبیة فی الإستراتجیة الأمریکیة على صعید المنطقة، ویکفی أن نشیر هنا إلى المخطط الذی یُحضّر لضرب المقاومة الإسلامیة فی لبنان واغتیالها معنویا ورمزیا من خلال توّجه المحکمة الدولیة إلى اتهام "حزب الله" باغتیال الرئیس الحریری، وما سیعقب هذا الاتهام من توتر مذهبی یتخطى لبنان إلى کل المنطقة، فالطابور الخامس یحضّر خططه فی التهییج المذهبی وفق السیناریو المرسوم للمنطقة.
انه لانکشاف وافتضاح مدوّی للسیاسات الأمریکیة فی المنطقة ذاک المعزَّز بالحقائق والمعطیات، فالدولة التی قامت استراتجیتها الخارجیة ومنذ تفجیرات 11 ایلول على مکافحة الإرهاب، وأخضعت القرار الأمنی لأکثر من دولة إسلامیة لضرورات هذه الإستراتجیة، وتدخّلت فی البرامج التعلیمیة للعدید من الدول الإسلامیة منتهکة بذلک سیادة الدول؛ هی نفسها من یدعم ویقف وراء المجموعات الإرهابیة کمجموعة (جند الشیطان) ویمدها بکل الوسائل المتطورة لتنفیذ عملیاتها الإرهابیة.
وإذا کانت أمریکا منسجمة مع هویتها وطبیعتها، وهی لا تقوم إلا بما دأبت على القیام به من تآمر وتخریب کما یشهد على ذلک سجلها الإجرامی، فإن للمرء أن یتساءل عن مبرر سکوت "الاتحاد العالمی لعلماء المسلمین" وإحجامه؛ کما فی جرائم سابقة؛ على إدانة إرهاب فیه حیثیة تلبس -ادعاءً- بالانتماء لأهل السنّة فی إیران، إرهاب موصول الصلة بأمریکا و(إسرائیل) رعایة وأهدافا، إرهاب یستحل دماء المسلمین ویضرب إیران فی الظهر؛ إیران التی تتصدى للمشروع الأمریکی الصهیونی فی المنطقة، وتواجه الأطماع الاستکباریة فی العالم الإسلامی وهی التی لم تقصر تجاه دعم قضایا الأمة وتعمل ما فی وسعها لتعزیز وحدتها.
کان لا یزال شیء من الأمل معلقا على الاتحاد العالمی مع انعقاد جلسات الجمعیة العامة الثالثة فی استانبول نهایة الشهر الماضی، لکن یظهر أن موقع المتطرفین قد تعزز أکثر فی الهیئة العامة للاتحاد، وأنّ الشیخ القرضاوی الذی جُدّد له کرئیس للاتحاد العالمی لعلماء المسلمین لا زال عند موقفه الإتهامی لإیران برعایة خطط لتشییع العالم السنّی الذی کان أعلنه قبل سنتین تقریبا، ما یجعله بعیدا عن تحمل موقف یذهب فی الاتجاه المعاکس لرهانات بعض الدول الإقلیمیة التی راهنت هی أیضا، ولا زالت، على حصان ریغی وعصابته من القتلة والمجرمین.
فالأکید أنّ جرائم أمریکا لن تمر من دون حساب، فسجلّها الإجرامی یهرول بها إلى نهایة دورتها الحضاریة المحتومة، ولن ینجح رهان الفتنة المذهبیة أمام أصالة المشروع الإسلامی الثوری فی إیران، کما لن یفلح فی استنزاف المقاومة الإسلامیة فی لبنان أو صرفها عن معرکتها الأساس ودرس یوم7 أیار المجید لیس منّا ببعید.
إنها الأثمان التی یدفعها مشروع النهضة والمقاومة فی الأمة..على خط الولادة الجدیدة التی بدت علاماتها جلیّة أکثر من أی وقت مضى.
(سَیُهْزَمُ الْجَمْعُ وَیُوَلُّونَ الدُّبُرَ).
ارسال تعليق
لن يتم الكشف عن الآراء التي تتضمن إهانات للأفراد أو الإثنيات أو تؤجج النزاعات او تخالف قوانين البلاد و التعالیم الدينية.